أهم الأحداثاجتماعيصحة

أم وابنتاها خرجن من الرحم ذاته.. الجراحة النادرة في فرنسا

بيروت ــ الرأي الجديد

آخر ما توقعته السيدة الفرنسية، ديبوراه برليوز، بعد رحلة 35 عاماً من حياتها، تأرجحت خلالها بين الاستسلام والأمل، أن تُنجب طفلتها ميشا من رحم أمها، الرحم ذاته الذي تكوّنت في داخله قبل 3 عقود. ليست الجدة بريجيت من حملت بحفيدتها، لكنها هي من تبرّعت برحمها لابنتها.

بفضل جراحتين دقيقتين هما الأوليان من نوعهما في فرنسا، استؤصل رحم بريجيت الستّينية وزُرع في أحشاء ابنتها الثلاثينية على يد البروفسور اللبناني – الفرنسي جان مارك أيوبي وفريقه بالتعاون مع فريق طبي سويدي، في مستشفى “فوش” في باريس عام 2019. والآن تفصل ديبوراه أيام عن استقبال ابنتها الثانية من الرحم المزروع.

ابنتي ليست أختي
أمضت ديبوراه، عمراً وهي تظنّها أكبر المستحيلات. بصوتٍ مطمئنّ تروي الحكاية: “منذ علمنا بمصابي، ظلّت أمي تكرّر أنه لو بإمكانها منحي رحمها، لما ترددت”.

لا يربكها الحديث في الموضوع، بل تتعامل معه بمنطق علميّ، “إنه فعلاً الرحم الذي تكوّنّا فيه – شقيقاي وأنا – لكن باقي العناصر التي سمحت بولادة ابنتي كالبويضات وغيرها، هي مني أنا. حصل الحمل داخل أحشائي. ميشا ابنتي البيولوجية وليست أختي”.

عندما يتذكّر البروفسور أيوبي لحظة ولادة ميشا، يسترجع الرضا الذي شعر به حينذاك، لكنه لا يتخلّى عن حذره، رفيقه الدائم. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرحلة طويلة أمامنا ونحن ما زلنا في طور الأبحاث. عملية زرع الرحم لم تصبح روتينية بعد، بل هي تحت الاختبار وخاضعة للتحوّلات. سنشهد في المستقبل مثلاً دوراً أكبر للتقنيات الروبوتية في مرحلة الزرع، والتي ما زالت تجري يدوياً”.

حصلت نحو 100 عملية حول العالم حتى اليوم. 75 منها نجحت لناحية الزرع، وعن العمليات الـ75 نتجت 50 ولادة. هي أرقام مشجّعة بالنسبة لجراحة دقيقة وحديثة العهد. ولعلّ ديبوراهبرليوز هي الدليل القاطع على أن السيدات المحرومات من أرحام، لن يحرمن بالضرورة من فرصة الأمومة، يضيف البروفسور أيوبي..

“شيءٌ ما في داخلي كان يدفعني إلى عدم فقدان الأمل”، تواصل ديبوراه البوح. كانت في السابعة عشرة يوم علمت بأن لا رحم داخل أحشائها، لكن رغم صغر سنها صَعُب عليها استيعاب أنها لن تصير يوماً أماً. تقول: “انهارت أحلامي قبل حتى أن تبدأ حياتي كسيّدة متزوّجة”، إلى أن جاء ذلك اليوم من عام 2014، حين أُعلن في السويد عن ولادة أول طفلة من رحم مزروع. استيقظت الآمال في رأس ديبوراه ما إن قرأت الخبر؛ “كانت تلك المرة الأولى التي أكتشف فيها أنني أمام فرصة ما، وأن الأمل ليس مفقوداً”.

ماراثون مزروع بالمطبّات
في تلك الأثناء، كان البروفسور أيوبي يراقب من داخل عيادته في مستشفى “فوش”، التطوّر الحاصل، ويسعى جاهداً لنقل التجربة إلى فرنسا. لم يكن الأمر سهلاً، فالعملية معقّدة ودقيقة وشروط حصولها ونجاحها متشعّبة. لكن أخيراً، أُنجزت المهمة عام 2016 وانطلقت التجارب الطبية لتقييم حالة ديبوراه ووالدتها التي تحمّست للمشروع أكثر حتى من ابنتها.

كثيرة هي المطبّات التي تتخلل رحلة زراعة الرحم. من فحص الخصوبة للسيدة ولزوجها، مروراً بفحص التطابق مع الواهبة، انتقالاً إلى التلقيح الصناعي (IVF) للحصول على جنين، وليس انتهاءً بعمليتي الاستئصال والزرع.

يحصل كل ذلك وسط متابعة نفسية للواهبة والمتلقية، يتولّاها فريق من المعالجين؛ إذ إن أبرز تحديين حسب أيوبي هما “الحصول على طفل سليم، وتحمّل شقاء الرحلة الطويلة”.

اليوم وهي تنتظر خروج طفلتها الثانية ماكسين من الرحم المزروع، تسرد ديبوراه لنفسها الحكاية التي سترويها لابنتيها لاحقاً؛ “تيتا أعطت ماما هدية جميلة. منحتها عشاً كان ينقصها لتحضن فيه عصفورتيها الصغيرتين”.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى