1.المشهد الثقافي3.كتب و أفكارأهم الأحداثبانوراما

كتاب : “الله والعلم والبراهين”… نسف فكرة الإلحاد والتأسيس للايمان بعقل علمي

حوار مع المؤلفين ميشيل إيف بولوريو، وأوليفييه بوناسي

تونس ــ الرأي الجديد (مواقع)

أجرى موقع “لكم” الأردني، حوارا مع مؤلفي الكتاب / الحدث، “الله والعلم والبراهين” الباحثان، ميشيل إيف بولوريو، وأوليفييه بوناسي، تناول مضمون الكتاب الذي يهز الأوساط الثقافية والعلمية والإعلامية في فرنسا وأوروبا، بعد أن خلخل الأسس التي بني عليها الفكر الإلحادي في العالم.

ويحرص المؤلفان، على وضع القارئ في صلب نقاش علمي عقائدي، شغل بال البشرية منذ أن وجدت، ويشغل اليوم بال الكثيرين حول العالم، ويطرح الكتاب أسئلة علمية، من شأنها إعادة النظر في بعض مسلماتنا أو فقط الاطمئنان إليها.

وفيما يلي ترجمة الحوار.

من لم يتجول بعينيه في السماء ليلا، وهو يطرح على نفسه مجموعة من الأسئلة؟ هل نحن وحدنا في وسط هذا الكون الهائل ؟ هل كوننا هذا له حدود ونهاية، والأهم من ذلك، كيف يمكن أن يكون قد خلق كل هذا الكون ؟ بالاعتماد من بين أمور أخرى، على نظريات الديناميكا الحرارية، والنسبية العامة، والفيزياء الكمية، ولكن أيضا دراسة لحظة الانفجار الكبير وعلم الأحياء والضبط الكوني الدقيق، كسر الباحثان ميشيل إيف بولوريو أوليفييه بوناسي، الحدود الفاصلة بين العلم والإيمان ويستعدان لإطلاق “نقاش عام كبير” انطلاقا من كتابهما الأخير “الله والعلم والبراهين”..

من الآن فصاعدا، هل وجود إله خالق الكون، هو الخيار الأكثر عقلانية من وجهة نظر علمية؟

بالنسبة للمؤلفيْن، فإن الاكتشافات العلمية في القرن العشرين والعقود الماضية، بعيدا عن الابتعاد عن فكرة الله، تسمح على العكس اليوم بتأكيد أن الكون له بداية مطلقة
“le Big Bang”، أي الانفجار الكبير المقابل جيدا لهذه الرؤية – ونهاية يمكن التنبؤ بها، كما تميل الديناميكا الحرارية إلى إثبات ذلك. كما تم ضبطه بشكل دقيق جدا في معطياته الأولية وكذلك في قوانين الفيزياء والبيولوجيا.
ويبدو أن هذين العنصرين، اللذين أكدهما العلم بطرق مختلفة، يؤديان بطبيعة الحال إلى اعتبار أن كائنا مبدعا عالما هو الذي أنشأه. وإذا اتبعنا هؤلاء الكاثوليك المتحمسين، الذين يستحضرون في الجزء الثاني من عملهم الضخم الذي يبلغ حجمه 600 صفحة “نتوءات التاريخ”، فإننا مدينون حتى للإله اليهودي المسيحي بظهور المادة والزمان والمكان، وبالتالي الإنسان…

وبالاعتماد على الكثير من الاقتباسات والمعطيات الفلسفية والعلمية واللاهوتية، يعتبر كتابهما محاولة لعكس بعض الفرضيات المتداولة على نطاق واسع: سيكون من الصعب جدا بعد قراءة عملهما إثبات أن الإله غير موجود. في مقابلة أجرتها معه قناة  CNEWS، لا يتردد أوليفييه بوناسيس، خريج معهد البوليتكنيك ومؤسس المركز الدولي مارية الناصرية   Marie de Nazareth  ( إسرائيل) وأليتيا (Aleteia (، أول موقع للطائفة الكاثوليكية في العالم)، في الحديث عن “الثورة العلمية”.

 

** كيف جاءت فكرة إنتاج هذا العمل المشترك حول سؤال يظل أساسيا؟

ـــــ ولد المشروع لأنني في أحد الأيام قمت بتصوير فيديو شرحت فيه الأسباب التي جعلتني أصبح مؤمنا في سن العشرين. اكتشفت أسبابا منطقية للإيمان بالله عن طريق الصدفة. حاولت أولا العثور على الخلل، ولكن كان علي أخيرا أن أدرك أن هذه الأسباب والحجج كانت قوية جدا. خلال المشاريع التي أنجزتها بعد ذلك، ساعدني ميشيل إيف بولوري، لفائدة مركز مارية الناصرية الدولي ثم لموقع ألتيا. ثم في أحد الأيام، أخبرني اثنان من أطفالي عن مدرس الفلسفة، الذي كان ينتقد الدين. سألاني كيف يمكنني مساعدتهماعلى دعم حججهما.

وبدعوة من هذا الأستاذ ، ذهبت إلى أحد دروس الفلسفة لتقديم رؤيتي للأشياء وسجلنا مداخلتي ثم وضعناها على شبكة الإنترنت فأصبح شريط الفيديو هذا متداولا بكثرة وكان عنوانه “الدليل على وجود الله ودوافع مسيحية للإيمان بالله ” حتى وصل إلى 1.5 مليون مشاهدة. وشاهده ميشيل إيف بولوري، وعرض علي أن أسجل شريطا إضافيا يعزز مضمون الشريط الأول بحجج أقوى وهكذا اتفقنا على أن نشتغل معا على كتاب حول هذه الأسئلة التي كان يفكر فيها منذ ثلاثين عاما. عملنا على ذلك لمدة ثلاث سنوات، وحرصنا على تدقيق الكتاب من طرف علماء كبار جدا حتى يكون مضبوطا ضبطا كاملا وهكذا استفدنا من خبرة روبرت ويلسون، وهو من المكتشفين لحقيقة الانفجار الكبير وحائز على جائزة نوبل، وهو الذي كتب تقديم الكتاب.

** الكتاب يميل إلى إثبات أنه ، خلافا للاعتقاد الشائع ، فإن أحدث الاكتشافات العلمية تفضل الذهاب في اتجاه إثبات وجود خالق للكون. ما هي الحجج التي تستندون عليها؟   

ـــــ تاريخيا، في كل الحضارات، وفي جميع القارات، كان البشر يؤمنون دائما بوجود إله خالق . لقد نظروا إلى الكون، ورأوا جماله وانسجامه وترتيبه، واعتبروا أن كائنا أعلى كان بالضرورة وراء هذه الإبداعات والتفكير الفلسفي أيضا، مثل الأسئلة الأخلاقية، أو تأملات في تفرد الإنسان وسط هذا الكون الشاسع، ساعد على التحقق من صحة هذه الفكرة. وأخيرا، فإن المعتقد اليهودي المسيحي، مع الكتاب المقدس، وتاريخ الشعب اليهودي، والشخصية الفريدة ليسوع، وآلاف المعجزات و القديسين المعروفين سجلة أعطى العديد من المبررات الأخرى للاعتقاد بوجود الله الخالق. إلى كل هذا يجب أن تضاف شهادات كل أولئك الذين لديهم تجربة شخصية مع الله، مثل أندريه فروسار الذي كتب هذا الكتاب الشهير “الله موجود، لقد التقيت به”، لذلك فهناك الكثير من المبررات للإيمان.

ولكن قبل أربعة أو خمسة قرون، طور العلم خطابا أسميه بديلا، حيث بدا أن تفسير العالم قادر على الاستغناء عن الله. من كوبرنيكوس إلى فرويد إلى غاليليو إلى داروين، بدا أن سلسلة كاملة من التقدم العلمي تقول، كما فعل لابلاس مع نابليون، “لسنا بحاجة إلى فرضية الله لشرح العالم”. وقد أدى ذلك إلى تيار مادي قوي جدا، بل ومهيمن. ولكن منذ بداية القرن العشرين، تحول العلم ويبدو أنه يؤكد صحة القول المأثور “القليل من العلم يبعدنا عن الله والكثير من العلم يعيدنا إليه “. وفي سياق التقدم الذي أحرزته العلوم ، سلطت الضوء على الديناميكا الحرارية، وفيزياء الكم، والنسبية، وعلم الأحياء – مع اكتشاف الانفجار الكبير – والتعقيد في البيولوجيا والدقة القصوى للثوابت التي تنظم كوننا. كل هذه العناصر قلبت الأمور، وأدت إلى ملاحظتين.

إذا كانت هناك بداية للكون، فهناك سبب يسبق ظهوره. أولا وقبل كل شيء، فهمنا أن الزمن اللانهائي الأزلي في الماضي مستحيل وأن هناك بداية مطلقة للزمان والمكان والمادة، وهي عناصر مرتبطة كما علّمنا آينشتاين. الآن، إذا كانت هناك بداية، هو أن السبب في أصل هذا الظهور ليس ماديا ولا مكانيا ولا زمنيا، ولكن يتجاوز وجودنا ووجود الكون كله و نحن عندئذ قريبون جدا من تعريف الله الذي تحدثت عنه جميع الفلسفات والأديان الكلاسيكية. الملاحظة الأخرى هي أن هناك ضبط دقيق للكون. لو لم تكن هناك الثوابت، أو المعطيات الأولية للكون كما هي بالضبط، لما كانت الذرات موجودة، ولم يكن من الممكن أن تتشكل النجوم وتستمر لمليارات السنين، ولما كانت الحياة المعقدة لها أية فرصة للتطور.

هاتان الملاحظتان تقودنا بطبيعة الحال إلى الاعتقاد بأن هناك، في أصل كل هذا، عقل عالم أراد خلق العالم حتى نتمكن من الوجود. هذه الأطروحة هي الأكثر طبيعية انطلاقا من المعطيات العلمية المتاحة ولكن بما أن هناك أيضا العديد من المجالات الأخرى التي تعمل فيها العقلانية وتوصلت إلى نفس الاستنتاجات، لدينا في المجموع مجموعة من الأدلة العقلانية المتقاربة والمستقلة، مما يجعل من الممكن التوصل إلى يقين حقيقي.

** ما هي الأدلة العقلانية الأخرى التي تتحدثون عنها؟

ـــــ من الغريب جدا أن نرى أن الكتاب المقدس يذكر الحقائق التي اكتشفها الشعب العبري ولكن جميع الشعوب الأخرى – التي تعلمت أكثر من ذلك بكثير – تجاهلتها حول الله والإنسان والطبيعة والكون. ومن الغريب بنفس القدر أن نرى الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد في العصور القديمة الذي لا يزال موجودا على الأرض ويحمل نفس المعتقدات، أو أن رجلا يبلغ من العمر 30 عاما، هو يسوع، الذي لم يكتب شيئا، والذي مات على صليب، أصبح هو الذي كان له أكبر تأثير على تاريخ البشرية، كما أعلن هو والكثير من النبوءات. إن معجزة فاطمة (في البرتغال) هي أيضا، كما نتناول في الكتاب، سؤال عقلاني حقيقي حول وجود الله. كيف يعلن مجموعة من الأطفال، قبل ثلاثة أشهر من حدوثها، عن معجزة سيتمكن الجميع من رؤيتها، في وقت محدد جدا؟

في هذا الكتاب ، طرحنا تساؤلات حول العقلانية. في العشرين من العمر، اعتقدت أن المؤمنين هم أشخاص غير عقلانيين مسجونون في لاعقلانيتهم، وأن العقلانية كانت تعزز الإلحاد لكنني فوجئت عندما اكتشفت أن العكس تماما هو الصحيح. والملاحظة التي أسجلها اليوم أكثر وضوحا. أن تكون غير مؤمن اليوم ، إذا كنت ترغب في النظر إلى معطيات العالم الحقيقي ، أمر غير عقلاني تماما. العقلانية أصبحت تعزز الإيمان. إن المفاجأة التي عشتها في سن العشرين، أعتقد أن قراء الكتاب لديهم فرصة ليعيشوها بدورهم اليوم…

ولكن ألم يكن العلم، كما تطور في أوروبا، قد جعل من الممكن أن يثبت بشكل قاطع أن تفسير العالم من حولنا، ومسألة كيف، كان مسألة علم، في حين أن فهمه، والسؤال عن السبب، هو مسألة دين أو فلسفة؟

بعض الناس يعتقدون ذلك، لكنني لا أتفق مع هذا الرأي على الإطلاق. حتى الملحدون، مثل ريتشارد دوكينز (عالم الأحياء البريطاني والمنظر التطوري، ملاحظة المحرر) لا يعتقدون ذلك. هناك حقيقة واحدة فقط، وإذا كان الدين والعلم يزعمان التحدث عن العالم الحقيقي، فيجب ألا يكونا متناقضين. لا يجب أن نصاب بالانفصام وإذا كان هناك وحي قد تشكل في قصة ما وإذا كان يزعم أنه ليس لديه تفسير بعيد عن الواقع تماما ، ثم هناك الكثير من التفاعل مع العالم الحقيقي (راجع الصفحة 46 من الكتاب) ، ويجب التحقق من كل هذا من طرف العلم. إن العلم يحلل العالم الحقيقي، ويذكر عن العالم الحقيقي عددا من الأشياء. إذا كان طموح الدين هو أيضا الحديث عن العالم الحقيقي فهناك دون شك أرضية مشتركة بطبيعة الحال وتفاعلات بينهما.

فالدين، المسيحي على أية حال، أكد دائما، على سبيل المثال، أن العالم قد بدأ في لحظة ما هي البداية وستكون له نهاية وأنه في الوقت نفسه يتآكل. ومع ذلك ، هذه هي الأشياء التي يمكن تحليلها الآن بالعلوم. ويؤكد الدين أيضا أن هناك نية وراء وجود الإنسان، وهو هدف لكل هذا الخلق وأن وجودنا ليس بسبب الصدفة. وهو أيضا شيء يمكن الآن أيضا تحليله في مجال العلوم. هل يمكن لقوانين الصدفة وحدها أن تكفي لتفسير وجود الإنسان، أم أنها غير محتملة على الإطلاق؟ وإذا كان هذا مستبعدا تماما، فإنه يثير تساؤلا عميقا.

إذا رأينا معجزة، فإن النظرة المادية للعالم تطرح إشكالية.

مثال آخر: إذا كنت في عالم مادي، لا يوجد ظهور أو معجزة محتملة. ولكن إذا رأيت في العالم الحقيقي ظهورا لا جدال فيه أو معجزة تغير أحيانا قوانين الطبيعة، فيجب التشكيك في نظرتك المادية للعالم. وبنفس الطريقة، في عالم مادي، لا يوجد وحي محتمل. الآن، إذا وجد شعب بدوي صغير تائه وسط الإمبراطوريات المنظمة العظيمة وهو الوحيد الذي يؤكد أن الشمس والقمر ليسا آلهة بل مجرد أنوار، أو أن العالم لديه بداية ونهاية، أو أنه لا توجد آلهة مع رؤوس تتجادل في السماء أو تختبئ في الطبيعة، ولكن هناك إله واحد، متعالي هو الذي خلق كل شيء من لا شيء، وهنا أيضا فإن الرؤية المادية للعالم تنهار. أن الشعب العبري الذي لم يكن لديه علماء فلك أو مكتبات أو علماء في العصور القديمة، يكتشف ذلك – في حين أن جميع الشعوب الأخرى حولنا، والعلماء، يعتقدون العكس – كيف يمكن تفسيرهذا بعقلانية؟

** في رأيكم، هذا الإله الخالق خلق الكون من أجل وجود الإنسان؟ هل نحن الهدف من خلق الكون؟

ـــــ إن الإجابة على هذه الأسئلة بدقة أمر خارج عن موضوع هذا الكتاب. ما نؤسسه في الكتاب هو أنه إذا كان الإنسان موجودا، فلا يمكن تفسيره في سياق عالم مادي حصري، بدون إله خالق صنع الكون ونظمه حتى تكون الحياة ممكنة. في سنوات الستينيات من القرن العشرين ، لاحظ Robert Dicke روبرت ديك لأول مرة أنه في اللحظة الأولى بعد الانفجار الكبير، لو كانت سرعة توسع الكون مختلفة قليلا عما هي عليه فعلا (بمعنى لو قمنا ببساطة بتغيير الرقم العشري الخامس عشر بعد الفاصلة) لما وجدنا اليوم هنا للحديث عن ذلك. وخلفه، قدم العديد من العلماء ملاحظات مماثلة. يسرد الكتاب المرجعي لجون بارو John Barrow وفرانك تيبلرFrank Tipler في عام 1988 منها 200 ملاحظة . الدهشة يشاركها الجميع. إن أكثر العلماء إلحادا ، عندما ينظرون إلى حقيقة الثابتة الكونية la constante cosmologique، التي أضافها أيشتاين إلى معادلاته لتصحيحها فهم يتحدثون عن معجزة (ص 193 من كتابنا). نحن نتحدث عن الدقة التي تصل إلى مستوى 10120 ، أو الرقم 120 بعد الفاصلة …

أليس حقيقة أنه ليس لدينا حتى الآن قاعدة توحد نظرية النسبية العامة لآينشتاين ونظرية الميكانيكا الكمية التي تمنعنا من “الاستغناء عن وجود الله” لشرح نشأة الكون؟ لأنه بعد الانفجار الكبير، هذا الانفجار الأولي للمادة، هناك جدار بلانك الشهير، وهي فترة قصيرة التي يدعو مرورها إلى التشكيك في جميع قواعدنا المادية.

لقد سلطت العلوم الحديثة الضوء على حقيقة أن الكون أكثر تعقيدا مما كان يتصور من قبل. كيف يمكننا أن نكون عقلانيين عندما نواجه عددا كبيرا من الأسئلة التي لم نجب عليها بعد؟ وهي في الواقع ليست بهذه الخطورة، لأنه ستكون هناك دائما مسائل بعيدة المنال، ولكن هناك أيضا نقاط ثابتة وفي متناول أيدينا، يمكننا بفضلها التوصل إلى استنتاجات موثوقة. وفيما يتعلق ببعض النقاط الهامة، هناك توافق في الآراء بين الأوساط العلمية قوي جدا، لأن النظريات والملاحظات تتوافق على ما يرام بحيث لا يمكن للمرء أن يشك فيها.

ونحن نؤكد أن هناك سببا للوجود، وهو ليس ضمن هذا الكون وهو الذي خلق الزمان والمكان والمادة.

إن لحظة الانفجار الكبير، على سبيل المثال: نحن متأكدون منها لأن وجودها تم استنتاجه من معادلات آينشتاين، على غرار الرياضيات وهو ما أكد أخيرا من خلال الملاحظة. وماذا يخبرنا العلم في مواجهة هذا الاكتشاف؟ لا يمكن أن يصف على وجه اليقين الحالة التي كانت سائدة قبل هذا الانفجار الكبير، ولكنه يمكن أن يؤكد أن الزمان والمكان والمادة مترابطون ، وأنه لا يمكن لأي من الثلاثة أن يوجد بدون الاثنين الآخرين. كما يمكن أن يؤكد أنه في مرحلة ما، كان للزمان والمكان والمادة بداية. لم تكن بالضرورة هي وقت الانفجار الكبير، بالمناسبة. ولكننا على يقين بفضل العقلانية والديناميكا الحرارية ونظريات علم الكونيات الراسخة أنه لا يمكن أن يكون هناك عدد لا حصر له من الانفجارات الكبرى في الماضي. ونحن نعلم أنه كانت هناك بداية للزمان والمكان والمادة.

ولذلك يمكننا أن نقول على وجه اليقين أن هناك بالضرورة سببا لظهور هذه العناصر الثلاثة، وهو سبب ليس زمنيا ولا ماديا ولا مكانيا : إنه ليس من صميم كوننا، وهو سبب متعالي والذي كانت لديه بالتالي القدرة على خلق الزمان والمكان والمادة. ويمكننا أن نضيف أن هذا السبب بالتأكيد عقل ذكي، رتب الأمور وضبطها بطريقة جيدة جدا.

** ةثمة معتقدات أخرى، غير توحيدية، أو حتى ثقافات شرقية، تستند إلى حد ما، لتلخيص فكرة الدورة، وإعادة البداية الأبدية، بما في ذلك في لغتها وطريقة وصفها لعالمنا، دون أن تكون مهووسة مثل الغرب بمسألة الأصول، وبالتالي بوجود كائن متفوق هو أصل كل شيء. ألسنا بطريقة ما ضحايا رؤيتنا اليهودية – المسيحية، إلى جانب رؤية اكتشاف الانفجار الكبير؟

ـــــ إن ثقافات الشرق الأقصى أو آسيا، ولكن ليس فقط هذه، لديها بالفعل رؤى عالمية دورية، مع إعادة أبدية للأشياء وللزمن، حيث تعود من جديد كما كانت من قبل. ولكن هذا الاعتقاد يتناقض مع العلم، الذي يؤكد أن هناك اتجاها للزمن. ونحن نرى هذا جيدا مع المبدأ الثاني للديناميكا الحرارية ( التيرموديناميكا) التي بموجبها، في كل نظام مغلق، ستطور النظام دائما إحصائيا نحو اضطراب متزايد، تماما مثل النار في المدفأة. بعد فترة من الوقت، يصبح الخشب رمادًا ونحن متأكدون أنه سيكون هناك مثل هذه النهاية، وبالتالي متأكدون أيضا أنه كانت هناك بداية، إذا كانت هناك جمرات منذ الأزل لكانت قد تحولت إلى رماد منذ الأزل.

والأمر نفسه تماما مع النجوم التي تحرق الهيدروجين، لا يمكن إنشاء نواة الهيدروجين إلا في ظل ظروف الحرارة والطاقة في الدقائق الثلاث الأولى بعد لحظة الانفجار الكبير. ومنذ ذلك الحين، بدأ مخزون الهيدروجين في الكون ينخفض ولا زال يتناقص. ونحن نعلم أنه عندما سيُستنفذ كله ، لن تكون هناك حياة، لأن النجوم سوف تنطفئ واحدة تلو الأخرى. ونحن نعلم أيضا منذ عام 1988 أنه لن يكون هناك “Big Crunch ” أو الفرقعة الكبرى ، ولا فرصة بعد ذلك للعودة إلى الوراء. لذلك كانت هناك بداية وتوجد نهاية قادمة. وبناء على ذلك، يتناقض العلم مع المعتقدات القائمة على فكرة الدورة أو الأبدية. وقد أكدت النصوص المقدسة اليهودية والنصرانية أن الكون كانت له بداية وستكون له نهاية وأنه يتآكل، وقد أثبت العلم أن هذه الأفكار أنها حقة ودقيقة بعد عدة قرون.

إذا اعتبرنا أن هناك في الواقع كائنا أعلى، وهو الإله خالق الكون، ما هي الآثار المترتبة على الإنسان والمجتمع والأخلاق وفكرة الخير والشر؟ يسأل كل شخص نفسه في وقت أو آخر حول مسألة وجود الله. لماذا نحن موجودون؟ من أين نأتي؟ أين سنذهب؟ هل هناك حياة بعد الموت؟ ما معنى الوجود؟ إذا لم يكن هناك إله، فلا حياة بعد الموت. ولكن إذا كان حقا موجودا فهناك احتمال أنه هو الخالق وأن هناك معنى لكل شيء. هذه أخبار يمكن أن تساعد في استعادة الأمل، والتي لن تكون عديمة الفائدة في مجتمع مكتئب مثل مجتمعنا. كما يمكن أن يعطي الرغبة في احترام العالم والطبيعة والإنسان، الذين خلقهم الله الخالق. إن القدرة على إثبات وجود إله هو الذي خلق العالم يمكن أن تجعل من الممكن أيضا استعادة أساس مشترك للمجتمع، لخلق التماسك. وإذا كان الله موجودا، هناك فرصة جيدة أن الحياة بعد الموت موجودة أيضا..

يسأل جميع الناس أنفسهم هذا السؤال عن وجود الله، ولكن إذا كنا نعتقد أننا لا نستطيع الإجابة عليه بشكل صحيح، نضعه في درج وننسى ذلك. إن التأكيد على وجود الله يمكن أن يكون له تأثير إيجابي ومتناغم وهيكلي على المجتمع، الذي لديه بعد ذلك شيء مشترك لتقاسمه. كيف إذن تميز بين الإيمان، الذي لا يمكن أن يصدر ولا يبدو أنه مسألة اختيار، والمعتقد، الذي يمكن أن يكون جزءا من تقليد ثقافي وأسري وتاريخي؟ من الضروري التمييز بين الإيمان المعرفي والإيمان الاعتقادي. إذا كان لديك إيمان وثقة بزوجك وأصدقائك ووالديك وبوجود المسيح أو الله، فإنه يفترض مسبقا أن تعرف أنها موجودة وأن لديك سبب وجيه للإيمان بوجودهم. الإيمان هو عمل من أعمال الاقتناع يعتمد على الذكاء والنية، وهو عمل حر. إنه ليس عملا معرفيا فحسب، بل هو أولا وقبل كل شيء قضية قبول وموافقة قبل الانخراط فيه..

الإيمان هو مزيج من ثلاثة أشياء: ذكاء الإنسان الذي يتعرّف على الشيء، وإرادة الإنسان الذي يقول نعم؛ ونعمة الله التي ترحمنا وتسمح لنا أن نقول نعم. ولذلك فهوفعل من أفعال العلاقة مع الله. نحن لا نتحدث عن هذا في الكتاب، نحن نتحدث فقط عن معرفة وجود الله. يمكنك أن تؤمن تماما بوجود الله وترفضه، لا تريد العلاقة معه ولا تكون مستعدا بعد للثقة به. لكن إثبات وجود الله شرط أساسي لتحرك الإيمان. ويجب أن يكون موجودا قبل أن تؤمن به ونثق فيه.

** سؤال مستقبل الكوكب، وبالتالي مستقبل البشرية، مطروح الآن أمامنا. هل يمكن لطرحكم أن يغير قواعد اللعبة؟ هل نحن وحدنا في الكون؟

ـــــ لا أعلم إن كنا وحدنا في هذا الكون ومن الممكن أننا لسنا وحدنا إذا اعتبرنا أن الخالق قد وضع قواعد دقيقة جدا لجعل الحياة تظهر. إن ظهور الحياة هو مزيج من البرمجة والتطور. ليس كل شيء مكتوب بالتفصيل من البداية في الكون، ولكن يتم توجيه كل شيء. لذلك يمكن أن تكون هناك حياة في أماكن أخرى.

ولكن إذا ثبت بالتالي أن هناك ربا خالقا لكل هذا العالم، فمن الواضح أن هذا يدعونا إلى احترام التوازنات القائمة. لقد استغرق الأمر عددا مذهلا من الظروف للحياة لتظهر على الأرض، من وجود القمر إلى كوكب المشتري لتجنب الكويكبات. كان من الضروري أن توجد مسافة كافية مضبوطة بين الأرض والشمس، وأن نكون في المكان المناسب داخل المجرة وعدد لا يحصى من الظروف الأخرى.. حتى أن البعض يعتقد بجدية أن الحياة كما هي موجودة على الأرض هي بالضرورة فريدة من نوعها في كوننا، لأنها تفترض الكثير من المصادفات التي لا يمكن استنساخها.

المصدر: موقع “لكم” الأردني

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى