محاكم صورية على النمط النازي: هكذا ستحاكم إسرائيل نخبة القسام

الدوحة ــ الرأي الجديد
صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على ما يعرف بـ”قانون قوات النخبة”، الذي ينص على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفلسطينيين الذين شاركوا في هجمات الـ7 من أكتوبر 2023.
ويرى مراقبون أن هذا القانون، الذي يثير جدلا واسعا داخل إسرائيل وخارجها، يمثل أخطر تحوّل قضائي منذ قيام دولة الاحتلال، لأنه يؤسس لمنظومة استثنائية تدمج بين المنطق الأمني والعقيدة السياسية، وتحول القضاء إلى ذراع من أذرع الحرب النفسية والانتقامية الثأرية ضد الفلسطينيين.
قانون انتقامي
وكان مشروع القانون قد قدم للنقاش في الكنيست في 11 نوفمبر 2024 من قبل رئيس لجنة الدستور سيمحا روتمان من حزب الصهيونية الدينية والنائبة يوليا مالينوفسكي من حزب إسرائيل بيتنا.
المحاكم الغسرائيلية تتهيأ لمحاكمة أبطال الطوفان
ونوقش في الجلسة العامة للكنيست في 28 ماي الماضي، وعرض على لجنة الدستور التي قدمته للقراءة التمهيدية في الكنيست في 17 سبتمبر الماضي وتم إقراره بالقراءة التمهيدية قبل أيام.
وأقرت مالينوفسكي “بوجود صعوبة في الحصول على الأدلة وفي أداء الشرطة الإسرائيلية لواجبها، وبررت إنشاء المحكمة الخاصة بتخفيف العبء عن الجهاز القضائي، وأن هناك إمكانية لفتح محكمة عسكرية لمقاضاة -من وصفتهم- بـ “الإرهابيين الذين، لسبب أو لآخر، لا تمكن محاكمتهم بتهمة الإبادة الجماعية”.
وكشفت مالينوفسكي أن هناك حالات لن تتمكن فيها السلطات “من تحديد هوية القاتل الذي قتل بعض مواطنينا في السابع من أكتوبر، ولذلك قدمنا حلولا مثل توجيه اتهامات جماعية وإمكانية محاكمة المتهمين على شكل مجموعات”.
محددات رئيسية
من جهته، حدد رئيس لجنة الدستور في الكنيست وأحد مقدمي مشروع القانون، سيمحا روتمان النقاط الرئيسة للقانون:
- النص الصريح والواضح على أن أحداث السابع من أكتوبر كانت إبادة جماعية.
- ترسيخ هذه الرواية لإسرائيل في التشريعات.
- ترسيخ أن هذه هي الطريقة التي ستتعامل بها جميع سلطات الدولة مع هذه القضية.
- إنشاء محكمة مختصة بهذه القضية حتى لا يتعثر الجهاز القضائي.
- المحكمة المشكلة لن تعتمد على القضاة الحاليين، بل على آخرين سيتم اختيارهم.
- دراسة اعتبارات المقاضاة، لأن تحديد الأولويات أمر بالغ الأهمية من منظور سياسي وأمني.
ونقلت القناة 12 عن وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين قوله إن القضايا القانونية سوف تتم صياغتها بطريقة تسمح بالملاحقة القضائية حتى في حالة الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام، ولكن القرار النهائي بشأن هذه المسألة يعتمد على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وتتقاطع تصريحات ليفين مع مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينين الذي يصر عليه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والذي اشترط بقاءه في الحكومة بطرحه للتصويت في الكنيست خلال الأسابيع الثلاثة القادمة.
الفلسطيني النازي الجديد
ينطلق مشروع القانون من فرضية مفادها أن أحداث 7 أكتوبر كانت “جريمة إبادة جماعية ضد الشعب اليهودي”، وهو توصيف يتيح استخدام قانون “منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1950” الذي وُضع أصلا لملاحقة مجرمي النازية.
مشهد من المحاكم النازية: قد تتكرر مع الاحتلال الصهيوني
ويكشف البندان رقم 8 و9 من نص مشروع القانون المنشور على موقع الكنيست الإسرائيلي الطابع السياسي للمحكمة الجديدة من خلال إنشاء فريق مشترك من وزراء العدل والدفاع والخارجية لتحديد سياسة الملاحقة القضائية.
ويقرر هذا الفريق من يُقدم للمحاكمة وفقا لاعتبارات أمنية، دبلوماسية، وإنسانية بهدف التنسيق بين الاعتبارات القانونية والسياسية والأمنية في المحاكمات.
وبهذا يحوّل القانون الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة وراح ضحيتها عشرات آلاف الفلسطينيين المدنيين، إلى سردية تقوم على تعزيز دور الإسرائيلي الضحية وربطها بمعركة وجودية أخلاقية تشبه المحرقة، وإعادة تعريف الفلسطيني كـ”نازي جديد”، في المخيلة الإسرائيلية مانحا إسرائيل شرعية رمزية لتبرير أقسى العقوبات، حتى الإعدام.
كما يعتمد مشروع القانون على قانون “المقاتل غير الشرعي” الذي تمت المصادقة عليه عام 2002، ويُشرِّع اعتقال الأفراد الذين يُشتبه بكونهم منخرطين في “أعمال عدائية” ضد إسرائيل، أو كونهم أعضاء في قوة ترتكب “أعمالا عدائية” ضد إسرائيل، واحتجازهم إلى أجل غير مسمى دون لائحة اتهام، ومحاكمتهم دون إبراز الأدلة.
انتهاك للقانون الدولي
اعتبر مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى المحررين الفلسطينيين المحامي جميل سعادة أن المحاكم الخاصة لمحاكمة أسرى غزة والمُعفاة من الإجراءات الرقابية القضائية، هي أشبه بمحاكم سياسية، مشيرا الى أن خطورة هذه المحاكم يترافق مع وجود محاولات لتمرير قانون إعدام الأسرى، الذي يعتبر انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي ولاتفاقية جنيف ونظام روما الأساسي.
من جهته، يشير أستاذ القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي الدكتور محمد مهران إلى أن البنية القانونية لهذا المشروع تقوم على محاولة ماكرة لتجريد الأسرى الفلسطينيين من صفتهم القانونية كمقاتلين في نزاع مسلح، وتحولهم إلى متهمين بجرائم إبادة جماعية.
وأوضح أن هذا التحريف المتعمد للمفاهيم القانونية يهدف لحرمان الأسرى من الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن المحكمة المقترحة تهدف لإضفاء غطاء قانوني على الانتقام السياسي من خلال محاكمات سريعة موجهة إعلاميا لترسيخ الرواية الإسرائيلية.
كما وصف محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين خالد محاجنة، مشروع القانون بأنه خطوة غير اعتيادية في المنظومة القانونية الإسرائيلية، إذ يهدف إلى إنشاء محكمة خاصة ذات طابع استثنائي.
“الجنائية الدولية” ستضيف القانون الإسرائيلي إلى تهم الإبادة
انتقام بغطاء قانوني
ويقترح القانون إنشاء محكمة خاصة تُعفى من القيود الإجرائية، وتُمنح صلاحيات تجاوز قواعد الإثبات “لأسباب تتعلق بالعدالة والضحايا والكفاءة”.
كما تُعقد جلساتها العلنية أمام كاميرات دولية، مما يحولها إلى ساحة استعراض رمزي لترسيخ الرواية الإسرائيلية للعالم حول ما تسميه “مجزرة الإبادة ضد اليهود”.
ووفقا لمشروع القانون بحسب ما نشر على موقع الكنيست الإسرائيلي:
- سيتم إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وسيتم تعيين 15 قاضيا فيها.
- ستُنشأ المحكمة الخاصة كمحكمة دائمة للجرائم المنصوص عليها في قانون عام 1950 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
- تفويض المحكمة بالخروج عن قواعد الإثبات والإجراءات المتبعة في القانون الجنائي، وتفويض وزير العدل بوضع أحكام بهذا الشأن في اللوائح.
- تعديل قانون سجن المقاتلين غير الشرعيين بحيث يُخوّل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لإصدار أمر سجن بحق أي شخص لديه أسباب معقولة للاعتقاد بأنه شارك في أحداث 7 أكتوبر.
ويمثل الأسرى الفلسطينيون من قطاع غزة المستهدف الأول بهذا القانون، إذ اعتقل الجيش الإسرائيلي آلاف المدنيين منذ أحداث 7 أكتوبر، وتم إخفاء المئات منهم قسريا ولا يعرف مصيرهم، وكثير منهم دون لوائح اتهام أو مراجعة قضائية.
ويتيح القانون الجديد إبقاءهم في الاحتجاز لفترات طويلة، ويمنح الادعاء الإسرائيلي صلاحية توجيه تهم “الإبادة الجماعية” دون معايير قانونية واضحة، بحيث تسعى المؤسسة الإسرائيلية من خلال هذا المشروع إلى إتاحة محاكمة المعتقلين دون أدلة دامغة أو براهين حقيقية، في مخالفة صريحة لأسس العدالة الجنائية.
جبهة قضائية ضدّ إسرائيل
ويتعارض مشروع القانون صراحة مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فاتفاقية جنيف الثالثة تنص على حقوق واضحة لأسرى الحرب بما في ذلك الحق في الحماية من العنف والتهديدات والإهانات والحق في محاكمة عادلة أمام محاكم عادية وليست استثنائية.
في حين أن المادة 84 من الاتفاقية تنص صراحة على أن أسرى الحرب يحاكمون أمام نفس المحاكم، ووفقا لنفس الإجراءات المطبقة على أفراد القوات المسلحة للدولة الحاجزة، وإنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الأسرى الفلسطينيين فقط يشكل انتهاكا صارخا لهذا النص.
مشهد من طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر
ويحذر خبراء القانون الدولي من أن إقرار القانون نهائيا سيجعل القضاء الإسرائيلي ذاته متهما أمام العدالة الدولية.
وأكد مهران أن هذا القانون سيفتح جبهة قضائية جديدة ضد إسرائيل، موضحا أن المحكمة الجنائية الدولية التي تحقق بالفعل في جرائم الحرب الإسرائيلية ستضيف هذا القانون وتطبيقاته كأدلة إضافية على الانتهاكات الممنهجة للقانون الدولي.
ويشكل إنشاء محاكم صورية ومحاكمة الأسرى دون ضمانات عادلة جريمة حرب وفقا للمادة الثامنة من نظام روما الأساسي، وتجرم هذه المادة صراحة الحرمان المتعمد من حق المحاكمة العادلة والنظامية لأسرى الحرب أو المدنيين المحميين.
ويعتبر الموقف من التقاضي أمام هذا النوع من المحاكم الخاصة محفوفا بالمخاطر، ويترك جهات الدفاع عن الأسرى الفلسطينيين في حيرة هل سيقومون بتمثيل الأسرى أمام هذا النوع من المحاكم، مما سيشرعنها أمام القانون الدولي، كما هو الحال في المحاكم العسكرية التي أجبر المحامون الفلسطينيون على تمثيل الأسرى أمامها خلال العقود الماضية، أم ستتم مقاطعتها إذْ ليس لها صفة قضائية في محاكمة أسرى غزة.
وتبقى الخيارات حينها، إما الضغط على محامين من قبل الاحتلال من فلسطينيي 1948 لتمثيل الأسرى الذين ستتم مقاضاتهم أمام هذا النوع الشاذ من المحاكم، وإما تمثيلهم من خلال محامين إسرائيليين شكليا فقط من أجل استكمال الإجراءات القضائية وهذا له تأثير كبير على نزاهة الدفاع وهيئة المحكمة.
المصدر: الجزيرة
إضغط هنا لمزيد الأخبار
















