أهم الأحداثٱقتصاد وطنياقتصادياتمقالات رأي

هل تملك تونس الإشتراط على صندوق النقد الدولي وتجنب “عود الثقاب” ؟؟

 

بقلم / جنات بن عبد الله

 

وصف رئيس الجمهورية في المكالمة التي أجراها مع الرئيس الفرنسي ظهر يوم السبت 3 جوان 2023، شروط صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، بمثابة “عود ثقاب يشتعل الى جانب مواد شديدة الانفجار”. وذكر في هذه المكالمة بالأحداث الدامية التي سقط خلالها، كما جاء في نص البلاغ، مئات الشهداء في 3 جانفي 1984 حين تم رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها، مؤكدا في ذات السياق أن السلم الأهلية لا ثمن لها.

ولئن عبر رئيس الجمهورية، في هذه المكالمة، عن موقف غالبية الشعب التونسي من شروط صندوق النقد الدولي، فذلك يبقى في حاجة الى ترجمته في إطار رؤية وبرنامج اقتصادي وطني، باعتبار أن رفض رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، يبقى رفضا مبتورا وأعرج، ولا يستقيم مع المسار الذي انخرطت فيه تونس بعد الثورة، والذي يقوم على برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي، والذي ترجمته الحكومات بعد انتخابات سنة 2014 في قوانين المالية وقوانين صادق عليها النواب المنتخبون في البرلمان.

فرفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، يعتبر أحد المحاور الأساسية في برنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي في بابه المتعلق بسياسة المالية العمومية للحكومات، والذي تطبقه حكومة بودن من خلال قانون المالية لسنة 2023 في إطار سياسة التقشف، التي تقوم على تجميد الأجور والانتدابات في الوظيفة العمومية، ورفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، والترفيع في الضرائب، والتفويت في المؤسسات العمومية. ومن هذا المنطلق إن كان لتونس أن ترفض رفع الدعم، فعليها أن ترفضه في إطار برنامج اقتصادي وطني حقيقي، وليس من خلال الشعارات، باعتبار أن صندوق النقد الدولي لا يسمح بقبول برنامجه ولفظ جزء منه.

في ذات السياق، طالما وأن حكومة بودن قد التزمت ببرنامج الإصلاحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي، أو لنقل أن حكومة بودن قدمت لصندوق النقد الدولي برنامجها الاقتصادي الذي يتطابق مع وصفة الصندوق، وما جاء في رسالة النوايا الثانية التي بعثتها الجمهورية التونسية لمديرة الصندوق في ماي 2016، فهي مطالبة بتنفيذ جميع محاور البرنامج وبنود الاتفاق، التي تقود مباشرة الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، والاقتراض من الخارج، وليس التعويل على الذات، كما صرح بذلك رئيس الجمهورية.

ومن هذا المنطلق، لا يوجد أمام تونس خيار ثان، سوى الاقتراض من الصندوق، وتطبيق بقية إملاءاته المتمثلة في التفويت في المؤسسات العمومية.

ولئن عبر قيس سعيّد عن رفضه القبول بخيار التفويت في المؤسسات العمومية بمقتضى برنامج إصلاحات صندوق النقد الدولي، فقد أثار الأمر عدد 729 لسنة 2022 المؤرخ في 27 سبتمبر 2022 الصادر عن رئيس الجمهورية، تساؤلات خطيرة بخصوص خصخصة ديوان الحبوب، أو لنقل تجريد ديوان الحبوب من نشاطه الأساسي، المتمثل في توريد الحبوب، ومنح هذا النشاط للقطاع الخاص.

فهذا الأمر يتعلق بالمصادقة على اتفاق الضمان المبرم بتاريخ 11 أوت 2022 بين الجمهورية التونسية والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية المتعلق بالقرض المسند لديوان الحبوب، للمساهمة في تمويل مشروع الاستجابة لصمود الأمن الغذائي بقيمة 150 مليون أورو. ويغطي هذا التمويل توريد ما يقارب عن 15 بالمائة من حاجيات تونس من القمح اللين.

وحسب نص اتفاق الضمان، أفاد البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية، وبخصوص قطاع الحبوب، فإن الهدف من الاتفاق، هو تنفيذ خارطة الطريق التي تقوم على خطة عمل أعدها خبراء البنك مع ما وصفهم ب “أصحاب المصلحة المعنيين”، لمعالجة نقاط الضعف الهيكلية الحالية لقطاع الحبوب، حيث ستمكن الخطة من “تحرير واردات الحبوب تدريجيا وتوجيه اصلاح ديوان الحبوب نحو تسويقها”.

وبمقتضى اتفاق الضمان هذا، تكون تونس قد التزمت بالتخلي عن قطاع استراتيجي يتعلق بالأمن الغذائي لفائدة القطاع الخاص، وذلك بإقصاء ديوان الحبوب من عملية التوريد، وتكليفه بعملية التسويق، في إطار مفهوم جديد للخصخصة، لا يقوم على تغيير ملكية المنشأة العمومية، ولكن من خلال تجريدها من أنشطتها، وتحرير خدماتها لفائدة القطاع الخاص.

ولئن سيبقى ديوان الحبوب مؤسسة عمومية في ظل هذا التوجه الجديد لمفهوم الخصخصة، الذي يقوم على المغالطة واستبلاه الرأي العام، فإنه لن يورد الحبوب ليسقط قوت التونسيين في قبضة لوبيات توريد، تحكمهم المصلحة الضيقة والربح السريع على حساب مفاهيم جديدة، أسقطها صندوق النقد الدولي بمقتضى إملاءات، تحولت إلى قوانين، على غرار قانون استقلالية البنك المركزي، الذي لا زلنا ننتظر إثبات البنك المركزي جدواه، من خلال دراسة علمية يعدها في الغرض، ويفند بها كل من يقول عكس ذلك، وخاصة الواقع المرير الذي يواجهه اقتصادنا، بسبب تداعيات تنفيذ هذا القانون الجائر.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى