أهم الأحداثمقالات رأي

الانتخابات البلدية في هولندا.. قراءة تونسية

بقلم / د.خالد شوكات

 

أجريت الانتخابات البلدية في هولندا أيام 14 و15 و16 مارس الجاري، وبدأ الإعلان عن نتائجها البارحة وستكون خلال يومين نهائية ومتاحة أمام المواطنين عبر عديد البوابات والمنصات الحكومية وغير الحكومية على الانترنت..

وباختصار وعجالة أريد التوقّف عند بعض النقاط الأساسية لقراءة مواطن تونسي – سبقت له الإقامة قرابة عشرين عاما في هذا البلد وله تجربة علمية وعملية في شأنها السياسي – لنتائج هذه الانتخابات في بلد “الديمقراطية التوافقية” الأعرق في العالم تقريبا، حيث يُكرّس النظام السياسي والقانون الانتخابي الهولندي “حالة التوافق” بالضرورة أين لا يمكن لحزب بمفرده أن يحكم، سواء تعلق الامر بالدولة أو البلدية، فالائتلافات الحزبية هي التي تحكم، ولا احد بمقدوره تقريبا أن يحكم بمفرده محلّيا أو وطنيا، فما الذي يجب أن نتوقّف عنده كتونسيين في قراءة هذه الحالة؟

** أوّلاً: هناك أزمة متفاقمة للديمقراطية التمثيلية أو النيابية، وهناك أزمة ثقة تتسع بين الجمهور والنخب السياسية، وهذا واضح في نسبة الإقبال على الانتخابات، والتي توقفت عند 50‎%‎ من الناخبين وهي النسبة الأدنى منذ عقود، وكذلك في نسبة الانخراط في الأحزاب السياسية حيث يقال أن 2‎%‎ فقط من الهولنديين منخرطون في أحزاب، وهناك فرق بطبيعة الحال بين المواطن المنتمي إلى حزب والمواطن الناخب الذي قد يغير تصويته من انتخابات إلى أخرى. ويحاول الساسة الهولنديون معالجة أزمة الديمقراطية التمثيلية بمنح البلديات (الحكم المحلي) مزيدا من السلطات على حساب السلطة المركزية من باب تقريب السلطة من المواطن أو ما يسمى ديمقراطية القرب، وتفعيل مبادئ التشاركية بما يسمى ب”الحوكمة المفتوحة” أو (open Governance)، أي تسخير الثورة المعلوماتية بتشريك المواطنين في القرار عبر المنصات الالكترونية.

** ثانيا: أكدت نتائج هذه الانتخابات البلدية التحول السياسي العميق للمجتمع الهولندي – والأوروبي عموما- الجاري منذ عقدين على الاقل نحو ما يعرف بالأحزاب المحلّية، التي نسميها نحن في تونس القائمات المستقلة، حيث فازت هذه الأحزاب/ القائمات بنفس النسبة تقريبا التي فازت بها في الانتخابات البلدية التونسية، حيث حصّلت هذه الأحزاب على 36 ‎%‎ من المقاعد، وجاءت الأولى في العاصمة السياسية للبلاد لاهاي وفيّ العاصمة الاقتصادية روتردام، ومن أخرى متوسطة وصغيرة، وتعكس هذه الميول المحلّية للناخبين الهولنديين أزمة ثقة في الأحزاب التقليدية الوطنية بيمينها ويسارها.

** ثالثا: أبرزت الانتخابات المحلّية الهولندية كذلك قوتان متناقضتان إيديولوجيا وسياسيا وتنمويا، بما يهدد نسبيا الاستقرار السياسي، خصوصا إذا ما ازدادت هذه الظاهرة بروزا خلال السنوات القادمة، فتيار الخضر ممثلا في حزب اليسار الأخضر، والتيارات اليمينية المتطرفة ممثلة بالأساس في أحزاب “ليفبار” وما يشبهها، يشكلان أبرز القوى الصاعدة في سماء هولندا وأوربا، وهما تياران لا يمكنهما التوافق لتشكيل حكومات محلية أو حكومة وطنية، وعندما يستحيل التوافق ستجد الديمقراطية الأوربية نفسها في مأزق.

** رابعا: أبقت الديمقراطية المحلّية قدرة فائقة في إتاحة الفرصة أمام المبادرات السياسية الجديدة، خصوصا منها الشبابية، التي من شانها تجديد النخب السياسية ودفق دماء جديدة في الفضاء القيادي العام، وفسح المجال أمام بروز نجوم سياسية مختلفة ومغايرة شكلا ومضمونًا، فالمبادرة السياسية غالبا ما تكون محل دعم وترحيب من الرأي العام، خلافا لما هو سائد عندنا، حيث يتم التعريض والاستهزاء ورفض أي محاولة جديدة لتغيير الدماء والأفكار والقادة والبرامج.

** خامسا وأخيرا: كما شكلت هذه الانتخابات فرصة لقوى اليمين المتطرف والعنصري، وفرت مجالا لفوز عديد الساسة الشباب من أصول اجنبية، وخصوصا عربية ومسلمة، خصوصا بعد التجارب الناجحة في ادارة مدن كبرى ومتوسطة من قبل “عُمَدٍ” من أصول عربية إسلامية، كما هو شأن عمدة روتردام الشهير أحمد أبو طالب، وعمدة أرنهم أحمد مركوش، بل إن أحزابا محلية ووطنية مثل “نداء روتردام” و”دانك” أصبحت ذات حظوة لدى جزء من الساكنة الهولندية رغم جذور قادتها الأجنبية العربية الإسلامية، خصوصا وهي مبادرات سياسية شبابية تناضل من أجل هولندا أكثر تعددية وإنسانية.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى