أهم الأحداثالمشهد السياسيوطنية

“فورين بوليسي”: مشكل النفايات يؤشر لمستقبل تونس الغامض

واشنطن ــ الرأي الجديد (تقارير)

طرحت مجلة “فورين بوليسي”، تساؤلات بشأن مستقبل تونس، في ظل الخلاف على مكب للنفايات، واهتمام الرئيس قيس سعيد بتقوية سلطته على حساب وعوده للفقراء والتعامل معهم بوحشية.

وقالت المجلة في تقرير خاص، إنه لم يكن مفاجئا خروج التونسيين إلى الشوارع عبر البلاد، دعما لقرار تعطيل البرلمان الذي تحول إلى إحراج بسبب المسرحيات الهزلية التي جرت تحت قبته. وحتى قبل انتخابات أكتوبر 2019، خسر البرلمان حب الناس الذين باتوا يعانون من الفقر، وزاد انتشار كورونا من المخاطر عليهم.

تراجع الحماسة للرئيس
وأضافت: “لكن بعد خمسة أشهر فإن الحماسة التي أثارها انقلاب يوليو، أصبحت جزءا من الذاكرة. وتظهر استطلاعات الرأي في تونس، رغم الشكوك في صحتها، تراجعا في شعبية الرئيس إلا أنه لا يزال أشهر شخصية في تونس. ومع ذلك فالرأسمال السياسي الذي كسبه سعيد بقراراته عزل رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، تحول إلى عملية سياسية بالجملة، نابعة من رؤيته الشخصية عن الديمقراطية حيث تخرج السيادة والسلطة من قمة الدولة إلى أسفلها”.

وقالت المجلة: “ما هو واضح، أنه خصص عاما كاملا من أجل أن ينجز التعديلات الدستورية لتعزيز الإصلاحات التي يريدها. وتوقيت التعديلات مهم فهي تتزامن مع مرور عام على نزعه السلطة من البرلمان، وتعطيله الدستور، ذلك أن الاستفتاء على الدستور الجديد، سيأتي بعد فترة مشاورة مع الشعب، وقرر عقده في جويلية”.

وما هو واضح أن عملية إعادة رسم الدستور الدرامية، ستحتاج إلى سنوات لوضعها محل التطبيق. وفي الوقت الحالي فمشاكل تونس الأساسية لا تزال قائمة. ومن أهمها الاقتصاد، وتصل نسبة الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي العام. ولا يزال التضخم في أعلى مستوياته (6.6 بالمائة)، في وقت تتراجع فيه قيمة الدينار التونسي. وساء وضع البطالة خلال السنوات الـ 11 الماضية. والأرقام نفسها مثيرة للخوف، فقبل الثورة لم تتجاوز نسبة البطالة 13% أما اليوم فهي أكثر من 18%.

وذكرت المجلة، إن ما لا تظهره هذه الأرقام هو مستوى اليأس وفقدان الأمل الذي نجم عن البطالة المستشرية في البلد.

ويقول الكاتب إن البطالة تأخذ عدة أشكال في تونس، ففي الشوارع الجانبية للمدن وداخل الأحياء المهمشة يبحث الرجال بين النفايات المتراكمة الباردة المبتلة التي رماها أصحاب البيوت عن العبوات البلاستيكية التي يجمعونها في أكياس لبيعها لمحلات التدوير.

وحشية الشرطة
ووسط الفقر المدقع يعيش التونسيون وضعا أصبحت فيه وحشية الشرطة أمرا عاديا، وهو أمر لم يتم حله بعد الثورة، ولا يزال يخيم على الأحياء الفقيرة بدون رقابة أو حساب وبعيدا عن رؤية الساكن الحالي لقصر قرطاج خارج العاصمة تونس. وأطلق في الفترة الماضية العنان لقوة أجهزة الأمن على المجتمعات المهمشة القريبة من مكب نفايات عقارب قرب المدينة الصناعية صفاقس.

وهذه هي المناطق التي أقام فيها الرئيس حملته الانتخابية ووعد بالدفاع عنها. ولا شيء يعطي أي ميزة لعقارب، لكن ما يميز مكب النفايات فيها عن غيره من مكبات النفايات في أنحاء تونس هي الرائحة الكريهة المنبعثة منه والأمراض الجلدية والتنفسية وأمراض السرطان، التي يقول السكان إنهم يعانون منها منذ عقد أو أكثر، وبعد افتتاحه عام 2008 كان من المفترض إغلاقه بعد خمسة أعوام، ولم يحدث هذا.

وكان الضغط المستمر من سكان عقارب كافيا، لجذب انتباه أستاذ القانون سعيد وقبل أن يفكر في انتخابات عام 2019. ولم تكن زيارة استثنائية كما يقول أنصاره، فهو يزور المجتمعات المهمشة في البلاد منذ سنين. وبحسب المحتجين فقد استمع سعيد لهم وحثهم على التظاهر. وقاموا في نوفمبر 2021 باتباع نصيحته، والتظاهر وطالبوا بتطبيق قرار المحكمة الذي حصلوا عليه قبل عامين ويقضي بإغلاق المكب. ووضعت التظاهرات وزير الزراعة في موقف صعب وطلب وقتا كافيا لحل المشكلة التي تم تجاهلها على مدى عقد.

النفايات.. وانتشار الشرطة
وعندما زادت أكوام النفايات في صفاقس القريبة، طلب سعيد نشر الشرطة ضد المحتجين وإعادة فتح مكب النفايات. وبدت الصور التي نقلت بعد ذلك وكأنها فيلم حرب وليس احتجاجا لتنظيف البيئة. ففي عقارب تم حرق مقر الحرس الوطني واندلعت حول المكب معارك بين المتظاهرين وقوات الأمن المدججة بالسلاح. وهو ما أدى لمقتل ناشط شاب اسمه عبد الرزاق الأشهب. وقال الناشطون إنه مات متأثرا بالغاز المسيل للدموع الذي استنشقه.

وزعمت الشرطة أنه مات بعيدا عن التظاهرات في بيته بعد سقوطه. وكان الغضب واضحا حول عقارب من خلال إطارات السيارات المشتعلة ونقاط التفتيش المؤقتة التي أقامها المحتجون.

وقالوا إن الرئيس هو ديكتاتور واعتبرت الأحزاب التي راقبت معاناة المواطنين المحليين فاسدة. وهي قصة يتردد صداها في كل تونس. ففي برج شاكير، قرب العاصمة تونس لا يزال مكب النفايات يضر بحياة السكان ويزعجهم مع أنه كان يجب إغلاقه عام 2013. وتم حنث الوعود سنة بعد سنة وتفضيل أمور أكثر إلحاحا وأبسط، وتجنب الخطر السياسي في البحث عن أماكن لرمي النفايات بمواقع أخرى.

سعيّد لا يملك أجوبة عن التحديات
ففي صناعة النفايات، كما في أي مكان، ينتشر الفساد. وهذا كان في الماضي مقتصرا على الطبقة المحيطة بزين العابدين بن علي، ولكنه اليوم مد مخالبه وطال كل ملمح من ملامح الدولة.

وفي السنوات التي تبعت الثورة، تضخم حجم الخدمة المدنية التي يتغذى عليها الفساد، ذلك أن الحكومات المتعاقبة منحت وظائف من أجل تخفيف الغضب الاجتماعي. وبعد سنوات من النمو في القطاع العام، فإن فاتورة الرواتب بالنسبة للدخل المحلي العام تصل إلى نسبة 17.6%، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. وكل محاولة لتخفيف حدة الأزمة، كانت تؤدي لغضب اتحاد الشغل التونسي، الذي وإن قدم دعما مشروطا في البداية لإجراءات سعيد، إلا أنه أصبح معاديا له وبشكل متزايد لاستبعاده من النقاش الداخلي حول مستقبل تونس.

وقالت المجلة: “بات من الواضح أن سعيد ليست لديه أجوبة على تحديات تونس الأساسية كبقية أسلافه. ونشرت وكالة أنباء “رويترز” في ديسمبر مسودة عن مقترحات للميزانية، اشتملت على خطط لزيادة أسعار الوقود والكهرباء، وتجميد رواتب القطاع العام، وفرض ضرائب جديدة، وذلك قبل التوصل لاتفاقية مع صندوق النقد الدولي”.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى