أهم الأحداثالمشهد السياسيحقوقياتوطنية

دوس جديد على الحقوق والحريات: هل ثمة مشروعية لقرار المحكمة الإدارية عدم الاستجابة لطعن الخاضعين للإقامة الجبرية؟

تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية

شكل رفض المحكمة الإدارية بتونس لنحو 11 طعنا ضد القرارات الأمنية الاحترازية المتعلقة بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية، سابقة في تاريخ المحكمة الإدارية، ليس من حيث قرار الرفض في حدّ ذاته، إنما من حيث سياق القرار وحيثياته..

وقال القاضي التونسي، محمد العفيف الجعيدي، أنّ قرارات الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، مهدي قريصيعة، “جاءت لتفرّط في حماية الحقوق والحريات، مجيزة تقييدها خارج أحكام الدستور”.

وأعرب القاضي الجعيدي، في مقال نشر على موقع “المفكرة القانونية”، المتخصص في الدراسات القانونية وقضايا الحقوق والحريات، عن خشيته من أن يكون مردّ ما انتهى إليه الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، “ضغوطا تعرض لها”، وفق ما أكّدته رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي”، معبرا عن أمله في أن “تشكّل المواقف القضائية الرافضة لتنازله ذاك، مصدر أمل في مستقبل القضاء الحامي للحقوق والحريات”، وفق تعبيره.

رفض مطالب الطعن
وكان الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية، عماد الغابري، أعلن أمس، أن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية، بوصفها فاضي توقيف التنفيذ، قرر رفض جميع مطالب الطعن المقدمة له منذ شهر أوت الماضي، بخصوص القرارات الأمنية الاحترازية، بوضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية الصادرة عن الوزير المكلف بتسيير وزارة الداخلية.

وأضاف الغابري، أن قرارات الرفض الصادرة في مادة توقيف التنفيذ، “تعدّ قرارات وقتية، إلى حين صدور أحكام عن الدوائر القضائية المتعهدة بالملفات في الأصل”، مبيّنا أن جميع الملفات، خضعت إلى مسار تحقيقي مع الجهة الإدارية المعنية”، حسب قوله..

وحول مسوغات رفض المحكمة الإدارية لمطالب الطعن في قرارات الإقامة الجبرية، التي اتخذها المكلف بتسيير وزارة الداخلية، قال الغابري، أن قرار الرفض، استند على عدم إحراز جميع المطالب المذكورة على الشروط القانونيّة المستوجبة بأحكام الفصل 39 من قانون المحكمة الإدارية، والمتمثلة في المستندات الجدية من جهة، والنتائج التي يصعب تداركها من جهة أخرى.

إخلالات واضحة
غير أنّ فقهاء القانون التونسي، وخبراء القضاء الإداري، تحدثوا عن إخلال فيما يتعلق بمستندات قرار المحكمة الإدارية، انطلاقا من الفصل 39 (جديد) من قانون المحكمة  الإدارية، الذي ينص على ما يلي:

“لا تعطل دعوى تجاوز السلطة تنفيذ المقرر المطعون فيه غير أنه يجوز للرئيس الأول أن يأذن بتوقيف التنفيذ إلى حين انقضاء آجال القيام بالدعوى الأصلية أو صدور حكم فيها إذا كان طلب ذلك قائما على أسباب جدية في ظاهرها وكان تنفيذ المقرر المذكور من شأنه أن يتسبب للمدعي في نتائج يصعب تداركها.
ويرفع مطلب توقيف التنفيذ بعريضة مستقلة عن دعوى تجاوز السلطة وتكون ممضاة من المدعي أو من محام لدى التعقيب أو لدى الاستئناف أو من وكيل حامل لتفويض معرف بالإمضاء عليه.
ويتم التحقيق في مطالب توقيف التنفيذ بصفة مستعجلة حسب آجال مختصرة، ولا يتوقف البت في المطلب على عدم رد الطرف المقابل في الآجال المحددة له”.

وبناء على ذلك، لا يرى هؤلاء الخبراء، أي مشروعية لقرار المحكمة الإدارية، باعتبار أنّ المكلف بتسيير وزارة الداخلية، “احتذى في إجرائه ذاك، حذو ما فعله رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في 23 و24 ماي 2017 أيضا، بذريعة محاربة الفساد، وقد استندت هذه القرارات للأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ رغم أنّه من المسلّم به أنّ هذا النص غير دستوريّ، وأنّ ما نصّ عليه من صلاحيّات لم تشرّع بهدف مكافحة الفساد،  بل لحفظ النظام وقت الاضطرابات الأمنيّة“، وفق تعبير القاضي محمد العفيف الجعيدي.

ووصف الجعيدي، قرار المحكمة الإدارية، بــ “الانحراف بالإجراءات في قرارات الوضع تحت الإقامة الجبرية”، مؤكدا أنّه كان على المحكمة الإدارية، “عدم التردد في القول بوجوب إيقاف تنفيذ قرارات الإقامة الجبرية، لكن هذا لم يكن رأي الرئيس الأول للمحكمة الإدارية”، حسب قوله.

وأعرب عن أسفه لكون القرارات “جاءت لتفرّط في حماية الحقوق والحريات، مجيزة تقييدها خارج أحكام الدستور”.

مستندات الطاعنين في القرار
يذكر أنّ الطاعنين في قرارات الإقامة الجبرية، ويصل عددهم إلى نحو 50 شخصا، قد أسّسوا طعنهم على 4 حجج أساسية، هي:

1 ــ  أن النص القانوني يسند صلاحية اتخاذ قرار الوضع تحت الإقامة الجبرية لوزير الداخلية في حين أن من صدر عنه ذاك القرار لم يكن وزيرا عين وفق إجراءات تعيين الوزراء بل مكلفا بتسيير وزارة الداخلية عينه رئيس الجمهورية خارج صلاحياته الدستورية.

2 ــ  أن الفصل 49 من الدستور التونسي ينص على كونه لا يجوز التقييد من الحقوق والحريات (ومنها حق التنقّل الحرّ المكرس بالفصل 24 منه) إلا بنص قانوني. وعليه، لا يجوز تقييد هذا الحق بالأمر عدد 50 لسنة 1978 الذي هو نص ترتيبيّ.

3 ــ  أنه تمّ خرْق حقوق الدّفاع طالما أنه لم يتمّ تمكين المعنيين من نسخ قرارات وضعهم تحت الإقامة الجبرية، علماً أن بعضهم علم بها من تسريبات نُشِرَتْ في صفحات التواصل الاجتماعي قبل أن يتفطّن لحلول الأمن بمحلّ سكناه لغاية تنفيذها.

4 ــ  ترتيب الإقامة الجبرية لآثار يصعب تداركها لما فيها من قيد على الاضطلاع بالمسؤوليات العائلية ومن منع للتكسّب وإدارة المصالح الشخصية.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى