أهم الأحداثٱقتصاد وطنياقتصاديات

كيف ساهمت كراسات الشروط في تخلف المهن وتعفن محيط الاستثمار ؟

تونس ــ الرأي الجديد  

لا يخفى على أصحاب المهن والمستهلكين لخدماتهم أن الرئيس المخلوع وبإشارة من الوزراء الفاسدين والجهلة المحيطين به، بادر سنة 2001 بتخريب المهن من خلال حذف التراخيص المتخلفة أصلا، والمتعلقة بعديد المهن والأنشطة الاقتصادية، وتعويضها بكراريس شروط أكثر تخلفا منها وفسادا، وخالية من أدنى الشروط العلمية والمهنية والأخلاقية.
وقد برر الفاسدون صلب الإدارة تلك الخطوة التخريبية، بتبسيط الإجراءات الإدارية، مثلما هو الشأن الآن. تلك المبادرة الفاسدة جاءت لسحب البساط من تحت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، التي كانت تندد بالممارسات الإجرامية للرئيس المخلوع ونظامه، الذي يحرم المعارضين من حقهم في العمل والارتزاق، من خلال حرمانهم من الحصول على التراخيص المتعلقة بالمهن والأنشطة الاقتصادية.

ويشير خبراء ومختصون في القانون، إلى أنّ “كراريس الشروط”، التي تمت صياغتها من قبل الفاسدين والجهلة صلب الإدارة، والتي جاءت مخالفة بصفة صارخة للفصل 3 من الأمر عدد 982 لسنة 1993، المتعلق بضبط العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها، كما أكد ذلك مجلس المنافسة، خربت المهن، وجعلتها متخلفة، وكرست الفوضى والتحيّل والغش،  وعفنت محيط الاستثمار.

مكاتب التكوين
وخير مثال على ذلك ما يسمى “بمكاتب التكوين”… إذ كان من المفروض، تنظيم كل المهن بقوانين متطورة، تضمن الشروط العلمية والمهنية والأخلاقية، مع منح المهنيين سلطة الإشراف على مهنهم، حتى لا تعم الفوضى والتحيل والتخلف، مثلما نلاحظه اليوم، في الوقت الذي يطبل فيه الفاسدون للمزايا التي سوف تتأتى من اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي..

ويرى عديد الخبراء، أنّه كان من المفروض، ملاءمة التشريع المهني التونسي، مع التوصية الأوروبية، المتعلقة بالخدمات المصادق عليها من قبل البرلمان الأوروبي في 12 ديسمبر 2006، بدلا من العمل على تخريب المهن والتفرج على القوانين الفاسدة، والتنكيل بالمهن وأصحابها، مثلما هو الشأن حاليا بالنسبة للمستشارين الجبائيين.

ويبدو أن بعض الفاسدين صلب الإدارة، من الذين يتمعشون من دافعي الضرائب، برروا سعي وزاراتهم اليوم، لتعويض التراخيص المتبقية بكراسات شروط، بالضغط الممارس من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعتبره المختصون، “محض كذب سافر”، لا يصدقه إلا فاسد ومخرب لاقتصاد البلاد.

فهل يعقل أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطات على تونس لتكريس الفوضى والتخلف والانحطاط والفساد والتحيل والغش وفسح المجال للدجالين لكي يباشروا كل المهن والأنشطة الاقتصادية، على مرأى ومسمع الجميع، دون رادع، مثلما هو الشأن الآن، طالما أن الإدارة المكلفة بالسهر على احترام التشريع المهني، وتأهيل المهن قبل تحريرها، ينخرها الفساد ؟

المستهلكون والمهنيون
ففي تجاهل تام لحقوق المستهلكين والمهنيين ولمحيط الاستثمار، على حد سواء، اتخذ القرار سنة 2001 بحذف أغلب التراخيص المتعلقة بمباشرة عدد هام من الأنشطة الاقتصادية والمهن، وتعويضها بكراسات شروط، في إطار ما سمي
بــ “تبسيط الإجراءات الإدارية”..

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح، هو: ما جدوى هذه العملية التي لم تأخذ بعين الاعتبار، المعايير المهنية المتعارف عليها داخل البلاد، التي ترغب في تصدير خدماتنا إليها، إلى جانب مشاغل أصحاب المهن، نظرا لأن القوانين التي نصت على التراخيص المحذوفة، لا تأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية، التي يجب أن تتوفر في من يرغب في تعاطي المهن والأنشطة الاقتصادية المعنية بتلك الكراريس، التي جاءت بدون شروط، وهو ما أضر بصفة خطيرة بمصالح المهنيين والمستهلكين على حد سواء، وبمحيط الاستثمار وجعل مهننا متخلفة، بالنظر لما تحظى به مثيلاتها داخل البلدان المتطورة، خاصة إذا علمنا أنه لم يتم الأخذ برأي أصحاب المهنيين، الذين هم أولى وأدرى بكيفية تطوير وتأهيل مهنهم دون الحديث عن عدد هام من المهن المهمشة وغير المنظمة بقوانين، والتي يمكن أن توفر عددا هاما من مواطن الشغل كالمستشار في التصرف والخبير في الإعلامية، ومهندس الفضاءات الخضراء، ومخطط المدن، ومهندس الفضاءات الداخلية ومقيم الممتلكات الذي تمت الإشارة إليه ضمن مجلة الشركات التجارية، بخصوص الحصص العينية والمستشار الاجتماعي والمستشار المالي، الذي أحكمت فرنسا تنظيم مهنته حماية للمدخرين، عند سنها للقانون المتعلق بسلامة المعاملات المالية خلال سنة 2003 ومهن أخرى لا تحصى ولا تعد، بالنظر لقائمة الخدمات المعنية بالتحرير الملحقة بالاتفاقية العامة لتجارة الخدمات بالمنظمة العالمية للتجارة.

مهنة المستشار الجبائي
إن تعلل الفاسدين صلب الإدارة، بتبسيط الإجراءات الإدارية، لا يمت بصلة للفوضى التي استشرت بعد إصلاح الخطأ (الإجراء المتعلق بالترخيص) بخطأ أفدح منه، عبر وضع هذه الكراريس التي تركت المستهلك والمهنيين في حيرة من أمرهم، باعتبار أنهم أصبحوا غير قادرين على التفريق بين المؤهلين قانونا (حسب هذه الكراريس)، من غيرهم من منتحلي الصفة والدخلاء والدجالين والسماسرة، خاصة في غياب سجل وطني للمهن غير التجارية، يمكن الاطلاع عليه من خلال شبكة الانترنت.

لقد أثبتت التجربة، أن مهام الرقابة والتفقد، لا يمكن القيام بها إلا من قبل أصحاب المهن،  باعتبار أن الإدارة التي ينخرها الفساد اليوم، لا تولي أية عناية لمشاغل المهنيين والمستهلكين على حد سواء، مثلما يتضح ذلك من خلال كراس الشروط المتعلق بمهنة المستشار الجبائي، الذي جاء مصبوغا بعدم الشرعية بحكم مخالفته الصارخة لأحكام الفصل 3 من الأمر عدد 982 لسنة 1993 المتعلق بضبط العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها.

الأغرب من ذلك أن اغلب كراريس الشروط جاءت مخالفة بصفة صارخة لمقتضيات الفصل 3 من الأمر عدد 982 لسنة 1993، المتعلق بضبط العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها، التي نصت على ضرورة أن يضبط كراس الشروط، المقتضيات اللازمة والوسائل الضرورية لممارسة النشاط والمصالح الإدارية، التي يجب إعلامها بالشروع في الممارسة الفعلية للنشاط (إضافة لإدارة الجباية التي يبقى التصريح لديها ضروريا، على معنى الفصل 56 من مجلة الضريبة على الدخل)، والتدابير التي يتم اتخاذها في حالة مخالفة كراس الشروط، وخير مثال في ذلك كراس الشروط المتعلق بمباشرة مهنة مستشار جبائي، الذي هو موضوع دعوى في تجاوز السلطة أمام المحكمة الإدارية، والذي يصر الفاسدون صلب الإدارة، على عدم ملاءمته مع الأمر المشار إليه أعلاه.

إن من يرغب في تعاطي أية مهنة داخل البلدان المتطورة، عليه أن يجتاز امتحانا نظريا وتطبيقيا (أنظر التجربتين الأمريكية و الأوروبية)، وهو إجراء مقبول من قبل الجميع، ولا يمثل عائقا ــ كما يزعم أنصار الفساد والابتزاز ــ لما يوفره من ضمانات للمهنة والمستهلكين على حد سواء.

تبعا لما تقدم، وبالنظر لتبعات اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، وتعفن محيط الاستثمار،  واستشراء الغش والتحيّل، ومغادرة المستثمرين الأجانب لتونس، لماذا لم تعمل الحكومة على حذف كراريس الشروط المتعلقة بالمهن، والتي كان من المفروض إحداث كتابة دولة للعناية بها ومتابعتها، وتعويضها بقوانين مهنية متطورة تضمن الشروط العلمية والمهنية والأخلاقية، مع منح المهنة سلطة التأديب والرقابة والحماية، بعيدا عن كراريس الشروط  المتخلفة ؟

ثمّ لماذا لم تبادر الحكومة، بإخراج المجلس الوطني للخدمات من غيبوبته، وإعادة صياغة الأمر عدد 417 لسنة 2009 المتعلق به، حتى ينجز المهام الملقاة على عاتقه منذ سنة 2006، والمتمثلة أساسا في تأهيل مهن الخدمات بالنظر للمعايير الدولية والأوروبية.

تحقيق صلب الإدارة
كان على الحكومة فتح تحقيق بخصوص الفاسدين صلب الإدارة الذين هم بصدد التصدي لمطالب أصحاب المهن الذين ينادون منذ عشرات السنين بتأهيل مهنهم بالنظر للمعايير الدولية وبالنظر للتوصية الأوروبية المتعلقة بالخدمات المؤرخة في 12 ديسمبر 2006. فعلى الحكومة أن توقف التفاوض بخصوص تحرير قطاع الخدمات طالما أن الفاسدين صلب الإدارة أصروا على شل المجلس الوطني للخدمات المحدث سنة 2006 والمكلف بتأهيل قطاع الخدمات وتطويره. كما عليها أن لا تسير في طريق الحكومات السابقة التي تجاهلت قطاع الخدمات مصرة على الإبقاء على كراسات الشروط الفاسدة وساهمت في تخلفه وتخريبه مما أدى إلى تعفن محيط الاستثمار واستشراء الفوضى والتحيل وتخلف المهن.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى