الرجل الأقوى في إيران.. خامنئي: التاريخ الطويل.. والأدوار المعقدة

عواصم ــ الرأي الجديد
أمضى آية الله علي خامنئي ما يقرب من 4 عقود كزعيم أعلى لإيران، في بناء قوة إقليمية شيعية تنافس الدول السنية في الخليج وتعادي الولايات المتحدة وإسرائيل بشدة..
قوبل خامنئي بالرفض في البداية باعتباره ضعيفا وخليفة غير محتمل لمؤسس الجمهورية الإسلامية الراحل، آية الله روح الله الخميني صاحب الحضور الطاغي، إلا أنه أحكم قبضته بثبات ليصبح صانع القرار في إيران بلا منازع.
تنازلات خامنئي تبقيه في السلطة
يحكم خامنئي (86 عاما) إيران منذ عام 1989، ويتمتع بسلطة مطلقة على الحكومة والجيش والقضاء. ورغم أن المسؤولين المنتخبين يديرون الشؤون اليومية، لا تمضي البلاد في أي سياسة رئيسية ولا سيما تلك المتعلقة بالولايات المتحدة بدون موافقته الصريحة.
ويمزج خامنئي في أسلوبه للقيادة بين الصرامة الأيديولوجية والنهج العملي الاستراتيجي. ويبدي تشككا كبيرا في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، التي يتهمها بالسعي إلى تغيير النظام لكنه يبدي استعدادا للتنازل عندما يكون مصير الجمهورية الإسلامية على المحك.
عندما كان خامنئي شابا
ويسمح مفهوم “المرونة البطولية”، الذي تحدث عنه خامنئي لأول مرة في عام 2013، بتنازلات محسوبة بعناية لتحقيق أهدافه في محاكاة لقرار الخميني عام 1988، قبول وقف إطلاق النار في الحرب مع العراق بعد ثماني سنوات من اندلاعها.
كان تأييد خامنئي الحذر للاتفاق النووي لعام 2015 الذي أبرمته إيران مع ست قوى عالمية، لحظة أخرى من هذا القبيل لأنه رأى أن تخفيف العقوبات ضروري، لاستقرار الاقتصاد وتعزيز قبضته على السلطة.
وواجه المعضلة نفسها في مارس، عندما قال ترامب إنه بعث برسالة إلى خامنئي لمناقشة اتفاق نووي جديد، وهدد الرئيس الأمريكي بشن عمل عسكري إذا فشلت الدبلوماسية في كبح طموحات طهران النووية.
وتقول إيران إن برنامجها مخصص للأغراض السلمية فقط، لكن الغرب يشتبه في أنها تطور أسلحة سرا فيما تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا لها.
وانسحب ترامب في عام 2018 خلال ولايته الأولى من اتفاق عام 2015، وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران التي ردت بانتهاك تدريجي لكل القيود على برنامجها النووي المتفق عليه.
وكان رد الزعيم الأعلى لاذعا كالعادة وقال “العداء من الولايات المتحدة وإسرائيل قائم منذ فترة طويلة. تهددان بمهاجمتنا، وهو أمر نعتقد أنه غير مرجح تماما، لكن إذا سببتا أي أذى، فستتلقيان بالتأكيد ضربة قوية بالمثل”.
خامنئي بنى هيكلا أمنيا مواليا له
نظرا لافتقاره إلى مؤهلات الخميني الدينية، لجأ خامنئي مرارا إلى الهيكل الأمني المعقد في البلاد المؤلف من الحرس الثوري المتشدد، وقوة الباسيج شبه العسكرية الدينية، التي تضم مئات الآلاف من المتطوعين.
أحد أهم المقربين من الإمام الخميني
وتعتمد سلطة خامنئي كثيرا على الإمبراطورية المالية شبه الحكومية المعروفة باسم (ستاد)، التي يبلغ حجم أعمالها عشرات المليارات من الدولارات، وتخضع لسيطرة خامنئي مباشرة ونمت بشكل كبير خلال فترة حكمه.
وتم استثمار مليارات الدولارات في الحرس الثوري لعقود، للمساعدة في تمكين الفصائل الشيعية في العراق ولبنان واليمن ودعم الأسد في سوريا.
ويرسم باحثون خارج إيران صورة لخامنئي تظهره رجلا صاحب فكر صارم متحفظا يخشى الخيانة، وهو قلق أججته محاولة اغتياله في يونيو حزيران 1981 التي أدت إلى إصابته بشلل في ذراعه اليمنى.
ووفقا لسيرته الذاتية الرسمية، تعرض خامنئي نفسه لتعذيب شديد في عام 1963 عندما كان عمره 24 عاما وقضى أول فترة من عدة عقوبات سجن بسبب أنشطته السياسية في ظل حكم الشاه.
وبعد الثورة الإسلامية عندما تولى منصب نائب وزير الدفاع، صار خامنئي مقربا من الحرس الثوري خلال الحرب مع العراق (1980-1988) التي قتل خلالها مليون شخص من البلدين.
وفاز خامنئي برئاسة الجمهورية الإسلامية بدعم من الخميني، وقال كريم سجادبور من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن “صدفة تاريخية” حولت “رئيسا ضعيفا إلى زعيم أعلى ضعيف في البداية ثم إلى واحد من أقوى خمس شخصيات إيرانية في المئة عام الأخيرة”.
سوء التقدير الاستراتيجي
وقد شهد خامنئي مقتل كبار مستشاريه العسكريين والأمنيين في ضربات جوية إسرائيلية، وهو ماتسبب، وفقا لما قاله خمسة أشخاص مطلعين على عملية صنع قراراته، في خلل بدائرة المقربين منه وزاد من خطر وقوع أخطاء استراتيجية.
وقُتل عدد من كبار القادة العسكريين منذ يوم الجمعة، بينهم المستشارون الكبار لخامنئي من الحرس الثوري، قوة النخبة العسكرية الإيرانية، وهم القائد العام للحرس حسين سلامي وقائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زادة، الذي كان يرأس برنامج الصواريخ الباليستية، ورئيس مخابرات الحرس الثوري محمد كاظمي.
أبرز القيادات المقربة من خامنئي
ووفقا للمصادر، مقربة من خامنئي، تضم الدائرة القريبة من الزعيم الأعلى ما يتراوح بين 15 و20 مستشارا من قادة الحرس الثوري ورجال الدين والسياسيين.
وخامنئي، الذي سُجن قبل ثورة 1979 وأصيب في هجوم بقنبلة قبل أن يصبح زعيما أعلى عام 1989، متمسك بشدة باستمرار نظام الحكم الإسلامي في إيران ولا يثق بالغرب بقدر كبير.
وبموجب نظام الحكم في إيران، فإنه يحظى بالقيادة العليا للقوات المسلحة، وسلطة إعلان الحرب، ويمكنه تعيين أو عزل كبار الشخصيات بما في ذلك القادة العسكريين والقضاة.
وقال مصدر إيراني أخر، إن خامنئي هو من يتخذ القرار النهائي في المسائل المهمة، لكنه يقدر المشورة ويستمع باهتمام إلى وجهات النظر المختلفة، وغالبا ما يطلب معلومات إضافية من مستشاريه.
و قال أليكس فاتانكا مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط للأبحاث في واشنطن “هناك أمران يمكن قولهما عن خامنئي: إنه عنيد للغاية لكنه حذر للغاية أيضا… وهذا هو سبب بقائه في السلطة كل هذه المدة الطويلة”.
وأضاف “خامنئي قادر تماما على أداء التحليل الأساسي للتكاليف، مقابل الفوائد والذي يتعلق بشكل أساسي بقضية واحدة أهم من أي شيء آخر: بقاء النظام”.
نجل خامنئي.. خليفة محتمل؟
ووفقا لمصادر مطلعة ومحللين، فلا شك أن خامنئي يواجه قدرا أكبر من المخاطر وسط الحرب المتصاعدة مع إسرائيل، التي استهدفت شخصيات ومواقع نووية وعسكرية بهجمات جوية مما دفع إيران للرد بإطلاق صواريخ.
وأكدت المصادر الخمسة المطلعة على عملية صنع القرار لدى خامنئي أن المقربين الآخرين الذين لم تستهدفهم الضربات الإسرائيلية ما زالوا على قدر كبير من الأهمية والتأثير، بمن فيهم كبار المستشارين في الشؤون السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
علاقة خاصة من الرئيس الإيراني
وذكرت المصادر أن مجتبى نجل خامنئي صار على مدى السنوات العشرين الماضية، شخصية أكثر أهمية من أي وقت مضى في هذه العملية، إذ صنع دورا لنفسه يصل بين الشخصيات والفصائل والمنظمات المعنية للتنسيق في قضايا محددة.
وينطر بعض أفراد الدائرة المقربة إلى مجتبى، الذي ينتمي للصفوف الوسطى من رجال الدين من حيث المكانة، على أنه خليفة محتمل لوالده المسن. وقالت المصادر إنه بنى علاقات وثيقة مع الحرس الثوري مما منحه نفوذا إضافيا داخل مختلف الأجهزة السياسية والأمنية الإيرانية.
وذكرت المصادر أن نائب شؤون الأمن السياسي في مكتب خامنئي، علي أصغر حجازي، شارك في قرارات أمنية بالغة الأهمية وغالبا ما يوصف بأنه أقوى مسؤول مخابرات في إيران.
وبحسب المصادر، في الوقت نفسه لا يزال رئيس مكتب خامنئي، محمد كلبايكاني، وأيضا وزيرا الخارجية السابقان علي أكبر ولايتي وكمال خرازي، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، من المقربين الموثوق بهم في الشؤون الدبلوماسية والسياسات الداخلية مثل النزاع النووي.
ومع ذلك فإن خسارة قادة في الحرس الثوري قلصت قيادة المؤسسة العسكرية التي وضعها خامنئي في مركز السلطة منذ أن أصبح الزعيم الأعلى في عام 1989، إذ اعتمد عليها في الأمن الداخلي والاستراتيجية الإقليمية لإيران.
وفي حين أن التسلسل القيادي للجيش النظامي يخضع لوزارة الدفاع تحت قيادة الرئيس المنتخب، فإن الحرس الثوري يأتمر مباشرة بأمر خامنئي، ويحصل على أفضل العتاد العسكري لوحداته البرية والجوية والبحرية مع اضطلاع قادته بأدوار رئيسية في الدولة.
الرجل الذي يقود التحدي في وجه إسرائيل والولايات المتحدة
المصدر: (رويترز)
إضغط هنا لمزيد الأخبار