أحداثأهم الأحداثدولي

السعودية بين الأمن والنفط.. ودبلوماسية “إرضاء الكبار”

الرياض ــ الرأي الجديد

تقع السعودية على واحدة من أكبر احتياطيات النفط في العالم، ما جعلها موضع حسد من جميع الدول، سواء كانت نامية أو غير ذلك. ويعتبر النفط صناعة مهيمنة في البلاد بحيث أن أي عدم استقرار في سعره العالمي يتوافق بشكل مباشر مع عدم الاستقرار في الاقتصاد السعودي.

وإذا أصبح النفط في الغد بلا قيمة، أو حتى انخفض سعره إلى النصف، فمن شبه المؤكد أن الاقتصاد السعودي سينهار. لمنع حدوث هذا السيناريو، حافظت السعودية بقوة على موقعها في أوبك، وتكافح للتلاعب بسوق النفط العالمي والحفاظ على ازدهار اقتصادها، غالبا على حساب بقية العالم.

وتقع داخل حدودها المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهما من أهم المواقع الإسلامية. إن مجرد السيطرة على هذه المدن يمنح الحكام السعوديين مكانة عالية دوليا، وفي الوقت نفسه، فإن وجودهما يفرض ضغوطا على الدولة (أو ربما يعطيها عذرا) لتلتزم بشكل أكثر صرامة بقواعد القرآن، ما يخلق مجتمعا شديد المحافظة والتشدد. ولهذا السبب غالبا ما يكون الأجانب غير مرحب بهم في البلاد، وغالبا ما تكون العلاقات مع الدول غير الإسلامية مدفوعة بمشاعر المسلمين وليس جهاز الدولة نفسه.

النفط وإيران.. والحوثيين
بينما يرى قادتها الهيمنة الإقليمية كخطوة تالية واضحة في القوة السعودية، فإن وجود إيران يعقد هذا المسعى. تتشابه الدولتان تقريبا من حيث القوة والنفوذ في المنطقة، وقد خاضتا صراعا على الهيمنة منذ الإطاحة بالعراق البعثي كمنافس ذي صلة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.


إن تمسك الدول بفروع الإسلام المتنافسة يزيد من حدة المنافسة. عملت إيران كبطل للإسلام الشيعي، حيث دعمت العديد من الجماعات المسلحة الشيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط مثل حزب الله والحوثيين. في حين أن المناخ الجاف للسعودية وحدودها الطويلة تجعلها هدفا غير جذاب للحرب التقليدية، إلا أنها تتركها معرضة بشكل خطير للتسلل من قبل الجماعات المسلحة الأصغر.

لتعزيز نفوذها وتقليل المخاطر التي تشكلها هذه الجماعات على استقرارها ودفاعها الوطني، ألزمت السعودية نفسها بمكافحة التشدد. وتجلت هذه السياسة بشكل أوضح في التدخل المستمر بقيادة السعودية في اليمن، البلد الذي تتمركز فيه جماعة الحوثيين. وبمساعدة التدريب الأمريكي ومبيعات الأسلحة والاستخبارات، قادت قوات التحالف حملة قصف برية مكثفة بهدف الإطاحة بالحوثيين واستعادة الحكومة اليمنية السابقة.

وتسبب الصراع في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ. لقد قُتل عشرات الآلاف من المدنيين، وشرد الملايين، وملايين آخرون يتضورون جوعا. ليس للتدخل تاريخ انتهاء واضح، وما هو أبعد من كونه كارثة إنسانية ضخمة يعمل بمثابة آفة على السمعة الدولية الأمريكية بحكم مشاركتها غير المباشرة.

الولايات المتحدة.. والسياسات السعودية
في حين أن السياسة السعودية كانت أكثر استساغة خلال التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، إلا أنه عند الرجوع خطوة إلى الوراء، فمن الواضح أنها تتعارض مع المصالح الأمريكية بكل الطرق تقريبا. وتحتاج الولايات المتحدة إلى نفط رخيص، أو يتوقف اقتصادها: تشارك السعودية بشكل مباشر في الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط. وتحتاج الولايات المتحدة إلى استقرار الشرق الأوسط حتى لا ينجر إلى صراع آخر: التنافس السعودي الإيراني يهدد هذا الاستقرار. تحتاج الولايات المتحدة إلى استعادة سمعتها الدولية بعد حروبها الكارثية في الشرق الأوسط: التعاون مع التدخل السعودي في اليمن يجعل ذلك أكثر صعوبة.

لا تفعل السياسة الأمريكية الحالية الكثير لمعالجة أوجه القصور الصارخة هذه في العلاقة. منذ الانسحاب من أفغانستان، كان هناك توعك في الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن نفوذ أمريكا كبير. السعودية بحاجة إلى أسلحة أمريكية لأمنها القومي، وتحتاج إلى خبرة أمريكية لصيانة هذه الأسلحة.


وعلى الرغم من الهدوء الأخير لبعض التوترات، فلا يوجد دليل قوي على أن التنافس بين إيران والسعودية أصبح شيئا من الماضي. بالإضافة إلى ذلك، لم تعد السعودية حيوية لمصالح أمريكا. قطع العلاقة تماما الآن لن يكون له أي تأثير تقريبا مقارنة بقطعها قبل عشر سنوات. حتى في المجال الاقتصادي، هناك بدائل محتملة للنفط السعودي يمكن استكشافها مثل فنزويلا ونيجيريا والإمارات والبرازيل أو حتى أمريكا نفسها. يجب على الولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها، وأن تطالب السعودية بالتمسك بجانبها في صفقة النفط مقابل الأمن أو البحث في مكان آخر عن الأمن.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى