أهم الأحداثمقالات رأي

بين التبرير السياسي والدفاع المبدئي (الحلقة الثالثة)

امحمد الهلالي*


قد لا يعوز حركة حماس ان تجد التسويغ السياسي والاعلامي المناسب لتبرير قرارها القاضي بالاصطفاف مع مجرم الحرب بشار الاسد، لكن منطق التسويغ سيظل دائما ضمن دائرة العقل التبريري الذي تلجأ اليه في العادة كل سلطة غاشمة في مسلكياتها لشرعنة ما ليس شرعيا، وتسويغ ما لا يسوغ . وهذا ما يجعل المنطق التبريري المتهافت، متمايزا عن العقل التدبيري الراشد الذي يمتح من الاختيارات الثابتة للامة وثوابتها الجامعة.

ومن هناج فقرار حماس الذي يمكن ان نسميه قرار “العودة مقابل الدعم”،  يمثل سقطة اخلاقية وسياسية غير مسبوقة، ليس لانه يبيح للحركة ما يعيبه على غيرها وحسب، ولكن لأنه وقع في مفاضلة بين حقين غير متساويان وبين مفسدتين ليستا من نفس العيار.

فمن جهة مفاضلته بين حقين، فانه سقط في ترجيح كفة الحق في المقاومة الذي تضمنه كل الشرائع للشعوب المحتلة، على الحق في الحياة بكرامة الذي هو الحق الاول والاصلي الذي تتفرع عليه باقي الحقوق، وهو الحق المضمون شرعيا وكونيا لكل انسان تحت اي ظرف.

والحق في الحياة الكريمة بالنسبة للانسان السوري ليس ادنى درجة من الحق في الحياة بالنسبة للفلسطيني.

أما من الجهة الاخرى، فان قرار حماس قد وقع في محظور اكبر يتعلق بمفاضلته بين مفسدة الطغيان والاستبداد الذي اصبحت يواليه وتنحاز اليه بموجب هذا القرار، بعد كل الجرائم والمصائب التي ارتكبها وما يزال ضالعا فيها، وبين سعيها لدفع مفسدة الاحتلال التي قد تعتبرها ضرورة تبيح لها محظور إضفاء الشرعية على نظام قاتل ومجرم .

لكن الجميع يعلم انه لا تصح المفاضلة بين حق يقع في ترتيب ادنى من قبيل الحق في المقاومة على حق يصنف في مرتبة اسمى وهو الحق في الحياة.

والمفارقة الاكبر  تظهر عندما يتضح ان ما سقطت فيه حماس هو تفضيل لوسيلة من الوسائل العديدة التي يمكن بها ممارسة الحق في المقاومة وهي وسيلة الدعم التي يقدمها محور الثورة المضادة ممثلا في إيران سوريا، في مقابل الوسائل الاخرى التي توفرها على وجه الخصوص شعوب الامة سواء بدعم من الانظمة او بتساهل منها في الحد الادنى، والاكثر من ذلك، هو ان الدعم السابق للمقاومة المقدم من سوريا انما الفضل فيه للشعب السوري صاحب الامر الذي يتم الدعم باسمه ومن مقدراته في المبتدئ والخبر.

والسؤال هنا هو هل ما زال بمقدور سوريا المحتاجة اكثر من غيرها الى الدعم ان تواصل نفس أدوارها السابقة اتجاه المقاومة، في ضوء ما تعانيه من انقسام ومن تدخلات اجنبية وما تدفعه من فواتير لتأمين الحماية الاجنبية وكذا ما ستدفعه من كلفة للمجهود العسكري المبذول لدعمها ومن سلاح انفق خدمة لها وكذا اثمان من اجل اعادة الاعمار وحفظ وحدة واستقرار البلد ؟.

وهل مازال المحور السوري الايراني قادرا على نفع المقاومة باكثر مما تقدمه شعوب الامة على ضعفه في هذه الظروف الحالكة وذلك في ضوء ما يجابهه هذا المحور ودوله من تحديات ناجمة عن الاستنزاف العسكري والحرب الاقتصادية والتهديدات الاجنبية على خلفية البرنامج النووي وغيره ومتابعات المحكمة الجنائية الدولية على جرائم السلاح الكيماوي ضد الاطفال؟ .

ثم ما هو التقدير الصحيح لقرار حماس بالعودة الى سوريا بميزان الذكاء الاستراتيجي وبمقاييس التهور السياسي؟  وهل يستطسع الدعم المادي والامني الذي يقدمه النظام السوري ومحوره ان يغطي الكلفة القيمية والمبدئية والمعنوية لهذا القرار؟ وما هي العوائد والتداعيات المرتقبة لهذا القرار على الحاضنة الشعبية للمقاومة في عموم الامة؟ .

هذه هي الأسئلة التي سيكون على حماس ان تجيب عنها في المستقبل القريب .

* ناشط سياسي ومفكر مغربي

ــ يتبع ــ (غدا الحلقة الرابعة والأخيرة)

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى