أحداثبكل هدوءدولي

اغتيال شيرين أبو عاقلة.. القصة العصية على الكتابة

بقلم / صالح عطية

 


ترجلت شيرين أبو عاقلة.. باتجاه الشهادة، كانت تراها رأي العين، وهي تقوم بمهتها الصحفية على أرض الاستشهاد، أرض فلسطين الشامخة، لتصبح هي المعنية بها بموجب جريمة اغتيال وقتل متعمّد من إنجاز ، كالعادة، الاحتلال الاسرائيلي الذي ما يزال وصمة عار على البشرية والحداثة والديمقراطيات وحقوق الإنسان والمجتمع الدولي..

اغتيلت مراسلة قناة “الجزيرة”، بدم صهيوني بارد، برود العنصرية الإسرائيلية المقيتة، برصاصة قناص، كان واضحا أنه تلقى التعليمات الإسرائيلية بذلك، من خلال استهدافه رأس شيرين مباشرة، وبقصدية لا مشاحة فيها..

تمت تصفية المرأة التي ظلت لأكثر من 20 عاما، تنقل عذابات الفلسطينيين، في الحرب وشبه السلم، في الساحات الفلسطينية بمختلف مكوناتها، وفي ميادين الأحداث اليومية في الضفة ورام الله والقدس المحتلة، وجنين، وغزة ومن حول المسجد الأقصى، بأزقته وأنهجه وباحاته وشوارعه..

كانت المرحومة الشهيدة، شيرين، جنبا إلى جنب مع عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، غير عابئة بأسلحتهم، ولا بغطرستهم، ولا بتلك النظرات العنصرية، والعبوس الدائم على وجوههم، والارتباك البادي على محياهم، والإرتعاشة الملازمة للكيان الغاصب وجيشه وجنوده ومستوطنيه..

كانت شيرين، ترسم بتعليقها ونقلها الصحفي الدقيق، خوف الغزاة ورعبهم، وتشنجهم، وصلفهم، وتعاملهم اللاإنساني، في مقابل ردّ الفعل الفلسطيني، بالحجارة والاحتجاج والأصوات العالية والمرتفعة، بفعل تجريد المقاومة الفلسطينية، من الأسلحة على امتداد 7 عقود تقريبا، برغبة رسمية عربية وقحة..

كانت شيرين أبو عاقلة، إحدى الرصاصات الفلسطينية، في خاصرة العدو الصهيوني، عبر مصدحها، وبصوتها الهادئ، الذي يملأه الحزن، وتخترقه العبرات المدفونة، حزنا وكمدا على إخوتها ومواطنيها وشعبها الأعزل الذي تستشهد منه أعداد وقوافل يوما بعد يوم، أمام مرأى ومسمع منها..

لم تعبأ “الشهيدة” ببطش الاحتلال، وانتهاكات الجنود القادمين من شتات الأرض، ليتم زرعهم بين جغرافيا فلسطين والقدس، ولم تكترث مطلقا، لاستفزازاتهم، وتعنتهم، وجبروتهم، وعنفهم، وحقدهم البغيض، وحرصت ــ بكل الإصرار الذي لديها ولدى شعبها ــ  على أن تقدّم الصورة التي يعمل الاحتلال على طمسها وإخفائها والتعتيم عليها، إعلاميا وسياسيا وعسكريا..

بصوتها الجهوري الخافت، لكنه المرتفع ارتفاع الهامة الفلسطينية، والحق الفلسطيني، كانت شيرين، تعكس مشهد الدم الفلسطيني المنساب بشكل يومي فوق الأرض المحتلة، ولكنها تترجم كذلك عن عمق النضال الفلسطيني، والإصرار الفلسطيني الكبير، دفاعا عن الحق والأرض والوجود، دفاعا عن الحرية وعن الاستقلال، وعن دحر الاحتلال بكل الإقدام  الممكن من قبل الشبان والشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين في كل شبر من الأرض، التي كان يسميها الرئيس الراحل، أبو عمار، أولى القبلتين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

لم تبد شيرين أبو عاقلة، أي خوف من الاحتلال وجنوده المدججين بالسلاح، ولم يكن لديها أي تردد في نقل المشهد بكل العنف والظلم والاعتداء الإسرائيلي، الذي عملت شيرين على فضحه وكشف معالمه، بكاميرا الجزيرة ومصدحها، ولكن أيضا بصوتها الذي كان كمن يوثق للجرائم الصهيونية، وأيضا، كمن يوثق للنضال الفلسطيني العنيد والعتيد..

ظلت شيرين شاهدة على مرحلة امتدت لأكثر من 20 عاما.. فيها الحزن والعذاب والدم والدموع، والانكسارات والإخفاقات وفقدان الأهل والأحبة، الذين قضوا شهداء من أجل القضية، ولكن العشرين عاما هذه، شهدت شيرين فيها، الفرح والانتصارات الفلسطينية، على قلتها، وفيها هذه الأجيال الفلسطينية المتواترة، التي تشكّل وقودا للقضية والدفاع عن الأرض الفلسطينية المغتصبة… لقد ولدت شيرين وترعرعت مع هؤلاء، ونمت لديها مشاعر الوطن السليب، لذلك كانت وهي تنقل الأحداث هناك، تصوّر تفاصيل المعاناة الفلسطينية، وحيثيات المقاومة، ورغبات الأجيال الجديدة، واستماتتهم من أجل الذود عن حمى وطنهم، بلا كلل أو ملل..

قصة شيرين أبو عاقلة، ستبقى تلك القصة العصية على الكتابة، العصية على الرواية، العصية على أن تحكى، فقط لأنها قصة شعب الجبارين، في مواجهة أعتى أنواع الاحتلال والميز العنصري والإرهاب والقتل والدمار، برعاية “الديمقراطيات الغربية”، ودكاكين المنظمات الحقوقية، وأروقة المنتظم الأممي المغلقة أمام الحق الفلسطيني..

وداعا شيرين.. ولكن، بأي يد سيمسك خليفتك مصدحك، وبأي صوت سيمرر ما تبقى من القصة، التي أصبحت الآن، جزء منها، وأحد مكونات مشهدها..؟؟؟؟

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى