أهم الأحداثالمشهد السياسيبرلمانوطنية

الحصانة البرلمانية: الرئيس يشعل الفتيل.. وجدل سياسي وبرلماني عقيم…  

تونس ــ الرأي الجديد / صالح عطية

يدور الآن جدل واسع في تونس، حول ملف الحصانة البرلمانية، والنواب المعنيون بهذه الحصانة، وسط اتهامات مباشرة من رئيس الجمهورية إلى مجلس نواب الشعب، باعتبار مماطلته في رفع الحصانة عن نواب، قيل إنّ مطالب كثيرة برفع الحصانة عنهم، ثدمت إلى مكتب البرلمان، لكنّ هذا الأخير، جمدها دون وجه قانوني أو دستوري.
وكانت قضية الحصانة، طرحت إعلاميا وسياسيا وبرلمانيا، في وقت سابق من قبل نواب بالبرلمان، وقيادات سياسية، اتهمت بدورها، رئيس مجلس نواب الشعب، بالتغطية على نواب وصلت بشأنهم مطالب رفع حصانة من قبل القضاء، الأمر الذي نفته الدوائر الإعلامية والبرلمانية المحيطة برئيس البرلمان، راشد الغنوشي..

وتقدّم النائب، نبيل الحجي، عن الكتلة الديمقراطية، يوم 25 ديسمبر 2020، بطلب النفاذ إلى المعلومة إلى مكتب مجلس نواب الشعب، للحصول على قائمة بأعضاء مجلس النواب، الذين وردت بشأنهم مطالب لرفع الحصانة البرلمانية، خلال المدتين الأولى والثانية للمجلس.

وذكر مجلس النواب، في مراسلة للنائب نبيل الحجي، تلقت “الرأي الجديد” نسخة منها، أنّ المجلس وردت عليه خلال المدة النيابية (2014 ـ 2019)، 17 مطلبا لرفع الحصانة، من السلطة القضائية، “في حين لم يرد خلال المدة النيابية الحالية (2019 ـ 2024)، سوى مطلب جديد وحيد، لرفع الحصانة البرلمانية”، وفق نص المراسلة.

نفي البرلمان
وبخصوص قائمة النواب المعنيين برفع الحصانة، ذكرت المراسلة، استنادا إلى الفصلين 68 و69 من الدستور، أن ذلك غير ممكن..

وينص الفصل 68 من الدستور، على أنه “لا يمكن إجراء أي تتبع قضائي أو جزائي ضدّ عضو بمجلس نواب الشعب، أو إيقافه، أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها، أو أعمال يقوم بها، في ارتباط بمهامه النيابية”..
فيما ينص الفصل 69 من الدستور، على أنّه “إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنّه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة”، وفق نص الفصل..


وعلل مكتب مجلس نواب الشعب، وجهة نظره القانونية، من ناحية أخرى، بقرار المحكمة الإدارية، الذي أكد أنّ “عدم استكمال إجراءات رفع الحصانة، يحول دون مدّ مجلس نواب الشعب الغير، بقائمة في مطالب رفع الحصانة المعروضة عليه، معتبرة أنّ تلك القائمة لا تقبل بطبيعتها النفاذ إليها من الغير، لاعتبارها لا تعتبر في مرحلتها السابقة للمرحلة القضائية، وثيقة نهائية مستوفية لكافة الإجراءات المستوجبة، لتمكين الغير منها”، وفق ما ورد في نص مراسلة البرلمان للنائب نبيل الحجي..


رئيس الجمهورية يثير الموضوع
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، أعلن أمس خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة، هشام المشيشي، ووزير الدفاع، البرتاجي، “إنّ 25 طلبا حول رفع الحصانة، أرسلتها وزارة العدل إلى مجلس النواب، لم يتم النظر فيها”.
ولاحظ رئيس الدولة، أنّ بعض النواب المعنيين بطلبات رفع الحصانة “موجودون في حالة تلبس وفرار”، موجّها اتهامات ضمنية للبرلمان بإخفاء هذه المطالب للمساومة بها لاحقا”، وفق تعبيره.

للكتلة الديمقراطية.. وجهة نظر
من جهته، أكد النائب نبيل الحجي (الكتلة الديمقراطية)، أنّ “مطالب رفع الحصانة عن عدد من نواب البرلمان، وردت على البرلمان بالفعل خلال المدة النيابية الماضية والحالية، بشهادة رئاسة البرلمان نفسها.

ونشر الحجي، نصّ الردّ الذي بلغه من رئاسة مجلس نواب الشعب، جاء فيه أنّ عدد طلبات رفع الحصانة بلغ 18 طلبا، منها طلب واحد يخصّ المدة النيابية الحالية (2019 – 2021).

ولفت إلى أنّ المعطيات التي تضمّنها هذا الردّ تتضارب مع ما ورد في ردّ مماثل تلقاه من وزارة العدل أكّدت فيه أنّها أرسلت مطالب رفع حصانة تتعلق بـ 29 نائبا خلال المدتين النيابيتين الماضية والحالية، 9 منهم لم يتمسّكوا بالحصانة، وفق قوله.
وأضاف أنّ 10 من النواب المعنيين برفع الحصانة فقط، غادروا المجلس، وما تزال البقية تمارس مهامها كنواب للشعب.

ماهر مذيوب يردّ رسميا
وأكد ماهر مذيوب، مساعد رئيس مجلس نواب الشعب، المكلف بالإعلام والاتصال، “عدم تلقي المجلس لأي طلب رسمي لرفع الحصانة عن أي نائب بالبرلمان”.

وقال المذيوب خلال ندوة صحفية اليوم الخميس بالبرلمان، “لم ترد على مجلس نواب الشعب منذ بداية هذه الدورة البرلمانية، أية مراسلة رسمية من وزارة العدل، لرفع الحصانة عن أي نائب”.

وأشار إلى وجود طلب وحيد ليس متعلّقًا برفع الحصانة، بل بالاستماع إلى نائب، وهو ما ليس من اختصاص البرلمان، وبالتالي لم يبد فيه أي رأي”.

غير أنّ نبيل الحجي، فنّد ما صرّح به النائب ماهر مذيوب، الذي قال إن البرلمان لم يتلقّ أي مطلب رفع حصانة بخصوص أي كان من النواب. وأضاف نبيل حجّي أنه كان قد توجه بمطلب للنفاذ إلى المعلومة، لرئيس المجلس راشد الغنوشي، “وبعد مماطلة كبيرة وتجاوز الآجال القانونيّة، أفاد الغنوشي في ردّ كتابي بأنه ورد على البرلمان 17 مطلب رفع حصانة في المدة النيابية 2014-2019 ومطلب رفع حصانة وحيد في المدة النيابية الحالية”.

مصدر من وزارة العدل
وأكّد مصدر مطّلع بوزارة العدل، في تصريح لإذاعة “موزاييك”، أنّه تمّت إحالة طلبات لرفع الحصانة عن نواب ملاحقين قضائيا على مجلس نواب الشعب، قصد البتّ فيها.

وأكّد المصدر ذاته أنّ مطالب رفع الحصانة خلال المدّتين النيابيتين (2014 – 2019 و2019 – 2024 ) بلغت 53 مطلبا تعلّق بـ 29 نائبا بخصوص ملفات ذات طبيعة مختلفة، وأنّ بعض النواب شملهم أكثر من طلب واحد.

وأوضح المصدر ذاته أنّ عدد النواب الذين فقدوا صفتهم النيابية خلال المدة النيابية الحالية والمعنيين بطلبات رفع الحصانة بلغ 10 نواب.


وأشار المصدر نفسه إلى أنّه تم إرجاع  بعض طلبات رفع الحصانة إلى مختلف المحاكم المعنية، لاستكمال الإجراءات القانونية المستوجبة في الغرض، والمتمثلة في التحرير كتابة على النائب المعني، قصد تحديد موقفه بخصوص التمسك بالحصانة من عدمه، وذلك عملا بأحكام الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور التونسي، التي نصّت على أنّه “إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة”.

غازي القروي يتمسّك بالحصانة
في المقابل، أعلن رئيس كتلة قلب تونس أسامة الخليفي في ندوة صحفية بالبرلمان اليوم الخميس 27 ماي 2021، أن النائب غازي القروي، متمسّك بالحصانة، وفق ما ينص عليه القانون الداخلي لمجلس نواب الشعب.

وكان محسن الدالي، الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي، شدد على أن القطب القضائي الاقتصادي والمالي، قد وجّه مطلبا رسميا إلى البرلمان، لرفع الحصانة عن النائب غازي القروي (حزب قلب تونس)، منذ 7 جانفي 2021، إلى وزارة العدل، وتحصّل على وصل استلام في الغرض، وبالتالي فإن الموضوع أصبح مناطًا بعهدة وزارة العدل، التي من مهامها توجيه المراسلات الرّسمية إلى البرلمان.

وجاء طلب رفع الحصانة عن غازي القروي، لمتابعة الأبحاث معه في إطار القضية التحقيقية المتعلقة بتبييض الأموال، والموقوف على ذمتها شقيقه ورئيس “حزب قلب تونس”، نبيل القروي.

على أن اللافت في هذا السياق، أنّ حرب التصريحات، واستعراض الوثائق التي يعكس بعضها تطابقا بين المختلفين، وتباينا فيما بينهم ضمن تأويلات وقراءات وحيثيات مختلفة، تؤكد أنّ الموضوع سياسي، ولا يتعلق بالحصانة في ذاتها..
“جاذبية التوريط” من جهة، وهيمنة الرغبة في وضع الخصم السياسي في الزاوية، وإفقاده القدرة على الاستمرار في المشهد السياسي، وفي الاستحقاقات الانتخابية القادمة..
الصراع السياسي في تونس، يأخذ أبعادا وأشكالا وسيناريوهات متعددة، أدناها خصومة سياسية بدائية، وأقصاها، حرب الإقصاء والنفي والإلغاء، أما الأسباب والحيثيات، فهي مادّة الصراع وأدواته..


الجديد هذه المرة، هو أنّ الرئاسة باتت جزءا من مادّة هذا الصراع، وليست طرفا فيه فحسب.. على عكس بعض وجهات النظر المتفائلة، بعد الخروج الأخير لرئيس الجمهورية..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى