1.المشهد الثقافيأهم الأحداثالمشهد السياسيبانوراماوطنية

في ندوة قانونية وسياسية: تساؤلات حول عوائق العدالة الانتقالية في ضوء الوضع السياسي المعقّد

تونس ــ الرأي الجديد

نظمت جمعية الكرامة والجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، ندوة علمية بأحد فنادق العاصمة، في إطار التفاعل مع آخر تطورات مسار العدالة الانتقالية.
وتهدف هذه الندوة التي أثثها ثلة من الأساتذة والخبراء في العدالة الانتقالية، إلى التوقف عند أهم الإشكاليات العالقة، التي حالت وما تزال، دون استئنافه..

وتناولت الندوة، جملة الموضوعات الحارقة، التي حالت دون تفعيل استحقاقات العدالة الانتقالية، على غرار  تعويض ضحايا الاستبداد وشهداء الثورة، وجبر ضررهم، واعتذار الدولة لهم، ومحاسبة الجناة، وإصلاح المؤسسات، وحفظ الذاكرة.

وحاول المحاضرون، تفكيك أسباب التعطيل الحاصل في هذا المسار، خصوصا بعد  صدور  التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، ونشره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية في 24 جوان 2020، في محاولة للإجابة على سؤال أساسي، هو: لماذا بقي مسار العدالة الانتقالية، يراوح مكانه، والحال أنه كان من المفترض حصول تقدّم فيه ؟؟

وقد خلصت الندوة الى أن الدولة التونسية ان لم تعمل على الإيفاء بالتزاماتها على محمل الجد، فإنها ستضع  مسار العدالة الانتقالية أمام ثلاث أخطار حقيقية تتمثل في ضرب مسار الانتقال الديمقراطي  في أهم مفاصله المتعلقة بتصفية إرث الماضي ومحاسبة المجرمين وتحقيق المصالحة فضلا عن ضرب مبادئ حقوق الإنسان والتزامات تونس الدولية وخرق دستور الجمهورية التونسية وقانون العدالة الانتقالية.

عمل مشترك حول العدالة الانتقالية
ونوه رئيس “جمعية الكرامة”، الخضري العلمي، بأهمية هذه الندوة، مثنيا على العمل المشترك مع “الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية”، مشيرا إلى حرص جمعية الكرامة، على استكمال ملف العدالة الانتقالية، ومعاضدة كل الجهود الساعية إلى تفعيل مخرجات التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة، لافتا إلى أنّ مسار العدالة الانتقالية، يتعرض في الوقت الحالي، إلى جملة من التحديات والصعوبات، حسب قوله.

وشدد أستاذ القانون الدستوري، ورئيس “الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية”، شاكر الحوكي، على أهمية الانخراط في الدفاع عن المسائل الأخلاقية، دون التخلي عن الجانب العلمي والموضوعي، وحتى النقدي، الذي يميز الطبيعة الأكاديمية للجمعية، وطبيعة عمل الجامعي عموما..

وأشار الحوكي، إلى أهمية العمل المشترك بين جمعيات المجتمع المدني الحقوقية،  والجمعيات العلمية والأكاديمية، التي تتيح للأكاديمي أن يطل على عالم المجتمع المدني، في حين تتيح للمجتمع المدني، الاستفادة من البحوث المعرفية والتحليل النقدي، الذي تقدمه الجامعة، مشددا في مداخلته على العلاقة الوثيقة بين العدالة الانتقالية، ومطلب احترام حقوق الإنسان.

معضلات العدالة الانتقالية
وقد تعرض الأستاذ طارق الزكرواي، المحامي لدى التعقيب، والناشط في المجتمع المدني،  في مداخلته حول “قانون العدالة الانتقالية ومعضلة الإصلاح”، إلى الصعوبات التي رافقت صدور قانون العدالة الانتقالية منذ البداية، والتي ألقت بظلالها فيما بعد على المسار الانتقالي برمته، مؤكدا على أن قانون العدالة الانتقالية، “كان يفترض أن يشكل الدستور الحقيقي للمجتمع التونسي، لما تضمنه من قيم إنسانية مشتركة، تبني للمصالحة وللمستقبل”، غير أن تردد الدولة في انخراطها المبدئي في مسار العدالة الانتقالية، والتسليم بمبادئها،  والدفاع عنها “كأولوية وطنية جامعة ومشتركة، أفضى إلى تعطيل إصلاح المؤسسات،  وإبقائها على ما هي عليه، من فساد وبيروقراطية واختلالات هيكلية”.

وعرج  الأستاذ في هذا الصدد، على خطورة المصادقة على قانون المصالحة الإدارية، الذي اقترحه الراحل الباجي قايد السبسي، وانعكاساته الخطيرة على إصلاح المؤسسات.

من جهته، أكد الأستاذ مراد الرويسي، على أهمية  حفظ الذاكرة، في عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ودورها في تحقيق المصالحة والسلم الاجتماعي.

واعتبر الرويسي، الناشط في المجتمع المدني، في مداخلته التي حملت عنوان “حفظ الذاكرة ضمانا لعدم التكرار”، أن حفظ الذاكرة، ينبغي أن يشكل بدوره جزءا من اعتراف الدولة بجرائمها، وجزءا من تحقيق المحاسبة والمصالحة.

العدالة والتناقضات.. والإرادة السياسية
وشدد حسين بوشيبة، رئيس الشبكة الدولية للعدالة الانتقالية، في مداخلته حول “العدالة الانتقالية واللحظة الراهنة”، على ضرورة “أن تعتذر الدولة على ما اقترفته من جرائم في حق مواطنيها، داعيا السلطات العليا إلى إصدار القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها، واستكمال مسار تنفيذ صندوق الكرامة، ورد الاعتبار، وتخصيص يوم وطني سنوي، تخليدا لذكرى الشهداء، وضحايا الثورة والاستبداد”، حسب قوله.

فيما أكد أيمن البوغانمي، أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان، أن العدالة الانتقالية “تقوم على تناقضات بنيوية عديدة، يصعب التوفيق بينهما، وهي العدالة الاستثنائية والعدالة العادية، بالإضافة إلى سردية الضحايا، وسردية المنظومة القديمة والعدالة الانتقالية، والانتقال الديمقراطي”.

وأكد البوغانمي، في مداخلته التي تناولت “أهداف العدالة الانتقالية بين الإرادة السياسية والثقافة المجتمعية”، على أنّ هذه التناقضات البنيوية، مكنت المنظومة القديمة من أن تعمل على إفشال مسار الانتقال الديمقراطي، وأن تسوي بين الضحية والجلاد، عبر إحياء أخطاء الماضي وتضخيمها، طبقا لنظرية الشيطانين، لتصبح أخطاء الضحية في  نفس مستوى جرائم الجلاد، ويستوي بذلك الطرفان، فتنقلب الأدوار ضمن موازين قوى مختلة، تخدم مصلحة الجلاد وليس مصلحة الضحية.

وخلص المحاضر، إلى أن تناقض  العدالة الانتقالية مع الانتقال الديمقراطي، عادة ما يؤدي إلى التضحية بالأولى من أجل نجاح الثانية، مشددا على أن “غياب الإرادة السياسية، لا ينبغي أن يفسر كسبب وإنما كنتيجة”.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى