مقالات رأي

انتصارات وهمية…


بقلم  / خالد شوكات

كان متوقّعاً أن لا تحظى حكومة سي الحبيب الجملي المقترحة بثقة البرلمان لعدّة عوامل واعتبارات، أشرنا إلى بعضها استشرافاً في نصوص سابقة، ولا رغبة لي في إثارتها مجدّداً، لكن ما أحبُّ التنبيه إليه وأنا أتابع ردود الأفعال حول ما آلت إليه نتيجة الجلسة النيابية البارحة، هو هذا الإصرار الذي يبديه البعض في خوض “معارك الوهم” وتحقيق “الانتصارات الوهمية”، ثم “الانتشاء” حد الثمالة، والانخراط في “حفلات ردح جماعي” لا يمكن أن تفضي إلا إلى تعميق أزماتنا، ودفعنا إلى مزيد من المعارك الوهمية التي ليست هي حتما المعارك التي تحتاج بلادنا أن نخوضها.

ها أن البرلمان لم يمنح الثقة لحكومة شكَّلها بعض التونسيين في نهاية الأمر، ولا شك أن بعض التونسيين خاض هذه المعركة باعتبارها خطوة ستقود إلى خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح، لكن البعض الآخر خاض هذه المعركة، باعتبارها آلية للمكايدة والانتقام، أو باعتبارها آلية للتشبّث بالسلطة وعدم الرغبة في تسليمها، وفيّ نهاية الأمر، سنكتشف أنه ما لم يكن الاختيار اللاحق صحيحا والشخص الذي سيجري الاختيار عليه قادرًا، سيكون الأمر الذي تخيّله بعضنا “انتصارا” في واقع الأمر “فشلا ذريعاً” ينذر بعواقب وخيمة.
وشخصيا لم أنظر يوما قبل الثورة أو بعدها، إلى معاركنا الداخلية باعتبارها “معارك حق ضد باطل”، ولا “معارك ملائكة ضد شياطين”، مثلما يودّ البعض تصويره لنا دائما، جرّاء اعتقاد بعضنا أنه “يمتلك الحقيقة”، أي حقيقة كانت، علمانية كانت أو دينية، يمينية كانت أو يسارية، وما لم نتمسك بعقلية “نسبية”، فلن يكون بمقدورنا تقدير معاركنا تقديرا صحيحا وإيجابيا، وسنسقط دائما في واقع الردح انتشاء وفرحا، أو اللطم حزنا ومصاباً، وهو سلوك هجين عندما يتصل الأمر باختلاف التونسيين فيما بينهم حول مسألة داخلية وطنية صرفة.
تتيح لنا الديمقراطية حق النقد، وحق عدم منح الحكومات الثقة، كما تتيح لبرلماننا فرصة تعزيز قدرته على إسقاط الحكومات القائمة أو التجديد لها، لكن الديمقراطية لا يجب أن تقودنا إلى هذه “المازوشية” السياسية، التي تجعلنا نتلذذ بتعذيب أنفسنا، وجلد ذواتنا على هذا النحو الذي يجعل خيرة “كفاءاتنا”، يتردد ألف مرة، إذا ما عرضت عليه المسؤولية في قبولها، فإن واصلنا المسير في هذا النهج، قد لا نجد إلا النطيحة والرديئة وما أكل السبع، ليس على الصعيد الوطني فحسب، بل على كافة الأصعدة، لتفسح بذلك المجال لأهل “الغنيمة والقبيلة”، ومن حيث يفترض بالديمقراطية أن تكون وسيلة في أيدينا لصناعة التنمية المستدامة، نجدها قد أضحت وسيلة للتمكين لمحددات عقلنا السياسي الفاسدة.
لم أكن متحمّساً للسيد الجملي وجل أعضاء فريقه، لكنني معترض تماما على تصوير ما جرى انتصارا للعائلة الوسطية والديمقراطية، وعندي شكوك حقيقية في قدرة الرئيس سعيّد على الاختيار الصائب والإدارة الموفقة للأسابيع القادمة، فاختياراته إلى حد الآن لم تكن مقنعة، وخرجاته لم تكن موفقة، مع تمنياتي الدائمة بأن أكون مخطئاً، وأن يكون بديل الجملي أجمل.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى