أهم الأحداثبكل هدوء

الساعات الحاسمة التي أدّت إلى إنقاذ الجزائر من السيناريو الفرنسي “المرعب”

بقلم / صالح عطية
“لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102” من الدستور..
تلك كانت جملة مهمة من كلمة قائد الأركان الجزائري، أحمد قايد صالح، التي سبقت إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، استقالته بشكل رسمي.
كان بوتفليقة أعلن الاثنين، إنه سيستقيل من منصبه يوم 28 أفريل الجاري، أي عند استكمال ولايته الرئاسية، غير أنّ تطورات هامة، عجّلت باستقالة بوتفليقة، بل أجبرته على ذلك، عبر “ضغط حاسم” من الجيش، وبالتحديد من قائد الأركان، القايد صالح..
معطيات كثيرة، وتطورات هامة، سرّعت بهذه الاستقالة، وفرضت اتجاه الجزائر نحو خيار، لم يدر حتى في خلد قائد الأركان ذاته، بحيث كانت الساعات الأخيرة قبل الإعلان عن استقالة بوتفليقة، هي الحاسمة والقاطعة، التي حددت بوصلة المؤسسة العسكرية، أو قائد أركانها على الأقل.
فقد كان القايد صالح، يحرص على عدّة مسائل أساسية، أهمها:
1ــ مواجهة الحراك الشعبي من دون “أخطاء”، من نوع استخدام الرصاص الحيّ، مثلما وقع في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، حيث كان قتل المتظاهرين، الشرارة التي سرعت بسقوط أنظمة تلك البلدان، أو نجاح شعوب تلك البلدان، في تدشين مرحلة جديدة في تاريخها (بصرف النظر عن مآلات الثورات).
2 ــ كان الرجل يواجه سهاما كثيرة في نفس الوقت..
فالشارع الجزائري، يطالبه بالاستقالة والتنحي، باعتباره ــ في رأيهم ــ جزء من النظام وتاريخه اللاشعبي الفاسد، وثمة قيادات عسكرية تتربص به داخل المؤسسة، ومن خارجها، خصوصا الجنرال مدين (توفيق)، الملقب بــ “صانع الرؤساء”، والذي أطاح به قايد صالح وأبعده عن قيادة المخابرات التي قادها لنحو 25 عاما، وذلك خلال سنة 2015، خلال الفترة الأولى التي تسلم فيها بوتفليقة الحكم في الجزائر..
إلى جانب مناورة سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، الذي تمركز في القصر الرئاسي، مستخدما “أوراق” الرئيس الجزائري، بما في ذلك، ختم الرئاسة، للإطاحة بقائد الأركان، القايد صالح، واستعادة الجنرال مدين، الذي أسس على مدى سنوات طويلة، “شبكة من الأتباع”، في شكل “أوليغارشية” جديدة، والالتفاف على الحراك الشعبي، عبر ما بات يعرف بــ “سيناريو اليامين زروال”، لقيادة المرحلة الانتقالية.
3 ــ معالجة التجاهل الذي يمارسه المجلس الدستوري، برئاسة الطيب بلعيز، أحد المقربين والمخلصين للرئيس بوتفليقة، بعد دعوة قائد الأركان، إلى تفعيل المادة 102، وإعلان عجز الرئيس، للمرور إلى الخطوة التي تخفّت ــ في نظره ــ هدير الاحتجاجات، من ناحية، والدخول في “السيناريو الدستوري”، لتجنيب البلاد، مخاطر الفوضى، أو الإنفلات، من ناحية أخرى.
غير أنّ صمت رئيس المجلس الدستوري، بما يعني رفضه المبطّن لذلك، زاد في صعوبة مهمة “القايد”، وضيّق الأفق أمام القيادة العسكرية.
4 ــ في ساعات قليلة ومحدودة، وتحديدا بين ليلة الاثنين وظهر الثلاثاء، واجه قائد الأركان، الذي كان اسمه يتداول ضمن شعارات المحتجين، كرجل مستهدف بالتنحي عن الجيش، واجه حرب شائعات شديدة، إذ صدر بشأنه “بيان رئاسي”، تبيّن لاحقا، أنّه مزوّر، ينص على إقالته من مهمته على رأس قيادة الأركان، في “مقلب”، سبق السيناريو الأكثر خطورة الذي كان يتربص بالجزائر.
وسط هذه الأجواء التي كان يتحرك فيها القايد صالح، كانت “ماكينة مخابراتية”، تهيئ السيناريو المرعب للجزائر..
سيناريو الدولة العميقة “الفرنسية”
فقد انعقد ما أصبح يعرف بــ “الاجتماع السري”، الذي جمع سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، وقائد المخابرات السابق، الفريق محمد مدين الذي يعرف باسم “توفيق”، ومدير المخابرات العسكرية، اللواء بشير طرطاق، وحضرته عناصر من المخابرات الفرنسية..
وانتهى هذا الاجتماع، الذي جرى في مدينة زيرالدا، إلى إقرار 4 خطوات أساسية هي:
ـــ حلّ البرلمان الجزائري.
ـــ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ـــ وبالنتيجة، إحداث فراغ قانوني ودستوري.
ـــ نشر الفوضى في البلاد، على شاكلة ما حصل في تونس، لحظة هروب الرئيس بن علي، أو قتل العقيد معمر القذافي، أو تنحية حسني مبارك في مصر، حيث يتم وضع البلاد على خطّ سيناريو “الأرض المحروقة”، التي تتيح لقوى أجنبية، في مقدمتها فرنسا، التحكم بمصير الشأن الجزائري، وتلعب ــ من ثمّ ــ ورقة الوضع في ليبيا وتونس لاحقا، أو على الأقلّ، تتجاوز أخطاءها التقديرية والسياسية التي وقعت فيها عندما تعلق الأمر بالثورة في تونس أو في ليبيا.
كان هذا السيناريو، يطبخ على نار هادئة، ولم تدرك المؤسسة العسكرية، تفاصيله إلا عندما أقحم، الرئيس الأسبق، اليامين زروال، الذي اقترحت عليه “رئاسة هيئة تسيير المرحلة الانتقالية”، من قبل شقيق الرئيس الجزائري، بما يعني، الموافقة على تنحية الرئيس بوتفليقة، والإطاحة بقائد الأركان، القايد بن صالح، وفتح البلاد على المجهول والفوضى، وهو ما أدركه زروال شديد الإدراك، متيقنا خطورته، الكبيرة على مستقبل البلاد، لذلك رفض المقترح..
وتتحدث بعض الأنباء، عن أنّ اليامين زروال، هو من أبلغ الجيش الجزائري بهذا السيناريو المقترح، الأمر الذي جعل القايد صالح ينتقل إلى السرعة القصوى في التعامل مع ملف الانتقال السياسي في الجزائر، عبر إحاطة الرئيس الجزائري بمجريات الأمور، واضعا إياه أمام خيارين، أحلاهما مرّ: إمّا الاستقالة لإنقاذ البلاد، أو شرعنة الفوضى، برعاية فرنسية غربية، مع ما يعني ذلك من دخول الجزائر، زمن المجهول الذي قد يرافق مستقبلها لعقود طويلة.
ولأنّ معادلة الحكم في الجزائر، تتشكل من ثلاثة مراكز قوى رئيسية، هي: الرئاسة وقيادة الأركان والمخابرات، ولأنّ تحالف اثنين من هذا الثالوث، يعني الإطاحة بالثالث، فقد اختار بوتفليقة التنحي، لتمكين القايد صالح من الذهاب باتجاه الخطوات الدستورية، و”إنقاذ ما يمكن إنقاذه”، كما يقال.
ولعلّ هذا ما تفسره الكلمات الواضحة، التي نطق بها رئيس الأركان، عندما قال بلهجة غاضبة: “لا يمكنني السكوت عما يحاك ضد هذا الشعب، من مؤامرات ودسائس دنيئة، من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع”، في إشارة إلى شقيق الرئيس بوتفليقة، والجنرال “توفيق”، أساسا.
لا بل إنّه اتهم “السعيد” بشكل واضح دون أن يسميه، قائلا: إنّه “بصدد الالتفاف على مطالب (الشعب) المشروعة، من خلال اعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد، والدفع بها نحو الوقوع في الفراغ الدستوري”، حسب تعبيره.
الساعات الحاسمة
في أقل من 10 ساعات حينئذ، واجه قائد الأركان مصائر متعددة، كانت بلاده ستتجه نحو أحدها، مثخنة بجراح الماضي الأليم، ومثقلة بأعباء الحراك الشعبي واستحقاقاته.
أحد هذه المصائر، سيناريو التسعينات، ممثلا في تلك العشرية الدموية التي عرفتها الجزائر، وثانيها سيناريو “الربيع العربي”، الذي نجحت الجزائر في تجنّبه قبل 8 سنوات، لكنّ أشرس تلك المواجهات، “الاجتماع السري”، بكل تأكيد، وما تمخض عنه من “قرارات”، كانت ستقحم الجزائر في سنوات، إن لم تكن عقودا مظلمة من التناحر والفوضى، وضياع بلد بحاله، ربما، مع ما يعني ذلك من تداعيات على المحيط الإقليمي، تونس وليبيا بالتحديد.
وهكذا عاد قائد الأركان، إلى الخيار الذي كان يفكر فيه منذ البداية، وهو “تفعيل المادة 102 من الدستور، المتعلقة بشغور منصب الرئاسة بسبب العجز أو الاستقالة أو الوفاة”، لكنّه عززها بمادتين، هما 7 و8، اللتين تنصّان على أن السيادة للشعب، بعدما رفض المجلس الدستوري الاجتماع لإثبات عجز الرئيس، واصفا تلكؤ رئيس المجلس الدستوري، دون أن يسميه، بــ “المماطلة والتعنت والتحايل لإطالة عمر الأزمة وتعقيدها”، وفق تقديره.
ليس معنى هذا أنّنا نشير هنا إلى عبقرية رئيس الأركان، إنّما نحن بصدد توصيف ما حصل، لندرك طبيعة التقلبات والتحولات التي يمكن أن تطرأ على الجزائر خلال المرحلة المقبلة..
تحولات لن تكون يسيرة، لأنّ المعطيات الاقتصادية والسياسية والجغرا سياسية للجزائر، مختلفة عن ظرفية الربيع العربي، والحراك الشعبي الجزائري، حراك ما يزال في بدايته، وسوف يزداد قوة، خصوصا بعد أن نجح في تحقيق مطلبه الأساس، وهو تنحية بوتفليقة عن الرئاسة، ومنع ما يسميها “الهردة الخامسة”، في إشارة إلى ولاية رئاسية خامسة، كان سيترشح إليها.
ولا شكّ، أنّ المرحلة الراهنة في الجزائر، ستشهد معركة ما يعرف بــ “الشرعية الدستورية”، التي يطالب بها، ويدفع باتجاهها قائد الأركان، القايد صالح، أي “تولّي رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، رئاسة البلاد لفترة انتقالية، يتم خلالها تنظيم انتخابات رئاسية، تحت إشراف حكومة نور الدين بدوي” (المادة 102 والبندين 7 و8 من الدستور).
وهو ما يرفضه المحتجون الجزائريون بقوة، وربما لن ترضى به، الطبقة السياسية المعارضة.
فيما يطرح الرأي العام الجزائري، ما يسميها ضمنيا، بــ “الشرعية الشعبية”، أي الرضوخ لمطالبه، والذهاب لانتخابات مفتوحة دون شروط، لانتخاب قيادة جديدة حاكمة للبلاد، وتغيير وجوه النظام القديم.
وتقترح قوى المعارضة، التي كانت لاعبا فاعلا في الحراك الجزائري، دون أن تكون محددة لمآلاته، “الشرعية الانتقالية”، التي تستند إلى البندين، 7 و8 اللتين تمنحان السيادة للشعب، من خلال تشكيل هيئة رئاسية، وحكومة لا تضم وجوه النظام الحالي، لإدارة المرحلة الانتقالية، وذلك قبل تنظيم انتخابات، لاختيار رئيس جديد، وهو سيناريو يهدف إلى تفادي إعادة إنتاج النظام القديم نفسه عبر الانتخابات.
فإلى أي مدى ستحتكم الجزائر إلى أحد هذه السيناريوهات ؟
كيف سيكون ردّ فعل الحراك الشعبي، الذي لديه مطالبه، وهو لا ينوي التنازل عنها، أو الدخول في مساومات بشأنها، خصوصا وهو يدرك أنّ هذه فرصته التاريخية التي إذا ما فرط فيها، فقد لا تعاد له ثانية ؟
وكيف ستكون ردود الفعل الأجنبية مما يحدث حاليا ؟
والسؤال الأهم، كيف ستدير المؤسسة العسكرية المرحلة الانتقالية: بأي رئيس، وأيّ دستور، وفي إطار أي أفق سياسي ؟
أسئلة سنعود للإجابة عليها لاحقا..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى