واشنطن تحرص على “إزالة الألغام” مع “سورية الجديدة”.. بحسابات ما قبل ترامب

واشنطن ــ الرأي الجديد
وصل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى الشرق الأوسط اليوم، في مهمة، يحتل الوضع الجديد في سورية بندها الرئيسي.
موقف إدارة الرئيس جو بايدن كما تبلور في الأيام الأخيرة ولو بتحفظ، يشي بأنها معنية ليس فقط بدعم عملية انتقال السلطة إلى تحالف المعارضة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، بل أيضاً بتوسيع دائرة هذا الدعم بحيث يشمل العواصم الشريكة والحليفة في المنطقة. فهي تدرك بأن الوقت المتبقي لها في البيت الأبيض، بالكاد يسمح لها بتمهيد الطريق في هذا الاتجاه، مع الطموح بتوفر الشروط اللازمة لإعادة فتح السفارة الأميركية في دمشق، إذا ما سارت الأمور وفق المرسوم والمرغوب.
ولعل تلميحات المسؤولين كانت لافتة في هذا الاتجاه.
وتدرك الإدارة الأمريكية، بأن الأيام الأولى من العملية محفوفة بمخاطر الفوضى والتجاذبات والتدخلات المحتملة، التي يحذر العارفون من وقوعها في لحظات “هشة” من هذا النوع. لذلك سارعت الإدارة الأميركية بإرسال دبلوماسيتها إلى المنطقة في مهمة عاجلة، علها تحقق “ضربة موفقة” ومن العيار الثقيل، قبيل إنهاء ولاية الرئيس بايدن.
موقف أمريكي بالتقسيط
ويبدو أنّ ما سرّع في التحرك، أن إسرائيل تمادت في العدوان الاستفزازي على المواقع العسكرية السورية من دون أي مسوّغ، وبما أثار الخشية من ردات فعل قد تؤثر بعملية الانتقال، بصورة أو بأخرى.
حرصت الإدارة على بلورة موقفها بالتقسيط، حيث تدرجت من وضع علامات استفهام حول هوية وتوجهات “هيئة تحرير الشام”، وترافق ذلك مع صورة التطرف التي عممها الخطاب الإعلامي والسياسي عن “الهيئة”، على خلفية أنّ لها جذوراً في “جبهة النصرة”.
ثم تطور التوصيف لتعلن الإدارة “اعترافها بالقيادة الجديدة في سورية، إذا ما أقدمت على بعض الخطوات، كأن تكون تشكيلتها جامعة وتراعي حقوق الأقليات، فضلاً عن تعهدها بتدمير بقايا الأسلحة الكيميائية بصورة آمنة وسليمة”.
والمعلوم أن الاعتراف يحصل عادة بالدول وليس بالحكومات. لكن الإدارة تنوي الاعتراف أيضاً بسلطة “الهيئة”، بل منحها ثقة مشروطة بالتجربة، ومبنية على قاعدة “الحكم على الفعل وليس على الكلام فقط”، كما ردّدت وزارة الخارجية أكثر من مرّة.
والأرجح أن الإدارة تعوّل في اطمئنانها ــ رغم نسبيته ــ على الشريك التركي الذي يقول المراقبون إنه الطرف الإقليمي “الأقوى نفوذاً ” في المخاض الذي تعيشه سورية في الوقت الراهن.
لكن التطمين في ظروف انتقالية مشحونة باحتقانات متراكمة على مدى نصف قرن، غير مضمون في أحسن أحواله. فهناك مخاوف كثيرة من خطر تدحرج الوضع “الهش في سورية الجديدة”، نحو دوامة الصراعات على الحصص والتحديات الهائلة التي ستواجه الوضع الانتقالي، بدءاً من قضايا الأمن والمصالحة والمساعدات الإنسانية، وانتهاء بمسألة النازحين وتأمين عودتهم، ناهيك عن احتمالات التدخل الخارجي وخطر التفكك. ولذا لا يستبعد بعض المتخوفين من أن تكون سرعة انهيار نظام الأسد، قد انطوت على كمين لتوريط واشنطن في أزمة، يمكن أن تنقلب إلى صورة مصغرة لورطتها العراقية.
محاذير الفترة الانتقالية
ومن هنا مسارعة الإدارة إلى التحرك على خطين بالتوازي: التواصل مع السلطة الانتقالية، سواء مباشرة “إذ لا يمنع القانون الأميركي مثل هذا الاتصال” (وزارة الخارجية) أو بصورة غير مباشرة للإسراع في إطلاق الصيغة الانتقالية.
وثانياً، الاستعانة بالمنطقة للقيام بدور مساعد في هذا المجال، وبما يمكّن من إزالة الألغام من طريقها.
لكن هناك إدارة جديدة قادمة غير مضمون قبولها أي التزامات تقررها إدارة بايدن في سورية. الرئيس المنتخب دونالد ترامب قال قبل أيام، ما يفيد بأنه غير معني بسورية، وأن ما يجري على ساحتها لا يعني الولايات المتحدة.
ويذكر أنه سبق واتخذ قراراً خلال رئاسته الأولى بانسحاب القوات الأميركية من شرق سورية، ثم وافق بعد تدخل البنتاغون على ترك حوالي 900 جندي ما زالوا يرابطون هناك حتى اليوم. ولا يستبعد أن يقوم بسحب هذه القوة في الأشهر الأولى من رئاسته.
مع هذا تبقى الفرصة متاحة للرئيس بايدن أن يؤسس على الأقل لعودة العلاقات مع سورية، لو توفرت الظروف المواتية لعملية انتقال سلسة في مرحلة ما بعد الأسد.