أهم الأحداثٱقتصاد وطنياقتصادياتمؤسسات وبنوك

تقرير “بلومبيرغ” يؤكد: البرلمان يسعى لتقويض استقلالية البنك المركزي.. من أجل عودته إلى حجر السلطة

تونس ــ الرأي الجديد

طفا الجدل من جديد في تونس بشأن جدوى استقلالية البنك المركزي عن السلطة وذلك بعد أن كشف أحد نواب البرلمان عزمهم تقديم مقترح يحد من هامش تحرك المؤسسة المالية بعيدا عن القرار السياسي.

وقالت وكالة “بلومبيرغ”، أنّ السلطة القائمة في تونس تخطط للحد من استقلالية بنكها المركزي، في إطار الإصلاحات التي اقترحتها حكومة الرئيس قيس سعيد، ما يهدد بمزيد من التعقيدات في الطريق نحو تأمين خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

وأضافت “بلومبيرغ”، إنّ التغييرات المقترحة – التي يُتوقع أن تراجعها هيئة موالية بشكل كبير للرئيس سعيد (البرلمان) – ستضع البنك المركزي التونسي ضمن قائمة المؤسسات التي تتعرض للتهديد منذ أن تولى سعيد البالغ من العمر 65 عاما، سلطات واسعة في 2021، بما في ذلك القضاء ولجنة الانتخابات.

البنك تحت عين السلطة
وكان النائب في البرلمان، رياض جعيدان، صرّح بأنّ إحدى الأفكار الرئيسية وراء هذه الخطة، معالجة فشل البنك المركزي في إدارة العلاقات مع البنوك المحلية، منذ أن اكتسب استقلالية أكبر في 2016.

وأضاف جعيدان، وهو مساعد رئيس مجلس النواب المكلف بالإشراف على الإصلاحات الكبرى: “نحن لسنا ضد وجود بنك مركزي قوي، يلعب دورا في الاقتصاد الوطني والمالية العامة، لكن يجب أن تكون هناك حدود”.

وتابع النائب بالبرلمان: “الخطوة تأتي في إطار مرحلة جديدة من التصدي لكل ما ساهم في تعطيل الدولة التونسية”، مشيرا إلى أنّ البلاد في حاجة إلى حلول “وطنية ومحلية” لمشاكلها.

ووفق وكالة “بلومبيرغ”، فإنّ الرئيس قيس سعيد ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، كانا على خلاف بشأن ضرورة خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، مشيرة إلى أنّ  وكالة الأنباء الحكومية وجهت اللوم إلى البنك المركزي لدعمه خطة الإنقاذ التي لم يراجعها بعد للموافقة عليها من قبل مجلس مديري صندوق النقد.

الاتفاق مع صندوق النقد على المحك
وتقول بلومبيرغ في تقريرها، إنّ خطوة دعم استقلالية البنك المركزي عام 2016 ساعدت على حصول تونس على مساعدات سابقة من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.9 مليار دولار.

وفي مقابلة مع بلومبيرغ الثلاثاء، قال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد، إن تونس حريصة في هذه المرحلة على التوصل في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق نهائي بشأن خطة الإنقاذ الجديدة البالغة 1.9 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي.

وأضاف الوزير – على هامش الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الإفريقي بشرم الشيخ في مصر – أن مخاوف الأسواق بشأن تعثر محتمل عن السداد غير مبررة، مؤكدا أنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بالنسبة إلى دول مستوردة للسلع الأساسية لا تحصل على دعم دولي من دول ومُقرضين لم يحدّدهم.

وفي ظل مؤشرات عن تحمس الرئيس قيس سعيد، للموافقة على الخطوات اللازمة للتوصل إلى اتفاق على حزمة إنقاذ، “ما تزال تونس في دائرة المخاطر المالية”.

إصلاحات مقترحة
ويرفض قيس سعيّد إصلاحات دعت إليها المؤسسة الدولية المانحة، تشمل خفض دعم سلع غذائية والطاقة وإعادة هيكلة الشركات العامة، وخفض فاتورة الأجور العامة.

ويقول خبراء اقتصاد إنّ الرئيس سعيّد يحافظ على خطابه الشعبوي المدافع عن الفئات الهشة لكسب مزيد من الموالين، مشيرين إلى أنّ هذا التمشي قد يقود البلاد إلى الانهيار في ظل العطب الاقتصادي الذي ضرب “ميكانيزمات” الإنتاج في تونس.

ووفق بلومبيرغ، ستكون الاحتياطيات الأجنبية السيادية لتونس أمام اختبار صعب كما هو متوقع في الفترة المقبلة، إذ تُستحق في أوت المقبل سندات بقيمة 22.4 مليار ين (162 مليون دولار)، فيما تُستحق في أكتوبر أيضا ديون بقيمة 500 مليون يورو (534 مليون دولار).

ورغم استعانة الحكومة بالبنوك المحلية للحصول على قرض بالعملات الأجنبية، فإنّ ضعف الإنتاج وتراجع رافعات النمو قد يعمقان معدلات التضخم في تونس سيما أنّه إلى الآن لم تضع الحكومة منوالا تنمويا قادرا على تحقيق توازنات مالية.

ويعيش التونسيون على وقع أزمة شديدة التعقيد قوامها نقص المعروض من المواد التموينية خاصة المدعمة، في وقت استمر فيه الرئيس في إلقاء اللوم على لوبيات الاحتكار والمضاربة.

وتقول المعارضة إنّ الأزمة الاقتصادية تكمن في الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد منذ صعود سعيد إلى الحكم، بينما يؤكد اقتصاديون أنها وليدة اختلال التوازنات المالية وضعف احتياطي النقد الأجنبي وهو عائق أمام توريد المواد الأساسية.

استقلال البنك المركزي
في 13 أفريل 2016، أقر البرلمان التونسي، قانونا يفعل استقلالية البنك المركزي، ولا يسمح للحكومة بإصدار أي تعليمات للمؤسسة المالية، لكن في مقابل ذلك، يحق لرئيس الوزراء تشكيل لجنة للتدقيق في حال وجود شبهات فساد.

وللبنك المركزي أيضا السلطة المطلقة في ضبط السياسة النقدية، وسياسة الصرف والتحكم في الاحتياطي، والتصرف في الذهب.

وينص القانون أيضا على تأسيس هيئة للرقابة والتصرف في الأزمات، تتولى إصدار التوصيات وحماية الاقتصاد الوطني من الآثار المحتملة، التي قد تترتب عن أي اضطرابات في الاقتصاد العالمي.

وفي إفادة سابقة أمام البرلمان المنحل (5 نوفمبر 2020)، قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي، إن المشكل لا يكمن في استقلالية البنك كما يتم ترويجه، مذكرًا أن البنك لا يموّل الحكومة منذ 2006.

ودعا محافظ البنك المركزي، إلى ضرورة البحث عما وصفها بحلول معقولة وواقعية،  وتحمّل جميع الجهات مسؤولياتها، مشددا على أهمية الاستقرار الحكومي لتنفيذ السياسات الاقتصادية والمالية.

وقال إن البنك مهمته المحافظة على التضخم وضمان الاستقرار المالي وهو ما تم تحقيقه، مؤكدا أنه في حال تمويل الحكومة، يجب التفكير في آثاره في المستقبل، خاصة في مستوى التضخم وانخفاض قيمة الدينار.

سياسات الحكومة هي المشكل
ويرى خبراء الاقتصاد، أن الإشكال لا يكمن في استقلالية البنك المركزي التونسي من عدمها، بل في سياسات الحكومة التي لم تتحكم في المصاريف، ولم تقم بالإصلاحات اللازمة، ولم تركز منوالا اقتصاديا جديدا يتماشى مع التطورات والتحديات.

ويرى مراقبون، أن إثارة موضوع البنك المركزي في الوقت الراهن، يأتي في سياق محاولة الرئيس قيس سعيد وضع يديه على مؤسسات الدولة التي بدأت مع القضاء والبرلمان.

وفي الإطار ذاته، يؤكد المتابعون للشأن الاقتصادي والسياسي في تونس، أن عودة البنك المركزي إلى حجر السلطة، هدفها الأول إيجاد متكإ للحكومة (ذراع) لهندسة مخططات ذات طابع انتخابي أي (الاستمرار في الحكم)، عن طريق وقف رفع أسعار الفائدة والتلاعب بأرقام التضخم وباقي المؤشرات التنموية.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى