أهم الأحداثمقالات رأي

السياسي والمبدئي في قرار حماس بالعودة الى سوريا… أو في المفاضلة بين الطغاة والغزاة (الحلقة الأولى)

امحمد الهلالي*


خلف قرار حركة المقاومة الاسلامية حماس القاضي بالعودة الى دمشق، صدمة كبيرة في صفوف الاسلاميين والثوار على حد سواء، بالنظر لما لهذا القرار من انعكاسات على صورة ومصداقية المقاومة اولا وما احدثه من خدش في شرعيتها وفي صورتها بحسبانها ملكية خالصة للامة وليس اداة طيعية مع او ضد الانظمة ثاتيا، ثم لما لهذا القرار من تداعيات جيوستراتيجية وقيمية وسياسية ثالثا.

لقد سبق لنا ان انتقدنا التعاطي الحدي مع حماس من زاوية التاثيم الديني والتجريم الشرعي واستخدام الفتوى في مقام التقدير السياسي باعتبار ذلك يضيق واسعا وينزل نصوصا شرعية في غير مناطاتها، مع الاقرار للعلماء بحقهم في القيام بدورهم المرجعي في الحياة العامة نصحا وتوجيها وتذكيرا بالمبادئ والكليات وتحذيرا من سوء عواقب التعاون مع الظالمين وخذلان المسلمين والاخلال بعقد الاخوة وواجب المناصرة بين المسلمين.

لكن راينا النقدي اتجاه هذه المسلكية لم يكن سوى اعتراض منهجي ودفاعا عن حق حماس في تقدير ما يناسبها وما يخدم مصلحة قضيتها الاساسية ودعوة الى المناقشة والمراجعة للقضايا الاجتهادية اعتمادا على فقه المصلحة والمفسدة لا بمطق التحريم والتجريم وليس دفاعا عن مضمون القرار ولا اتفاقا مع منطقه التبريري الذي تم الاعلان عنه في بيان حركة حماس يوم 15 ستنبر 2022 .

من هذا المنطلق فان حركة المقاومة قد لا يكون امامها متسع للاختيار سوى من اجل دفع أسوء الشرين واعظم المفسدتين، لكن ليس الى حد الاصطفاف مع اسوأ ما في الثورة المضادة، ومع اكثر الجهات انتهاكا لحق الشعوب في الحرية والكرامة والتحرر من الفساد والطغيان، ومع الاطراف التي حولت ربيع الشعوب الى خريف دموي عندما عمدت الى عسكرة الحراك الشعبي والزج بالملشيات من بقايا الانظمة البائدة وفلولها للقتل على الهوية والابادة الجماعية وتطييف المجتمعات الثائرة واستنجدت بالاستعمار الاجنبي الروسي والايراني وقصفت الشعوب الامنة بالبرامل المتفجرة، واستهداف براءة الطفولة بالسلاح الكيماوي امام كامرات العالم وتحويل اجمل تراث معماري عالمي في دمشق وحلب الى اطلال وخراب.

لكل هذه الاعتبارات فقرار حماس يمثل بحق سقطة اخلاقية وسياسية غير مسبوقة في تاريخها وتاريخ حركات المقاومة وحركات التحرير الشعبية .

وهذه السقطة الحمساوية لا تقل عن سقطة حركة فتح عندما شطبت الحق في المقاومة من ميثاق منظمة التحرير الفلسطيني بنفس المنطق التبريري مع فارق في الدرجة وليس في النوعية، مع ان حركة فتح لم تقدم على خطوتها الا بعد ان تسلمت “سلطة” على “اراض فلسطينية” وبعد ان تلقت وعدا بحل نهائي يتضمن اقامة “دولة”، وهو وعد تم “بضمانات” دولية تضمنها القوى الكبرى، وليس من كيان ارهابي.

والسؤال بالنسبة لحماس هو ما هو ثمن هذه الخطوة التي ساهمت في فك العزلة على نظام  قاتل تم منحه قبلة الحياة من قبل حركة مقاومة ؟ وما هي طبيعة الوعود التي تلقتها من محور الثورة المضادة الذي يوجد في وضع مترنح؟ وما هي الجهات الضامنة لعدم تحول هذه العودة الى مصيدة والى فخ لاستدراج رجالات المقاومة من القيادات السياسية والميدانية بغرض الانتقام من خروجهم سنة 2012 وبعد تركهم نظام بشار لمصيره في لحظات حرجة بالنسبة الى وجوده واستمراره ؟.

وهل حسبت حماس الاضرار التي ستلحقها هذه العودة بالشعب السوري وبضحاياه وشهدائه؟ وهل  وازنت بين المصلحة التي يمكن ان تجنيها من نظام فاقد للشرعية ومن محور فاقد للمصداقية وبين المصلحة التي ستفوتها بتصادمها مع الامة ومع الشعوب التي تشكل حاضناها الاساسية؟

* ناشط سياسي ومفكر مغربي

ــ يتبع ــ

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى