أهم الأحداثبكل هدوء

توافق.. جبهة ديمقراطية محافظة قادرة على الحكم؟

 

بقلم / د.خالد شوكات

 

كنّا نأمل من خلال تجربة “التوافق” التي قمنا بالتنظير لها منذ ما قبل انتخابات 2014، والانخراط العملي في تجسيدها، عبر أوّل حكومة للجمهورية الثانية، في كسر هذه الثنائية اللعينة “إسلامي/علماني”، التي لا يحتملها النظام الديمقراطي، باعتباره لا يطيق “الايديولوجيا” بطبيعته، والتي تشكّل أبرز معوّقات التحوّل إلى التنمية، كأولوية وطنية وديمقراطية..

فبقاء الصراع بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية المتوارية خلف شعار “الحداثية”، لن يساعد على تحقيق الاستقرار السياسي المطلوب، لتنفيذ المخطط التنموي وتوجيه الاقتصاد الوطني، في اتجاه الخروج من أزمته المتفاقمة، منذ نجاح الثورة في إسقاط النظام السابق.

إن تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة جميعها، تؤكد أن فشل النخب السياسية في التحرر من الإرث الإيديولوجي المؤسس للصراعات الإطلاقية، وعدم التحول إلى “التنافس التنموي” في سياق توافق معلن في وثائق أو عملي ميداني، يعني عمليا عجز النظام الجديد عن تحقيق “دولة الرفاه” الضرورية لتأمين مستقبله، ومن هذا المنطلق كان رهاننا على مساعدة بلدنا السائر في طريق الديمقراطية، على ربح هذا التحدي، من خلال بناء هذه الجبهة “المحافظة الديمقراطية”، بين النداء والنهضة بالأساس، تسمح في المقابل بنشوء جبهة “اجتماعية ديمقراطية”، وعلى نحو يجعل الصراع، تنافس حدود لا وجود، ومجالا للتداول على السلطة بين قوتين وسطيتين معتدلتين، ينضج أحدهما الآخر، وتضمن علاقة بناءة وانسيابية بينهما داخل المؤسسات الدستورية، فضلاً عن تدفق الديمقراطية الواعدة واستدامتها.

لكن تجربة التوافق، حتى لمن انخرط فيها، كان يعوزها هذا الوعي التاريخي والفكري والسياسي المطلوب، وبدت كأنها تجربة براغماتية وانتهازية، قام بها الشيخان، لضرورات الحكم والسلطة، وليست ضرورة يقتضيها السياق الداخلي والخارجي، من أجل تحقيق الثورة لأهدافها التنموية، والحفاظ على الانتقال الديمقراطي واستكماله، فيما تمكنت نخب الرداءة والتفاهة متحالفةً ضمنيا، مع النخب التي عجزت عن المراجعة والتحرر من الضغط الإيديولوجي، والأخرى التي تتناقض مصالحها مع نجاح التجربة، في تشويه التجربة التوافقية، تمهيدا لإنهائها، الذي شكّل مقدمة نقض عرى الانتقال الديمقراطي برمته، كما نرى الآن، حيث تغلّبت النسخ المتطرّفة في جميع العائلات السياسية، على تيارات الاعتدال والوسطية، وهيمنت الخطابات الاقصائية على خطابات التوافق والبناء المشترك، في مجتمع “الغلبة والقهر”، و”براديغم الطاعة” الذي لم يتعود على “العمل المشترك”، والبحث عن التوافقات، بينما ليس للديمقراطية مفهوم عملي غير أنها “نظام التوافق وتقاسم المصالح والعيش المشترك”.

الآن، وفي سياق النقاش العام حول مرحلة “ما بعد الانقلاب”، يطفو من جديد هذا المنطق الإقصائي، الذي يرى أنه لا مجال للعودة إلى الديمقراطية، إلا من خلال إجبار “الإسلاميين”، على العودة إلى الوراء، ضمانا لأمنهم وسلامتهم، ومساهمة منهم في كسر المشروع الانقلابي.. ويبرر هذا المنطق في إدارة الأزمة، بمحددات تكتيكية غالبا، في حين يضمر البعض، بعضاً من الشرور الإستراتيجية، ورأيي مجددا، أن هذا المنطق، لن يفلح، لأنه إصرار على عدم الاستفادة من تجربة أوّل حكومات الجمهورية الثانية، التي بيّنتَ ضرورة كسر تلك الثنائية اللعينة، التي تشدّ ديمقراطية ناشئة، إلى صراع عبثي ومرضي وشكلاني، بين إسلاميين، لم يعودوا إسلاميين، وحداثيين، لا يفقهون من الحداثة شيئا.

وخلاصة القول، إن هناك مادّة ديمقراطية محافظة في الساحة، تتشكل من عناصر صقلتها المحن طيلة السنوات الماضية، من بينها نهضوية وندائية وكرامة وعريضة وأخرى، عليها أن تصاغ في شكل، يؤهلها للمساهمة في قيادة البلد والديمقراطية، نحو التنمية والرفاه.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى