أهم الأحداثالمشهد السياسيبكل هدوءوطنية

تفاصيل الساعات الأخيرة… وكواليس الأسابيع الماضية قبيل استقالة نادية عكاشة من إدارة الديوان الرئاسي

بقلم / صالح عطية


نقل موقع “عربي21” عن مصادر مطلعة، “أن استقالة نادية عكاشة مديرة ديوان الرئيس التونسي قيس سعيّد، جاءت بسبب صراع مع مؤسسة الجيش، التي ضغطت باتجاه مغادرتها للقصر الرئاسي”.

وبحسب نفس المصادر، فإن رئيس أركان الجيش، محمد الغول، رفض طلب عكاشة باعتقال رئيس البرلمان راشد الغنوشي، ما دفع لاحقا المؤسسة العسكرية إلى الضغط نحو استقالة عكاشة، رفضا للزج به في الصراعات السياسية.

كما طلب الغول من الرئيس سعيّد، إيجاد حل للأزمة السياسية، دون أن يكون هناك خاسر من العملية، داعيا إياه إلى الاستعانة برجال دولة سابقين.

وكانت نادية عكاشة، أعلنت مساء اليوم، عن استقالتها من منصب مديرة ديوان سعيّد عبر تدوينة على “فيسبوك”، مشيرة من خلالها إلى السبب الرئيسي للاستقالة، وهو “وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر”.

وكانت أطراف إعلامية خارجية، تحدثت في وقت سابق، عن وجود صراع بين شق رئيسة الديوان الرئاسي نادية عكاشة والمستشار الأمني، مدير الديوان الرئاسي، خالد اليحياوي من جهة، وشق وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، وزوجة الرئيس، من جهة أخرى، وأنّ كلا الطرفين يكيد للآخر، ويحرص على الاستحواذ على النفوذ والتحكم بزمام الأمور في القصر الرئاسي، والتأثير بشكل واضح على رئيس الجمهورية وقراراته.

خلافات بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية
وتتحدث أوساط إعلامية وسياسية، في الداخل والخارج، عن إمكانية أن تطول الاستقالات شخصيات أخرى، في مقدمتها، وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، الذي قد يجد نفسه في وضع معقد، باعتباره دفع ــ في نظر البعض ــ في اتجاه مواقف راديكالية من الناحية السياسية والأمنية، منها الاعتقالات، وطريقة مواجهة المسيرات، وآخرها ما حصل يوم 14 جانفي الماضي، وسط خلافات قائمة مع الجيش، الذي كان يدفع باتجاه نوع من التوازن والبحث عن مناطق “اشتراك”، وليس “اشتباك”، في المشهد التونسي.

وكان الصحفي الإسرائيلي، القريب من الموساد، “إيدي كوهين”، تحدث في تدوينة على فيسبوك قبل بضعة أيام، عن وجود خلافات بين الرئيس قيس سعيّد، والجيش، وأنّ الأيام القادمة، ستكشف تطورات، قد تنتهي ــ في نظره ــ بما انتهت به أيام بن علي العام 2011.

في ذات السياق، تحدثت أوساط أجنبية (إعلامية بالأساس)، عن تنقل أحد القيادات العسكرية البارزة، (البعض يتحدث عن رئيس الأركان، والبعض الآخر يشير إلى رئيس الاستخبارات)، إلى الولايات المتحدة، وهو اللقاء الذي لم ترشح عنه أية معلومات، إذا استثنينا بعض التسريبات التي تحدثت عن سيناريو للمرحلة المقبلة، لم يكشف عنه إلى الآن.


كما جرى الحديث عن “قطيعة مؤقتة” بين رئيس الجمهورية ورئيس الأركان، دامت أسبوعين، نتيجة موقف رئيس الأركان من بعض القرارات التي تراها المؤسسة العسكرية في غير محلّها.

الدور الأميركي
ومعلوم أنّ الولايات المتحدة، أبدت انزعاجها في مرات كثيرة مما يجري في القصر الرئاسي في علاقة بالمشهد السياسي، وبالوضع العام في تونس، والتي اعتبرت أنّ إجراءات “25 يوليو الانقلابية”، كما يصفها البعض، لا ينبغي أن تؤدي إلى غلق المؤسسات الديمقراطية، وفي مقدمتها البرلمان والحكومة المنتخبة، رغم أنها اعتبرت حدث 25 يوليو، حدثا مهما، يمكن أن يغيّر الوضع في تونس، الذي تردّى إلى مستوى من الابتذال البرلماني والسياسي والإعلامي، فضلا عن الاقتصادي والاجتماعي المعقّد.

ومع أنّ الولايات المتحدة، في قسمها التنفيذي (البيت الأبيض)، لم تخطو خطوة واحدة ضدّ انقلاب الرئيس قيس سعيّد، إلا أنّ “القطيعة” الموجودة منذ فترة، بين السفير الأميركي، دونالد بلوم، والرئاسة التونسية، والتحركات التي يقوم بها السفير بين الأحزاب والمؤسسات والوزارات، تعكس اهتماما أميركيا لافتا، من خارج القصر الرئاسي، إلى حدّ أن البعض تحدث عن سيناريو أميركي يجري الإعداد له “بدم أميركي بارد”، وفقا للتقاليد الأميركية المتعارف عليها.


خلافات جوهرية: الكلمة المفتاح
من جانب آخر، علمت “الرأي الجديد” من مصادر متطابقة، أنّ “الخلافات الجوهرية” التي تحدثت عنها نادية عكاشة، كانت تتمحور حول ملفات تعتبرها نادية عكاشة، مهمة، وهي اعتقال رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، ووضع قيادات نهضوية رهن الإيقاف، إلى جانب اعتقال قيادات في قلب تونس وائتلاف الكرامة، و”رؤوس” من رجال الأعمال، ممن لهم علاقات بالدولة العميقة، التي تتحكم في جزء هام من مسار ما بعد 25 يوليو، الأمر الذي رفضته المؤسسة العسكرية، لأنها تحرص على أن توازن بين عدّة مسارات، بينها الأمن والمشهد السياسي ورجال الأعمال، والملف الاقتصادي والاجتماعي، وبالطبع دور الجيش التونسي في المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق، أوردت الصفحة الرسمية لــ “جبهة الإنقاذ الوطني التونسية”، المحسوبة على أنصار الرئيس قيس سعيّد، ما اعتبرتها تفاصيل استقالة نادية عكاشة..

وكتب خالد التكاري، أحد الأنصار البارزين للرئيس قيس سعيّد، في تدوينة على هذه الصفحة، قائلا:
“يوم حزين باستقالة المرأة الحديدية، نادية عكاشة في القصر.

المرأة الوحيدة القادرة لتحقيق أحلام 25 يوليو، بمحاسبة الإخوان.. نجح شقيق الرئيس الإخواني نوفل سعيد، والمتورط مع إيران وحركة النهضة، في ملفات.. نجح هذا الأخير بتدخلاته في القصر، في ضرب مسار 25 يوليو باستقالة نادية عكاشة، التي استقالت لحالة التراخي في المحاسبة مع الإخوان، وتدخل أطراف في القصر في قرارات الرئيس، أولهم نوفل سعيد”..
ولا شك أن هذه التدوينة، تقدّم تفسيرا، ولو جزئيا مهما، عن مبرر استقالة عكاشة ودوافعها، فصياغة هذه التدوينة، مليئة بالعبارات المثيرة واللافتة (المرأة الحديدية، محاسبة الإخوان، أحلام 25 يوليو، إيران، حركة النهضة، نوفل سعيّد المتورط، التراخي في المحاسبة، تدخل أطراف في القصر…).

عكاشة: بين الاستقالة… والتدوينة
على أنّ نصي نادية عكاشة، اللذين أصدرتهما منذ قليل، أي نص استقالتها للرئيس قيس سعيّد، ونص تدوينتها على فيسبوك، يشيران إلى مسائل شديدة الخطورة، يمكن اختزالها في النقاط التالية:

ـــ أن عكاشة تطرقت إلى مسألة “الاختلافات الجوهرية في وجهات النظر المتعلقة بالمصلحة العليا للبلاد”، وهي الاختلافات التي تسببت في انسحابها من منصبها.. والتساؤلات التي تطرح نفسها بإلحاح، هي:
* ما هو جوهر هذه الخلافات ومضمونها وسياقها المتعلق بالبلاد ومستقبلها ومسار الثورة التونسية، ومسار الانتقال الديمقراطي؟
* ماذا تعني عكاشة بالمصلحة العليا للوطن؟ وهل هذه المصلحة اليوم مهددة؟ ومن يهددها؟

ـــ دعت الله بأن “يحمي هذا الوطن من “كل سوء“، فما المقصود بالسوء الذي يهدد تونس، ولماذا صمتت عنه عكاشة طيلة العامين اللذين قضتهما في الرئاسة، أم أنّ الأمر طارئ؟ وما هو هذا الأمر الطارئ؟…. إنها العبارة أو الكلمة الأخطر في تدوينة نادية عكاشة، سيما وأنّ نص استقالتها الحقيقية (بخط يدها)، تمنت فيها لتونس “كل خير“، وبين نص الاستقالة، والتدوينة، انتقلت بنا من الخير إلى السوء، بما يعني أنها خرجت في تدوينتها من التحفظ، وأطلقت ما تعتبره “سوءا”، ومن ثم خطرا على تونس..

وعلى أية حال، يفترض أن تتحرك النيابة العمومية، لمساءلة عكاشة حول هذا السوء الذي ذكرته، وما إذا كانت تونس مهددة في أمنها وسيادتها واستقلال قرارها واستقرارها، بشكل تعرفه المديرة السابقة للديوان الرئاسي، ولم تشأ أن تعلن عنه، ومن واجبات النيابة العمومية البحث عن تفاصيل تخص أمن البلاد وسؤددها.

ـــ ذكرت نادية عكاشة المستقيلة، عبارة “استحالة مواصلة عملها مع الرئيس، في هذه الظروف”، ومعنى ذلك، أنّ مشكل نادية عكاشة، ليس مع رئيس الجمهورية، بقدر ما هو مع محيط الرئيس، دون أن تذكر تفاصيل عن ذلك، بل إنّ كلمة ظروف، تعني فيما تعنيه، المناخ السائد في القصر، ودخول لاعبين آخرين، ليسو على مقاسها، أو على الأقل، ليسو من طبيعة تقاليد العمل التي تعودت عليها..

وتقول مصادر موثوقة لــ “الرأي الجديد”، أنّ عكاشة لم تعد قادرة على التحكم في خيوط اللعبة في القصر، بعد دخول شخصيات ولاعبين آخرين، لديهم من الفاعلية والنجاعة، والقدرة على تحريك “المياه الجامدة”، بحكم معرفتها بالدولة العميقة، بشكل جيّد، على غرار كمال اللطيف، الذي يبدو أنّه دخل القصر، وبات اللاعب الأهم في إدارة بعض الملفات، سيما الأمنية والسياسية، وحتى الدبلوماسية، بحكم علاقاته بفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وإيطاليا، والجزائر وليبيا والمغرب أيضا، وهو الرجل العارف بكيان الدولة العميقة، إن لم نقل أحد أبرز رموزها منذ عقود من الزمن..

فرنسا.. و”الحل الجامع”: الكلمة السحرية
على أنّ بعض المراقبين، يذهبون في اتجاه ربط استقالة نادية عكاشة بمكالمة الرئيس الفرنسي ماكرون، مع الرئيس التونسي، قيس سعيّد، التي لم يتسرب منها الشيء الكثير، عدا بعض الجمل التي تشير إلى دعوة فرنسا الرئيس التونسي، إلى “حل” جامع”، ويبدو أن تفاصيل “الحل” الجامع” الذي تضمنه تقرير وكالة “فرانس بريس” الفرنسية، ولم يتضمنه بلاغ رئاسة الجمهورية التونسية، هو الذي دفع نادية عكاشة ــ من بين الأسباب التي ذكرنا ــ للاستقالة، فمضمون هذا “الحلّ الجامع”، هو “مربط الفرس”، والتفاصيل بهذا الشأن هعي التي قلبت “كل الطاولة” في القصر، وجعلت “نادية”، خارج السياق الجديد، ولن تنفع عندئذ، محاولات رئيس الجمهورية، إثناء مديرة ديوانه على الاستقالة، دون هوادة..

لقد جاءت استقالة نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي، لتؤكد أنّ ثمة شيئا ما يجري في القصر الرئاسي منذ بضعة أسابيع، لا يعرف اتجاه الريح فيه، ولا من يقود السياق هناك، ولا من يتحكم في مجريات الأمور في هذه المؤسسة التي باتت مكانا مثيرا لعديد التساؤلات، التي يطرحها القاصي والداني، في الداخل كما في الخارج. فهل تكون هذه الاستقالة، مثل حبة العنقود التي بدأت في التساقط، حبة حبة، وعلينا أن ننتظر الأدوار المقبلة على من تكون..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى