أهم الأحداثمقالات رأي

هل العيب في الأيديولوجيات أم في معتنقيها ؟


بقلم / فاطمة كمون*


لماذا تتكرر دوما عبارة “أننا في عصر انتهاء الأيديولوجيا”؟ فيما كل الاحتقان، سببه هذا التصنيف، تضاف إليه بعض النعرات الأخرى التي سنأتي عليها لاحقا..

رغم اتساع الفعل السياسي بعد مضي عقد من الثورة، والتخلص من استبداد الحزب الواحد وتأليه القائد الفريد والشعور بالانعتاق، وظهر التعدد الحزبي بكل التيارات، ومنحهم ترخيص التحرك والنشاط والتعبئة، حتى أن عدد الأحزاب فاقت كل تصور وكل منطق،  وأصبحت تسمى بالدكاكين الحزبية، إلا أننا في كل مناسبة نشهد صراعا أيديولوجيا ينسف جمال مشهدية التعدد، ليعلن الجميع كفره بالأيديولوجيات، وتحميل كل الفاعلين في المجال السياسي، إخفاقات المرحلة على جميع الأصعدة، إذ غلب الصراع التفكير في إيجاد سبل التطور والنمو وبناء استراتيجيات وسياسات وبرامج تنفع البلاد، وتقنع الشعب، واعتبر هذا المكسب بلاء لا بد من التفكير للتخلص منه.

هذا الالتزام الأيديولوجي، أثر في سلوك المنتمين والفاعلين السياسيين، مما أدى إلى تقسيم بائن في صفوف الشعب، وحدّد العلاقات في تركيبة المجتمع، مما خلق صراعات حتى داخل الأسر.

لم يعد هناك أي توازن بين المفهوم الواقعي والمعياري في النسق الفكري للمقوم الأيديولوجي في التعامل، مما أدى إلى صدامات متكررة، حيث لم يظهر المنتمون لهذه التيارات، أية مرونة وتحولات فكرية، تتماشى مع البيئة المتعامل معها والمتغيرات الراهنة، والتحولات والمشاكل التي يشهدها المجتمع، وأصبحت السلوكيات تشهد انحرافات قيمية وفكرية صادمة من كل الاتجاهات: اصطفافات وتجاذبات مدانة أخلاقيا وحتى قانونيا ..

كثيرا ما قرأنا بعد انتهاء الحرب الباردة، أن العالم لم يعد بحاجة إلى الأيديولوجيات، باعتبار أن البشر قد عرفوا اليقين في الديمقراطية ونظم الليبرالية، التي طغت على نظم الحياة، والتي أصبحت بدورها، متعددة بين الكرسكية والاجتماعية.. وانخرطت الإنسانية في تيارات العولمة.

نحن لسنا استثناء في الحراك العالمي، رغم أننا مازلنا نرغب في تكريس مبدأ الديمقراطية، حيث إن السياقات التاريخية والتحولات الإقليمية والمشاكل الداخلية، تثبت كل يوم، أن الصراع الأيديولوجي قائم، ويتمدد، وفيه من التشدّد والتطرف والانحراف والاختراق، ما يخشى منه لنسف مسار الانتقال الديمقراطي الناشئ عندنا، خاصة مع صعود الشعبوية التي تمكنت من مفاصل السلطة..

أصبحت الأيديولوجيا دون أدنى ضابطة منهجية وشروط، وسوء إدراك، تؤازره سيطرة الأساطير المتعلقة بطبيعة الاعتقادات السياسية وما تحويه. إذا صيغت نظرياتنا عن الإيديولوجيا على غرار تجاربنا للشمولية، وأصبحت تمارس بمنتهى الشطط، مع تمييع التداول الاصطلاحي وتسطيحه، باعتباره ألفاظا وليست مفاهيما، حتى تحولت لرياضة لفظية جوفاء، لا تقدم ولا تؤخر، وأصبحت تعبيرات عن مصالح وارتباطات، ربما حقيقية وربما زائفة متوهمة، تبني وعيا مرتبطا بها، زادتها وسائل الإعلام التي تحتكر العمل ضد الدمقرطة، لا معها .

أما ونحن في هذا الوضع الهش والقابل للانفجار أو الانزلاق، حتى لا أقول الاحتراب، كيف نميّز بين النُظم الاجتماعية والاعتقادات الإيديولوجية، بوصفها تفاهمات ذاتية اجتماعية عامّة، وبين ممارسة السياسات الراهنة، كخيارات تبنى مستقبل الشعب، بمعنى حشد الدعم لمجالات السياسة العامّة أو المعارضة لها، في حدود ديمقراطية تحترم الاحتكام للصندوق..

* كاتبة وناشطة في المجتمع المدني

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى