أهم الأحداثالمشهد السياسيبكل هدوءمقالات رأيوطنية

التحوير الوزاري: ماذا ربح المشيشي… وماذا خسر ؟؟ بقلم / صالح عطية


بقلم: صالح عطية

 

تسلح رئيس الحكومة، هشام المشيشي، بشجاعة “معقولة”، وأجرى تحويرا وزاريا يوصف بــ “الكبير”، طال نحو 11 وزارة، بينها الوزارات السيادية، والوزارات ذات الثقل السياسي والاقتصادي والتنموي والثقافي، فيما تضمن التحوير الذي أعلن عنه مساء أمس، إلغاء وزارة مهمة (العلاقة مع الهيئات الدستورية)، وألحقها بمصالح رئاسة الحكومة.

ومنذ الوهلة الأولى، يبدو التحوير ببوصلة واضحة، وهي استهداف الوزارات التي كانت محسوبة على رئاسة الجمهورية، على غرار العدل والفلاحة والثقافة والداخلية والرياضة والهيئات الدستورية، وغيرها..

3 اعتبارات وراء التحوير
أقدم المشيشي على هذه الخطوة، بكل الوضوح الممكن، لاعتبارات ثلاثة على الأقلّ:

ــــ الأول، أنّ الرجل عانى من عدم الانسجام في فريقه الحكومي، فهو يدير وزراء، بعضهم على علاقة مباشرة بالقصر، من حيث الولاء وأجندة العمل، واتجاه الريح لديهم، وكان وزير الداخلية المقال، أبرز مثال على ذلك..

ــــ قرب دخول الحكومة في مرحلة إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية جديدة، تفترض جسما حكوميا قويا وموحدا، حتى لا تكون “زعامة المشيشي”، مجرد وظيفة إدارية، بلا مضمون سياسي.

ــــ الالتقاء مع حزامه السياسي في إحداث تعديل، لا يقصي فقط “وزراء الرئيس”، إنما يستجيب كذلك لحسابات الأغلبية البرلمانية الداعمة للحكومة، والتي عبرت في أكثر من مناسبة، عن رغبتها في تعديل حكومي، يطول حقائب، باتت تقضّ مضجعهم، وتزعج راحتهم، مع وجود هاجس لدى قسم من هذه الأغلبية، على ضرورة “تقليم أظافر الرئاسة”، حتى تكون رئاسة الحكومة، وبالتالي، الائتلاف البرلماني، قادر على اختيار سياسات وتنفيذ قرارات، لا تجد تشويشا من قبل “قرطاج”، خصوصا مع إعلان رئاسة الجمهورية، دائما وفي مناسبات كثيرة عن تحفظها على العمل الحكومي والبرلمان والأحزاب.

ومع أنّ السيد هشام المشيشي، خطا هذه الخطوة، معتمدا على “حلفائه” في الحكم، إلا أنه يدرك كذلك، أنّ هذا المسار له تكلفته..

فقد ربط مصيره السياسي، بمصير الائتلاف البرلماني والسياسي، وسيكون أداؤه مرتبطا بهذا التحالف، إلى حدّ كبير.. فهو إذا ما نجح، سيكون ذلك في علاقة بأحزاب الائتلاف، وإذا ما فشل، قد يدفع ثمن ذلك لوحده.

ولعل السيد المشيشي، أدرك ذلك بوضوح، لذلك عمد إلى تعيين بعض مستشاريه ضمن الفريق الحكومي، في مقدمتهم، وليد الذهبي، الذي دفع به إلى الحقيبة الأهم في السياق التونسي، وهي وزارة الداخلية، فالذي يملك الداخلية، كان دائما هو الأكثر قدرة على إدارة الشأن العام في البلاد، فهناك أسرار الدولة والأشخاص والمعارضة، والداخل والخارج، ودبيب النمل، ما سوف يجعل “ظهر المشيشي” محميا بشكل واضح لا غبار عليه.

التحالف الصعب
ومع تسليم الرئاسة، مؤقتا على الأقلّ، بالسيناريو الذي اختاره وأقدم عليه المشيشي، يكون رئيس الحكومة، قد ربح جولة في معركة، لا نعتقد أنه فاز بها كليا، فالرئاسة متربصة، والمعارضة الموالية لرئيس الجمهورية “في الدورة”، كما يقول التعبير التونسي الدارج، وجزء من الائتلاف البرلماني والسياسي، لا يبدو على قلب رجل واحد، سواء مع حركة النهضة، أو مع “قلب تونس”، وسيحرص هذا “الجزء”، على استثمار أي تغيير في المعادلة، لكي يخرج من السياق الائتلافي، ويصيغ تحالفات أخرى، تبدو مهيأة دائما لاستيعابه..

قد تكون “حركة النهضة”، وحزب “قلب تونس”، ربحا في هذه الجولة من التعديل الحكومي، باعتبار أنّ أغلب الوزراء الجدد، إما بمقترح منهما، أو أنهم على علاقة ما بأحدهما، غير أنّ الحزبان، ضيقا على نفسيهما بشكل واضح، لأنهما لن يقدرا على أي تعديل آخر في غضون المدة القادمة، وخاصة في أفق عام من الآن على الأقل، مثل المدرب الذي غيّر اللاعبين البدلاء مبكرا، وعندما احتاج إلى تغيير ضروري، فقد حقه في ذلك، وفي السياسة، عندما تخطئ التوقيت والحيثيات، وتستخدم جميع أوراقك دفعة واحدة، يمكن أن تدفع الثمن غاليا.

المشيشي اليوم، أمام وضع لا يحسد عليه:

** فهو مدعوم ومسنود من حزام أغلبي، سيتيح له تمرير القوانين والإصلاحات التي يرغب فيها، ويطلبها صندوق النقد الدولي، هذا لا مشاحة فيه، وربما نجح في تحقيق هذه الإصلاحات، وبالتالي حصد ــ سياسيا ــ بما يعزز مساره الوظيفي، ويجعل منه الشخصية الأكثر براغماتية وقدرة على استثمار الصراعات والتحالفات السياسية والحزبية،

** وإذا ما فشل (ونحن لا نتمنى له ذلك بالطبع)، فسيجد نفسه في وضع معقد، ربما ذهب بمساره ومستقبله السياسي، لأنّ خصومه، قد لا يعفون عنه أبدا، سيما القريبين من رئاسة الجمهورية، والمعولين على “قرطاج” في صراعهم الذي لا يعيره “القصر” أي أهمية، في ضوء أجندته الراغبة أو الطامحة في تغيير راديكالي، في المؤسسات والنظام والمشهد والأولويات…

الأسئلة… والأفق المفتوح
هل سيكون التحوير، بوابة حقيقية، لكي يمارس رئيس الحكومة، كامل صلاحياته الدستورية، وينطلق ــ من ثمّ ــ في إنجاز ما يترقبه التونسيون، وما تفترضه المرحلة، بسلاسة ويسر، أم أنّ “العفاريت” ستكون له بالمرصاد، من داخل الدولة العميقة، ومن عديد المعارضين، الذي سيجدون أنفسهم مضطرين لمعارضته “أبيض على أسود”، في البرلمان، والشارع والإعلام، طالما أن الرجل اختار “الطريق الأصعب” في تقديرهم؟

وهل أنّ هذا التعديل بالحيثيات التي ذكرنا، سيضمن تماسك الدولة ومؤسساتها، وسيوفر الاستقرار السياسي الذي يتحدث عنه الجميع، في الحكم والمعارضة، رغم اختلاف المداخل والمقاربات؟؟

لقد حرص المشيشي، من خلال هذا التعديل الوزاري، على الحفاظ على “حكومة تكنوقراط مستقلة”، أي من دون أسماء معروفة بانتمائها المباشر للأحزاب، بهدف تجنيبها ضغوط الخارج، الإقليمية والدولية، وهو ما سيوفر له هامشا أوسع للمناورة مع “حلفاء السيستام القديم”، و”حلفاء السيستام الجديد”، و”الإقليم المتحرك” على جانب الخليج، وتخوم الشرق الأوسط.. وهو من هذه الزاوية، قد وضع قدما في “تسويات ممكنة” مع هذا “العجين المتناقض” في المشرق والمغرب، وفي دول الشمال الأوروبي، بما يجعله في مأمن من حسابات الأحزاب، خصوصا مع التغيرات التي ستطرأ على المشهد الإقليمي والدولي، انطلاقا من تاريخ العشرين من الشهر الجاري، الذي سيتسلم فيه الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، رئاسة الولايات المتحدة..

يبقى أمر هام، لا بد من الإشارة إليه في هذه الورقة التعليقية، وهي أنّ رئيس الحكومة، هشام المشيشي، “يحايث” بهذا التحوير، حالة استقرار عامة تلوح في الأفق، على صعيد الوضع الصحي العالمي (لقاحات ضدّ كورونا)، والترتيبات الجارية على مستوى الملف الليبي، المجاور للشأن التونسي، وأهميته على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية بالنسبة لتونس، وبوادر التغيرات في الخليج العربي، مع المصالحة السعودية القطرية، وإعلان أوروبا استعدادها مساعدة تونس، للخروج من أزمتها الراهنة، وصعود الديمقراطيين إلى الحكم في أميركا، الذين صفقوا طويلا للثورة التونسية، ودعموا مسار الانتقال الديمقراطي، وحجبوا عنها محاولات “الانقلاب” المتكررة، من هنا وهناك، انطلاقا من رهانهم على هذا “النموذج التونسي” فيما تبقى من الربيع العربي، وهي نقاط مهمة، يمكن أن تساعد المشيشي في كثير من الملفات، إذا ما أحسن استثمارها بشكل جيّد، بعيدا عن الاسطوانة المشروخة، التي يتحدث أصحابها، عن أنّ الدبلوماسية تتبع رئاسة الجمهورية، وهو لعمري من “الفخاخ” التي قد تنصب للمشيشي، لكي يضيّق على نفسه وعلى سياقات تحركه السياسي.. فلا صلاحيات لرئيس الحكومة، دون أن يكون له “نصيب” من الدبلوماسية، يكون قادرا من خلالها على التفاوض في الملفات الهامة، سواء مع شركاء تونس، أو مع صندوق النقد الدولي، أو في مجال العلاقات الثنائية، التي تبقى المساحة الأكثر حركية لرئيس الحكومة.

فهل يؤشر هذا التحوير لــ “مرحلة المشيشي”، بكل معنى الكلمة ؟؟

وإلى أي مدى سيقبل “الائتلاف البرلماني” بذلك ؟؟

سؤال ستجيبنا عنه الأسابيع والأشهر المقبلة بكل تأكيد..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى