أهم الأحداثمقالات رأي

مع دخول سنة جديدة: تبدو الرؤية أكثر وضوحا… بقلم / رياض الشعيبي


بقلم / رياض الشعيبي*

يتّجه المشهد السياسي التونسي عموما نحو نوع من الاستقرار، رغم تواصل الصعوبات والتحديات. ربما لن يكون ضرورة استقرار النجاح والانجاز، بل استقرار توازن الضعف الذي يصل الى حد العجز المتبادل عن التأثير. ولكن مع ذلك سيحافظ المسار السياسي على بعض حيويته وان كان ذلك في اتجاه واحد: دعم التوازنات الحالية من دون تغيير جوهري في طبيعتها..

قد يرى البعض افراطا في التفاؤل في هذا القول، في حين يرى اخرون فيه تشاؤما مبالغا فيه. لكن في كلّ الأحوال كلّ منّا ينظر للأمر من موقعه ويبني على ما حصل عنده من موقف في قراءة الأحداث.

1 ــ الرئيس في عامه الثاني:

فعلى مستوى رئاسة الجمهورية، أتوقع أن يستمر نفس نمط الخطاب التعبوي الغامض والرافض لما هو كائن، دون أن يتحول ذلك الى برنامج سياسي يأخذ طريقه في الواقع:

ــــ سيستمر رئيس الجمهورية في ترديد شعاراته القديمة، لكنه لن يطرح أفكاره على الحكومة أو مجلس النواب في شكل مبادرات تشريعية. ذلك أنه يرى نفسه في قطيعة مع هذه المؤسسات، ولن يمنحها فرصة إضفاء شرعية ما على ما ينادي به.

ــــ لا يمكن للرئيس أن يصطف مع أي من الأحزاب السياسية، بل سيحافظ على بقائه خارج خطط الأحزاب وصراعاتها البينية. أولا بسبب موقفه المبدئي من التمثيل الحزبي، وثانيا لأنه لا يريد أن يتورط في المستنقع الداخلي بما يفقده طهوريته السياسية والرمزية.

ــــ لن يتّخذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية من داخل الدستور أو من خارجه، لايقاف المسار السياسي الحالي، بسبب عجزه وعدم امتلاكه الأدوات التي تمكنه من فعل ذلك، بغض النظر عن شرعيتها من عدمها.

2 ــ المسار الحكومي: الثالثة ثابتة…

بعد فشل حكومتين منذ الانتخابات الأخيرة (الجملي / الفخفاخ) تبدو الثالثة ثابتة بسبب واقعيتها العملية، ومراعاتها لموازين القوى البرلمانية، وبراغماتيتها الذكية. لذلك تبدو هذه الحكومة أكثر قدرة على الاستمرار لأطول فترة ممكنة رغم الصعوبات الذاتية والموضوعية التي تواجهها.

من المتوقع بالنسبة للمسار الحكومي:

ــــ اجراء تحوير جزئي على تركيبة الحكومة سيسمح بضخ جرعات سياسية قوية داخلها، ويحسن من أدائها الجماعي والاتصالي خاصة.

ــــ تدعيم الحزام الحكومي داخل البرلمان وتمتينه بما يجعله يتحول لتحالف سياسي واضح يحافظ على أغلبية حكومية واستقرار برلماني، ويفتح المجال للانتهاء من تركيز المحكمة الدستورية؛ في انتظار تجاوز الخلافات حول القانون الانتخابي.

ــــ بداية انتهاء جائحة كورونا وتناغم الأغلبية الحكومية والتغيير الايجابي اقليميا ودوليا، كل ذلك سيفتح الطريق نحو انتعاشة اقتصادية من شأنها تنفيس الوضع الاجتماعي وتخفيف حدة الأزمة في البلاد. هذه الوضعية ستخلق مناخات ايجابية حول الحكومة وستقوي من قدرتها على الاستمرار.

3 ــ البرلمان: لن يخرج من عين الاعصار، لكن…

البرلمان مازال يؤدي وظيفة الأغورا الأثينية، يعني “بطحة” بالتونسي، وربما عليه أن يبقى كذلك. في “البطحة” يلتقي أبناء كل الحيّ باختلافاتهم، يجمعهم شيء واحد هو تحقيق الشعور بالانتماء من خلال اجتماع البطحاء. فأحد العناوين الأبرز للانتماء للمسار الديمقراطي الحالي هو التمثيلية داخل مجلس النواب، مقرّ السلطة الأصلية؛ لذلك الصراع داخله على أشده. وسيستمرّ، لكن ليس معزولا عن الأحداث التي يمكن ان تحصل في البلاد:

ــــ سيستمرّ الضجيج داخل قاعات المجلس وفي أروقته من دون أن يؤدي ذلك الى أزمة تهدد مواصلته عمله أو تُغيّر الأغلبية داخله. لكن بعض الكتل ستحرص على الاستفادة من التغطية الاعلامية الكاملة لمخاطبة ناخبيها وتعبئتهم حول شعاراتها.

ــــ سيبقى من الممكن دائما توسيع الحزام الحكومي خاصة في اتجاه الكتلة الديمقراطية التي لن تجد لنفسها امكانية الحضور القوي وسط الصراعات القصووية، وسيكون أمامها أحد خيارين: اما الاصطفاف القصووي كما الاخرين، واما الالتحاق بالحكومة بعيدا عن صراع الديكة.

ــــ في اطار تمدد النزعات الشعبوية، استطاعت الكتلة الفاشية ان تكسب ثقة أنصار جدد، لكن مع تحسن الوضع الحكومي واحساس الناس بالملل من الشعارات الاقصائية وعجزها عن تطوير خطابها، لن تستطيع هذه الكتلة أن تستمر في تقدمها، وسنشهد تراجع هام لشعبيتها في مقابل التحاق جمهورها الانتخابي بأحزاب الحزام الحكومي التي تمثل عائلتهم السياسية.

إقليميا ودوليا: العالم يتغير، فكيف سيغيّرنا ؟

بدأت التغييرات من حولنا منذ أشهر، وحتى قبل الانتخابات الأمريكية، الأخيرة. فالبحر المتوسط أصبح مجال صراع على النفوذ بين الفرنسيين والاتراك الذين نجحوا في الفوز بالدعم الأمريكي في ليبيا؛ عكس الفرنسيين الذين وقعوا في خطأ استراتيجي عندما وجدوا أنفسهم يحاربون مع الروس في نفس الخندق، لكن ضدّ من ؟…

ــــ لقد تغير التوجه الأمريكي لصالح التسوية في ليبيا وما سيخلقه ذلك من ضغط على الأطراف المتصارعة. الامر الذي سيعطي اهمية اضافية لتونس، الآن، لتسهيل الوصول الى حل سلمي وديمقراطي في ليبيا، او من اجل التوسط بين القوى الاقليمية المتنازعة، وغدا، باعتبار المتنفس الاقتصادي الليبي الحيوي بالنسبة اليها.

ــــ واجهت منطقتنا ضغطا قويا لدفع دولها لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل، الا أن فشل ترامب في انتخاباته فسح المجال لمقاربة أمريكية أخرى جديدة/قديمة مبنية على فكرة حل الدولتين بالعودة للشرعية الدولية. ذلك ان الادارة الديمقراطية ترى ان السلام الدائم يبنى على تسوية تحترم الحد الأدنى من الشرعية الدولية؛ في حين ان مشروع “صفقة القرن” لا تستجيب لهذا الشرط. لذلك ستجد تونس نفسها بمنأى عن الضغوطات الدبلوماسية والاقتصادية في هذا الاطار.

ــــ ستلاقي تجربة البناء الديمقراطي مزيدا من الدعم الاقليمي والدولي، لتجاوز اثار جائحة كورونا، ضمن مخطط لتحقيق انتعاش الاقتصاد الدولي. وستستقبل دعما اضافيا باعتبار السياسات الاقليمية والدولية في المنطقة، وبحسب قدرتها على الانخراط في هذا المجهود وتشبيك مصالحها ضمن شبكة العلاقات الدولية المحيطة بنا.

انّما الصبر عند الصدمة الأولى، هكذا قال العرب، وأحسب أننا قد تجاوزنا صعوبة الصدمة الأولى. لم يبق علينا حينها إلا أن نعقلها ثم نتوكل…

* باحث في الشؤون السياسية والدولية

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى