أهم الأحداثالمشهد السياسيوطنية

رجل الدولة.. والمناضل أحمد بن صالح في ذمّة الله

تونس ــ الرأي الجديد

توفي اليوم الأربعاء 16 سبتمبر 2020، المناضل والسياسي والنقابي أحمد بن صالح عن سن تناهز 96 سنة في المستشفي العسكري بالعاصمة بعد صراع مع المرض.

وأدخل الزعيم السياسي، أحمد بن صالح قبل أسبوع  تقريبا، المستشفى العسكري بالعاصمة، إثر وعكة صحية ألمت به، خاصة في مستوى الجهاز الرئوي..
وكان “رجل التعاضد”، كما يلقب في الأوساط السياسية والإعلامية، قد تراجع وضعه الصحي خلال العام المنصرم، ودخل مرات عديدة في حالات عدم استقرار، كانت تؤدي أحيانا، إلى نسيان المحيطين به..
ومنذ أسبوعين تقريبا، اضطرت عائلته إلى إدخاله إحدى المصحات الخاصة للعلاج، بعد تعرضه إلى وعكة صحية مفاجئة، غير أنّ وضعه الصحي تعكّر مرة أخرى، ما دعا المقربين منه إلى إدخاله المستشفى العسكري بالعاصمة، أين لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بمرضه الذي أخذ منه مأخذا كبيرا..
وظل أحمد بن صالح، الوزير والنقابي في العهد البورقيبي، طريح الفراش لفترة طويلة، دون أن يزوره السياسيون أو النقابيون، ممن يرفعون اسمه كلما جرى الحديث عن تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل، أو عملية البناء الوطني عقب جلاء الاستعمار الفرنسي عن تونس، أو عند التطرق إلى الصراعات في المرحلة البورقيبية، والتي كان أحمد بن صالح أحد رموزها وضحاياها في ذات الوقت، على خلفية “تجربة التعاضد”، في ستينيات القرن المنقضي، التي تحمّل الرجل وزرها، بكل معنى الكلمة، رغم أنّه لم يكن منسجما تماما مع الأسلوب الذي نفّذت به، والطريقة التي استخدمت عند التطبيق.

إقرأ أيضا:  “فيلسوف” المشروع الاشتراكي الدستوري يرقد في المستشفى العسكري

حقائب وزارية عديدة
وكان أحمد بن صالح، قد شغل عدّة حقائب وزارية، خلال مرحلة الستينيات، أبرزها الشؤون الاجتماعية والصحة والسياحة، التي دشّن من خلالها سلسلة من الفنادق والمستشفيات والمشروعات الفلاحية المتعددة والضخمة، التي كانت منطلقا لبناء الاقتصاد الوطني، فيما عرف ــ كما أسلفنا القول ــ بتجربة التعاضد، التي أنهيت بقرار بورقيبي، بعد اتهامات خطيرة وجهت إلى بن صالح، عنوانها الأبرز، “الخيانة العظمى”، حيث اقتيد إلى سجن 9 أفريل، قبل أن يساعده “بعض الرجال” على الهرب منه، (وهو ما كان يعتبره أحمد بن صالح، تحررا منه)، باتجاه الخارج، وتحديدا، الشقيقة الجزائر، ومنها إلى باريس، خوفا من بطش بورقيبة، المهوس أنذاك بالإنفراد بالسلطة، وبإقصاء جميع الرموز، أو القيادات الشابة، على غرار أحمد بن صالح، ولعله كان أبرزهم في تلك المرحلة.
ولد أحمد بن صالح يوم 13 جانفي 1926 في بلدة المكنين من ولاية المنستير، درس في ”الكتاب”، ثم في المدرسة الفرنسية العربية بالمكنين، والتحق بعد ذلك بالمدرسة الصادقية في أكتوبر 1938 وأحرز على شهادتها، ثم تحول إلى باريس لدراسة الآداب العربية بالسروبون، فيما بين أواخر 1945 وأواخر 1948 دون أن يتخرج.
بعد عودته من فرنسا التحق للتدريس بالمعهد الثانوي بسوسة، وشارك في المؤتمر الرابع للإتحاد العام التونسي للشغل سنة 1951، ووقف ضد انسحاب الاتحاد من الجامعة النقابية العالمية، ومع ذلك التحق بعد ذلك للعمل بمقر الجامعة العالمية للنقابات الحرة.
وشغل الفقيد منصب الأمين العام للمنظمة الشغيلة من سنة 1954 إلى سنة 1956..
وسنة 1957 دخل الحكومة وزيرا للصحة، ثم أسندت إليه في الستينات كل الوزارات الاقتصادية معا. وهو ما مكنه من أن يعطي منحى اشتراكيا للاقتصاد وإطلاق تجربة التعاضد في قطاعي الفلاحة والتجارة.

جهود “التسويات” بعد الثورة
وفي جويلية من سنة 1968 أضيفت إليه وزارة التربية. كما كان في نفس الفترة عضوا بالديوان السياسي للحزب الاشتراكي الدستوري وأمينا عاما مساعدا، قبل أن يعزله بورقيبة في 7 نوفمبر 1969.
يذكر أنّ الفقيد، لعب دورا مهما بعد الثورة، في “التسويات السياسية”، والخروج بالمسار الجديد من عنق الزجاجة.. حيث حرص على تقريب وجهات النظر بين عديد الفرقاء، من حول “الترويكا”، وعلى الجبهة المقابلة، المعارضة لها، حماية للمسار، الذي كان “فيلسوف الاشتراكية الدستورية”، يرى فيه تصحيحا لمسار 60 عاما من الاستبداد والعنف والنهب وتفويت الفرص الكثيرة، التي أتيحت للقفز بتونس إلى أفق البلدان المتقدمة، فيما كان “بورقيبة”، ومن بعده “بن علي”، يريان فيها تضييعا لفرصتهما الذاتية في الحكم التسلطي..

رحم الله الفقيد رحمة واسعة، وإنا لله وإنا إليه راجعون..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى