أهم الأحداثالمشهد السياسيتقاريروطنية

تقرير / مأزق الانتقال الديمقراطي في تونس… من المسؤول.. وما هي الحلول ؟؟

تونس ــ الرأي الجديد (قسم الأخبار)

نظم المعهد العربي للديمقراطية مؤخرا، ندوة فكرية سياسية مصغرة في موضوع “مأزق الانتقال الديمقراطي في تونس  والحلول الممكنة”..المأزق…. والتشخيص
وقال دكتور خالد شوكات، مدير المعهد، أنّ المأزق الذي وجدت تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس نفسها فيه، بعد نحو 10 سنوات من الممارسة، يمكن تلخيصها في بارة “نحن أمام ديمقراطية غير مقنعة لشعبها”..

وأوضح أنّ أي ديمقراطية لا تنجح في صنع “دولة الرفاه لمواطنيها”، ستظل ديمقراطية فاشلة في نظر مواطنيها، وهو ما يفسر تنامي حدة الغضب لدى شرائح شعبية واسعة، لا تعتبر الحرية أولوية لديها، كما هو حال النخب، وجدت نفسها أمام وضعية اقتصادية  واجتماعية ومعيشية صعبة، تتراجع في أرقامها ومؤشراتها كل عام، وهو ما ساعد  تيارات الردة الثورية، وقوى الشعبوية والفاشية، على تحقيق قدر من أهدافها، والتهديد بالسيطرة على الحكم، وإعادة عقارب الساعة الوطنية إلى الوراء.

وأشار شوكات، إلى أن المنظومات الثلاث التي تقوم عليها الديمقراطية، وهي الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني هي اليوم في أسوأ حالاتها، فضلا عن كونها مخترقة من لوبيات الفساد والمافيا وجماعات المصالح الضيقة.

وأضاف مدير المعهد العربي للديمقراطية، أنّ العلاقة بين مؤسسات الحكم متأزمة، وهي البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، وأن ثقة المواطنين فيها مهزوزة، وقد زادتها تداعيات الكورونا تأزماً..

شروط أساسية
وأكد شوكات على ان السياسة في طريقها إلى الموت، إن لم تقع مجابهة الرداءة والتفاهة والعودة إلى المفاهيم الصحيحة التي تجعل من الشأن العام مرادفا للمنتج والنتيجة.

غير أنّ الدكتور شوكات، اعتبر أنّ ثمة نقاط إيجابية، يمكن تسجيلها في المسار، من بينها، سلاسة ومدنية وسلمية  التداول على السلطة، الذي أصبح عرفاً ثابتا في تونس الديمقراطية الفتّية، إلى جانب قدرة المجتمع المدني والسياسي على جعل  الجميع تحت طائلة القانون، بما في ذلك رئيس الحكومة، الذي أجبر على الاستقالة، جراء تهمة تضارب المصالح، وهو  أمر لا يحدث إلا نادرا في المجال العربي الإسلامي، وسابقة محمودة تسجل لتونس، وفق تعبيره..

وجدد رئيس المعهد اقتراحه، بأن يبدأ الاصلاح من توافق القوى السياسية، خصوصا الممثلة منها في البرلمان، على إصلاح النظام الانتخابي، لتمكين البلاد من أغلبية حاكمة مستقرّةٌ وقوية قادرة على إصلاح الأوضاع الاقتصادية وإطلاق المشروع التنموي، داعيا إلى الاستعداد الجيد للاستحقاقات الانتخابية القادمة، واستكمال تركيز الهيئات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية.

السياسة صراع على السلطة أو داخلها
من جهته، أكد الأستاذ سمير العبيدي، الوزير السابق، والمحامي والناشط السياسي اليساري، على أن “الأزمة سياسية بامتياز”، و”أن الثورة هي ثورة ديمقراطية”، وهي ما كانت لتحصل لو أن النظام السابق، وسع هامش الحرية، وأتاح الفرصة للتيار الاصلاحي داخله لبلوغ مراميه، غير أنّ الإصلاحيين كانوا للاسف الشديد الحلقة الأضعف،  قياسا بسطوة المحافظين، وهو ما دفع الأحداث للاتجاه نحو حالة راديكالية ثورية، تتفق مع اتجاهات التاريخ الانساني المناهضة للتسلط والديكتاتورية.

وأضاف العبيدي، بأن “السياسة هي صراع على السلطة أو صراع داخل السلطة”، وأنه لم يكن هناك من الأحزاب السياسية،  من هو مستعد لهذا الصراع عند نجاح الثورة في 2011، سوى حركة النهضة بالدرجة الأولى، والحزب الديمقراطي التقدمي  بزعامة نجيب الشابي بدرجة أقل بكثير، وقد تسبب هذا الاختلال في التوازن، وما يزال في هذا الانفلات الذي نراه، انفلات بدأ في الشارع ثم انتهى إلى مؤسسات السلطة.

وشدد الأستاذ سمير العبيدي، على ضرورة تجاوز البلاد لحالة الأحزاب / الدكاكين، التي  ساهمت في تعميق أزمة الطبقة  السياسية، وتعديل القانون الانتخابي، وذلك باعتماد آليتين على الأقل، “العتبة” لمنع التشتت، وحظر “السياحة البرلمانية”، لفرض الاستقرار في المؤسسة التشريعية.

اتحاد الشغل.. والفساد الصغير
وتحدث مهدي بن عبد الجواد، الباحث الجامعي والناشط السياسي اليساري والنقابي، عن  عن الدور الأساسي الذي أصبح يشغله اتحاد الشغل في الحياة السياسية، خصوصا في ظل ضعف المنظومة الحزبية، وبما يتجاوز بكثير دوره في الدفاع عن منظوريه، إلى دور مساهم في تعميق أزمة البلاد والديمقراطية أحيانا، من خلال عرقلته محركات النمو، خصوصا الاستثمار  الخارجي والتصدير.

وأوضح، أنّه في ظل أزمة الشرعية التي تعاني منها منظومة الحكم، عانت جميع الحكومات تقريبا من المفاوضات الاجتماعية  غير المتوازنة في علاقتها بالاتحاد.

وأشار مهدي، إلى تورط بعض القيادات النقابية فيما أسماه بــ “الفساد الصغير”، الشيء الذي أضعف جميع المبادرات  الإصلاحية داخل المنظمة النقابية.

وقال مهدي بن عبد الجواد، إن الحلول الممكنة في المدى المنظور على الأقل، تكمن في البدء بتنقيح المراسيم المؤقتة،  التي عادت فاقدة للجدوى والصلاحية، بل ضارة جدا بالحياة السياسية، تلك التي جرى تشريعها على عجل سنة 2011، والخاصة بالأحزاب السياسية والجمعيات والإعلام وغيرها.

ودعا مهدي، إلى الإسراع بتركيز المحكمة الدستورية وبقية الهيئات، حتى يتم  التخفيف من الآثار السلبية لسلوك رئيس الجمهورية.

مظاهر أزمة التجربة البرلمانية
وقال الأستاذ عبد الحميد الجلاصي في هذا الصدد: “إنه لم يكن خائفا سنة 2011 لكنّهُ اليوم خائف جدّاً”..

لكنه أكد “إن مشكلة البلاد ما تزال “مشكلة قيادة” بالدرجة الاولى، وأن وضع تونس كان جيّدًا ومقبولا، ويمكن تفهمه إلى  غاية 2016، وتحديدا التاريخ الذي سقطت فيه حكومة الحبيب الصيد، مشيرا إلى أنّ الانحراف الكبير الذي كان الشاهد  السلطة، لافتا إلى ما وصفه بــ “الخطأ في التقدير الذي ارتكبه حينها الرئيس الباجي قائد السبسي،  الذي كان برأيه  “شخصية ديمقراطية، ولكن من الطراز القديم”.

ولفت إلى أنّ حركة النهضة، لم تتخلص بعد من هواجسها ومخاوفها… قائلا: “إن التوافق لم يكن خيارا ساعتها، بل ضرورة”، حسب تعبيره..

واعتبر أنّ الأمور كانت من الناحية النظرية، جيّدة، ولكنها من الناحية العملية والتطبيقية لم تكن كذلك، وكانت تواجهها العديد  من العراقيل المتعلقة بالمفاهيم السائدة والصراعات الأيديولوجية القديمة.

وذكّر الجلاصي بإحدى المفارقات المعبّرة عن مأزق الديمقراطية في تونس،  “ففي جلسة تجديد الثقة في الحبيب الصيد،

قال له النواب أنت جيد لكن عليك ان تغادر”، أما في جلسة منح الثقة لهشام المشيشي فقد قال له النواب أنت سيّء ولكننا نريدك أن تبقى”، وهذه أوجه حالة الانفصام التي تكرس أزمة القيادة المشار إليها في المقدمة.

وقال الجلاصي في خاتمة مداخلته ان حالة عدم الاستقرار تسم اليوم وضع أهم لاعبين في الحياة العامة، وهما: النهضة والاتحاد، منوها بأن كليهما يقف أمام استحقاق المؤتمر، وواقع تحت تأثير القوى الرافضة للإصلاح داخلهما، مشيرا إلى أن المراهنين من جانب آخر على إن رئيس الجمهورية سيقبل بارتداء جبّة الرئاسة مخطئون تماما في تصورهم، لأنه رجل مسكون بالمؤامرات، كما هو تصورهم الخاطئ للمؤسسة التشريعية، حيث تحول البرلمان للأسف الشديد، إلى ساحة  للمتطرفين من كل جانب، وان ثنائية الشيخ / عبير المفيدة لكليهما، هي إحدى التعبيرات الواضحة لازمة التجربة البرلمانية الراهنة، وأن عبير موسي قامت بجر الجميع تقريبا إلى مربعها، أي مربع الشعبوية.

وحذّر في النهاية من النزعة العبثية التي تدفع أطرافا كثيرة في الساحة، الى تفضيل وجود “حكومة ضعيفة”، وهو ما سيقودنا إلى “موت السياسة” وحلول منطق “المغالبة”، بدل “التوافق”، كمدخل لضرب تجربة الانتقال الديمقراطي وإفشالها.

 

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى