أحداثأهم الأحداثدولي

حسب “فورين بوليسي”… بوتين والـ “كيه جي بي” يسيطران على روسيا ويخدعان الغرب

موسكو ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)

نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عرضا لكتاب جديد يتناول تفاصيل بروز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكيفية تشكيل جهاز الاستخبارات الروسي السابق (كيه جي بي) له، وكيفية سيطرة بوتين والاستخبارات على روسيا، وكيف خدعا الغرب.

وورد في العرض الذي كتبه الصحفي والمحلل هاوارد آموس للكتاب الذي ألفته الصحفية الأميركية كاثرين بيلتون أن قلة من الناس حكوا قصة تشكيل الـ”كيه جي بي” لبوتين وروسيا الحديثة، وكيف استعاد هذا الجهاز الدولة الروسية وتغلب على الغرب.
وأشار آموس في مستهل عرضه إلى أن أفضل عبارة سمعها في وصف بوتين قالها منشق سوفياتي سابق صديق لوالده تعرف على بوتين عن كثب وعمل معه في الـ”كيه جي بي” خلال حكم الدولة السوفياتية، والعبارة هي “بوتين لا يمكن أن ينحني، ولكن يمكن كسره”.

جاسوس ما دام حيا
وقال إن بوتين تربى في فترة شبابه الغض وقبل أن يدخل المعترك السياسي وينخرط في عملية بروزه المذهلة للرئاسة على يد الـ”كيه جي بي”، وإن ماضيه في هذا الجهاز يعني أنه سيتصف بذهنية الجاسوس ما دام على قيد الحياة.
وفي الكتاب الذي جاء بعنوان “رجال بوتين.. كيف استردت المخابرات الروسية روسيا ثم استولت على الغرب؟” يقول آموس إن بيلتون تحاجج بأن بوتين لم يتراجع أبدا عن مهمته لاستعادة سلطة المخابرات السوفياتية وقوتها، والتي كانت تبدو ملازمة تاريخيا للدولة السوفياتية فقط.
وتتبعت المؤلفة مسيرة بوتين ورفاقه منذ أن كانوا جواسيس من المستوى المتوسط في ثمانينيات القرن الماضي وحتى ثورة التسعينيات، ووصولهم إلى قمة السياسة والأعمال الروسية، موضحة أنهم شكلوا نظاما يستخدم القواعد التي أرساها الـ”كيه جي بي” للحفاظ على القبضة الحديدية على السلطة، والتعامل مع مئات المليارات من الدولارات في النظم المالية العالمية، ونشر النفوذ الروسي في عمق الغرب.

كورونا يهدد مستقبل بوتين
وانتقلت الكاتبة إلى الحديث عن تفشي جائحة “كوفيد 19” قائلة إنها لحظة مناسبة للنظر إلى بوتين ونظامه، مشيرة إلى أن هذه الجائحة تسببت في صعوبات اقتصادية وعدم يقين، مما دفع تقييمات بوتين إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين، وهو ما خلق واحدة من أكبر الأزمات في رئاسته وأثار تساؤلات بشأن مستقبله السياسي.
ولفهم أسلوب عمل بوتين، تنصح بيلتون بالذهاب إلى مدينة دريسدن في ألمانيا الشرقية، حيث تم تعيين بوتين كضابط استخبارات أجنبي في عام 1985.
وعلى الرغم من أن معظم روايات هذه الفترة عن حياة بوتين لم تقل أكثر من أنه تعلم اللغة الألمانية وشرب البيرة فإن بيلتون ترسم صورة مختلفة تماما، وتقول إنه عمل في إدارة العملاء والتجنيد وسرقة التكنولوجيا، وحتى في إدارة الجماعات الإرهابية اليسارية التي نفذت عمليات اغتيال على الجانب الآخر من الستار الحديدي “جدار برلين”.
وفي نفس الوقت، كان بوتين مطلعا على التدابير التي اتخذتها المخابرات السوفياتية للحفاظ على نفوذها في حالة انهيار الإمبراطورية السوفياتية، والذي كان متوقعا من قبل بعض الضباط بعيدي النظر.
وعموما، كان هذا يعني إنشاء صناديق لأموال طائلة مع “جهات موثوقة” و”شركات صديقة” ورسم مخططات معقدة للتهريب وشبكات الوكلاء في الخارج.
وتؤكد بيلتون أن ما كان يقوم به بوتين والـ”كيه جي بي” في الثمانينيات هو “مخطط لكل شيء كان سيأتي لاحقا”.

ترامب في شباك الجاسوسية
وفي ربط ملفت للانتباه، تقول بيلتون إن استمرار نفوذ المخابرات السوفياتية وتأثيرها قد تكون إشاراته موجودة منذ عقود، لكنه لم يجتذب انتباه الأغلبية في الغرب إلا في عام 2016 مع ثبوت الأدلة على أن موسكو تدخلت لصالح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية آنذاك.
وتغوص بيلتون بعمق في عالم السماسرة والوكلاء المتجولين في فترة ما بعد الدولة السوفياتية الذين أحاطوا بترامب قبل فترة طويلة من محاولته المنافسة على الرئاسة، وحددت صلاتهم بالمخابرات الروسية، وكيف استخدموا تكتيكات هذه المخابرات لربط الرئيس المستقبلي بشبكة من الالتزامات المالية.
وكتبت بيلتون أن أعمال ترامب لم تكن في البداية أكثر من مجرد وسيلة ملائمة يتم من خلالها تحويل الأموال إلى الولايات المتحدة، وقالت إن تعقبها لاتصالاته مع شخصيات مثل قطب البناء أغاس أغالاروف، والمهرّب المخضرم شالفا تشيغيرينسكي، وتاجر النفط تامير سابير الذين عملوا جميعهم في الظل بين أجهزة الأمن الروسية وعامة الناس كشفت لها أن هذه العلاقات تعمقت تدريجيا، مشيرة إلى أنه وفي مرحلة ما أصبح ترامب “فرصة سياسية”.

رجال بوتين
ويقول آموس إن كتاب بيلتون لا يتناول فقط عالم التجسس الروسي فقط، بل -وكما يوحي عنوانه- يركز بشكل رئيسي على رجال الأعمال والمسؤولين الأقوياء في قلب الكرملين وما يفعلونه بأموالهم الطائلة وبنفوذهم القوي، مضيفا أنه ليس من الغريب أن تكون لكل شخصيات بيلتون تقريبا خلفيات في العمل مع الـ “كيه جي بي”.
لكن بيلتون تذهب إلى أبعد من ذلك، وتوضح كيف أن أولئك المليارديرات الذين يُنظر إليهم على أنهم أكثر استقلالية مرتبطون ارتباطا وثيقا بالكرملين.
وتحدثت عن كيفية توظيف ميخائيل فريدمان وبيوتر أفين -وهما صاحبا “ألفا بنك”- أقارب معارف بوتين من الجواسيس في ألمانيا الشرقية سابقا، وكيف أن بوتين أشار على الملياردير رومان أبراموفيتش بشراء النادي اللندني لكرة القدم “تشيلسي” في عام 2003، وكيف أن علاقة هذه الأعمال بالدولة الروسية انكشفت خلال تفشي جائحة “كوفيد 19″، حيث بدأت السلطات تعتمد على هؤلاء الأغنياء لتوفير عشرات الملايين من الدولارات بهدف تعزيز قدرة نظام الرعاية الصحية.

الانهيار وصعود بوتين
وكان الأمر الجوهري في تصوير بيلتون لروسيا بوتين هو النفوذ الطاغي للمخابرات الروسية ووكالات التجسس في روسيا بعد الاتحاد السوفياتي، إذ توضح أن انهيار الاتحاد السوفياتي هو “عمل داخلي” من قبل رجال المخابرات السوفياتية، وصعود بوتين إلى الرئاسة ما هو إلا عملية مخططة بعناية من الـ”كيه جي بي”، وفي كلتا الحالتين كانت هذه عمليات سياسية معقدة تنطوي على أكثر من مجرد مكائد لعصابة من كبار الجواسيس.
واستخدمت بيلتون أيضا مصادر مجهولة وأدلة ظرفية لإعطاء مصداقية جديدة لبعض الشائعات الأكثر قتامة في روسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي، مثل أن بوتين متورط في مقتل رئيسه في التسعينيات أناتولي سوبتشاك، وأن حليفه نيكولاي باتروشيف نظم الحصار “الإرهابي” على أحد مسارح موسكو عام 2002 والذي قُتل فيه 170 شخصا على الأقل لتغطية بوتين و”ربطه بالرئاسة”.
وقالت إنه لا يوجد أي سبب للشك في قسوة الضباط الذين عملوا في الـ”كيه جي بي”، وإن الفساد وعدم الكفاءة والاعتماد على الصدف أحيانا هي أيضا جوانب من السياسة الروسية.

التلاعب بالنظام الاقتصادي
والأمر الآخر الأكثر إلحاحا هو تعرض بيلتون لكيفية تلاعب نظام بوتين بالنظام الاقتصادي لجمع ثروات شخصية لدائرته الداخلية، وخلق تمويل سري “صناديق الحرب”، وتمويل عمليات بناء النفوذ في الخارج.
فمن خلال المحادثات العديدة مع المصرفيين والمصادر من داخل الكرملين والجواسيس السابقين يُظهر رجال بوتين كيف أن شركاء القائد الروسي استولوا تدريجيا على الاقتصاد الروسي عن طريق تجريد شركة غازبروم -المملوكة للدولة والتي تحتكر الغاز- من أصولها، والتكسب من صادرات الطاقة، وإنشاء شركات مالية عملاقة، مثل شركة سوغاز للتأمين وبنك روسيا اللذين يسيطر عليهما من لهم علاقات وثيقة بالكرملين سيطرة كاملة.
وتحاجج بيلتون بشكل مقنع بأن هذه العملية حرض عليها كثيرون في الغرب كانوا يعتقدون أن دمج روسيا في الأسواق المالية العالمية سيدمجها مع الغرب بعد نهاية الشيوعية، وبدلا من ذلك فإن الإدراج الأجنبي للشركات الروسية والتكذيب من قبل المحامين والممولين والمسؤولين الغربيين ببساطة أثرى أولئك المقربين من بوتين، ورسخ نسخة من رأسمالية الدولة، وفي النهاية أعاق التنمية الاقتصادية للبلاد.
وكتبت بيلتون أن رجال بوتين حسبوا بدقة أن المال بالنسبة للغرب سيكون فوق كل المخاوف الأخرى.

تقويض مؤسسات الغرب
وفي الوقت الذي انهارت فيه علاقات روسيا مع الغرب في أعقاب ضم موسكو عام 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية، كانت قبضة بوتين على الاقتصاد الروسي قد أحكمت وفقد الغرب فرصته لتشكيل نظامه.
ونقلت بيلتون عن أحد المصرفيين قوله إنها أموال بوتين “فعندما وصل إلى السلطة بدأ يقول إنه لم يكن أكثر من مدير مستأجر، ولكن بعد ذلك أصبح المساهم المسيطر في روسيا كلها”.
ومولت بعض هذه الأموال حياة فاخرة لبوتين وأقرب حلفائه، ولكن وفقا لبيلتون تم تحويل جزء كبير منها أيضا إلى الخارج -بالخفية عن الرقابة الديمقراطية- لتقويض المؤسسات في الغرب، من الانتخابات الأميركية إلى التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2016 وإضعاف الأحزاب السياسية في أوروبا.
وبحسب بيلتون، فإن رجال بوتين لديهم 800 مليار دولار مخبأة في حسابات مصرفية خارجية.

المصدر : فورين بوليسي 

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى