أهم الأحداثبكل هدوء

“الفخ.. فاح”: المراهقة السياسية… وتشويه “الحركة الديمقراطية”

 

بقلم / صالح عطية

ما “اقترفه” رئيس الحكومة المستقيل، إلياس الفخفاخ، في الساعات القليلة الماضية، فور تقديمه استقالته إلى رئيس الجمهورية، مراهقة سياسية، أو بعبارة شعبية متداولة، “تفوريخ سياسي”، بكل معنى الكلمة.

فإقالة وزراء الحزب الذي كان ينوي سحب الثقة منه، ومنعهم من حضور مجلس الوزراء الطارئ، الذي عقده مساء أمس، لا ينمّ إلا عن شخصية تفتقر للثقافة الديمقراطية، ولا تنضبط للقانون، ولا تحترم “الرأي الآخر”، على الرغم من أنّ وزراء حركة النهضة، لم يصدر عنهم شيء يؤذيه، أو يسيء إليه، وحرصوا على التعامل معه كرئيس حكومة إلى اللحظات الأخيرة، رغم كل التوتر الذي كان سائدا في حزبهم، وبخاصة في اجتماعات مجلس الشورى.
بل إنّ بعض هؤلاء الوزراء، وفق تسريبات موثوقة، دافعوا على استمرار الحكومة، واستمرار إلياس الفخفاخ بالذات على رأسها..
الغريب في الأمر، أنّ الرجل، ليس في وضعية صراع سياسي مع “النهضويين”، بل هو يواجه تهمة “الفساد” بعناوينها الكبرى، من “تضارب مصالح”، واستغلال نفوذ”، و”تبييض أموال”، والإثراء السريع من أموال الدولة (المال العام)، بما يعني أنّ لديه شبهة قوية لفساد غير مسبوق على رأس الحكومة، منذ عقود، وبالتالي، ليس في وضع المناكفة السياسية، وكان عليه تقديم استقالته طوعيا، وإعلان نفسه على ذمة التحقيق القضائي والإداري والبرلماني، إذا كانت للرجل ثقافة الإذعان للقانون، والانضباط لمقتضيات السلوك الديمقراطي.
لا يهمنا هنا، صراعه مع “حركة النهضة”، وتفاصيل خلافاته معها، إذا كانت له خلافات فعلا، إنما المهم في سياق هذه الممارسات “الفخفاخية” المشينة، بكل معنى الكلمة، هو انعكاس ذلك على التجربة الديمقراطية، بما هي نصوص (دستور وقوانين وأعراف وعلاقات…)، وعلى العائلة الديمقراطية، التي كان الفخفاخ، ينسب نفسه إليها..
وهذه في تقديرنا، المسألة المهمة…
لقد ضرب الفخفاخ، العائلة الديمقراطية في مقتل، ولوّث سمعتها، وحطّ من قيمة وحجم نضالاتها التي تمتدّ إلى نصف قرن أو تزيد، ووضع الأفكار والمواقف والمقاربات والنضالات الاجتماعية والسياسية والنقابية لهذه العائلة العريقة، موضع تساؤل، إن لم نقل، محلّ شكّ وريبة، وفتح المجال لهرسلتها، والنيل منها، وهي التي كانت ــ حقيقة ــ الجانب الخصيب في تلك السنوات العجاف، التي لم نتوقف خلالها، على نضالات تذكر لإلياس الفخفاخ، عدا كونه، ينتمي إلى حزب “التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”، دون أن يكون له حضور لافت، في الحراك السياسي الذي تزعمته قيادات يسارية ونقابية مختلفة، شنّت إضرابات عن الطعام، وقادت مظاهرات واحتجاجات، وأوقف بعضها، وحوصرت بيوتهم ومقرات أحزابهم، وتم تشديد الخناق على مصالحهم، ودخل غير قليل منهم السجون، وذاقوا التعذيب..
لكنّ السيد الفخفاخ، لم يكن ضمن هذه “الكوكبة” المناضلة، بل كان الرجل يحصد الشهائد التجارية، ويجمع الأموال في باريس وضمن شركات إسبانية، أدار جزءا من أعمالها.. (وهذا حقه وخياره المحترم بكل تأكيد)..
طبعا، لا يعني هذا البتّة، محاولة الإساءة إليه أو من باب “البقرة كي تطيح.. تكثر سكاكنها”، كما يقول المثل الشعبي التونسي..
لكنّ المقصود بكل وضوح وموضوعية، طرح السؤال الأعمق، على خلفية الممارسات “الفخفاخية”، وهو: إلى أيّ مدى يمكن أن يحسب الرجل على “الحركة الديمقراطية” و“العائلة الحداثية” ؟؟
فالملف الضخم للفساد الذي يلاحقه، وقد يكون قضى على مستقبله السياسي بلا رجعة، والممارسات اللامسؤولة والمراهقة، التي أتى بها منذ تسلمه رئاسة الحكومة، لا تجعل المرء في مأمن من التساؤل حول هوية الحركة الديمقراطية، ومعايير الانتساب إليها، كما تطرح ملف الحداثة والتحديث، موضع تساؤل كبير على النخب والطبقة السياسية والمثقفين..
علينا اليوم، وبعيدا عن شيطنة الحركة الديمقراطية، أو الطعن فيها، وفي قياداتها وزعاماتها، أن تفكّر بصوت عال، وبلا مواربة:
من هي هذه العائلة الديمقراطية ؟ ومن هم المنتسبون إليها ؟ وما هي شروط الانتماء إليها ؟ وهل يكفي الموقف النقدي من التراث الإسلامي، أو من “الحركة الإسلامية”، أو من “الإسلام السياسي”، أو الانتماء لليسار، أن يكون شهادة للالتحاق أو لعضوية “الحركة الديمقراطية” ؟
لقد عرت أحداث وتطورات السنوات العشر الماضية، التي أعقبت الثورة المجيدة، الكثير ممن هم محسوبون على “الحركة الديمقراطية”، و”العائلة الحداثية”، ورأينا سلوكيات، واستمعنا إلى أفكار ومقاربات ومواقف، أقرب للفاشية، منها للديمقراطية والحداثة، وحتى العلمانية، بما هي ليبرالية في جوهرها..؟؟
لذلك تبدو “الحركة الديمقراطية”، في مفترق الطرق اليوم، فإمّا أن تصمت إزاء هذا النوع من “الديمقراطيين”، وتعتبر ذلك “مسألة شخصية”، أو أن تعيد النظر في مسألة الانتماء (ولو الرمزي) لهذه الحركة دون أيّ احتكار إيديولوجي أو حزبي أو عقائدي لهذه الحركة، التي يمكن أن تتسع لتشمل أطيافا، وأنساقا فكرية أخرى، ضمن العنوان الديمقراطي الأوسع..
لقد وضع “إلياس”، الحركة الديمقراطية في حرج شديد، ووضع “اليسار الديمقراطي الوسطي”، في موضع المساءلة السياسية والأخلاقية، ولعلّه بذلك، يدفع أقرانه من هذه “الحركة” وتلك “العائلة”، إلى الخروج عن صمتهم غير المبرر، وأن يدلوا بمواقفهم من هذا الذي حصل، لأنّه في النهاية، لا يشرفهم، ولا يشرف تاريخ الحركة..
لقد حان وقت الفرز..
أرى رؤوسا قد أينعت… وحان وقت قطافها
أو كما قال الأعشى في مدونته الشعرية التاريخية:
ودّع هريرة إنّ الركب مرتحل… وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ..

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى