أهم الأحداثبانورامامجتمع

وزارة الحكم المحلي: من حق المجالس المنتخبة تسيير شؤونها ذاتيا دون الحاجة لأية موافقة

الرأي الجديد (متابعات)

اعتبرت وزارة الشؤون المحلية، أن المسار اللامركزي هو خيار دولة بالأساس أقره الدستور وكرسته مجلة الجماعات المحلية ونصوصها التطبيقية، وذلك تعقيبا على قرار بلدية الكرم، إحداث صندوق الزكاة.

وأشارت الوزارة، في بلاغ لها اليوم الجمعة، إلى أن الدولة تعمل في إطار الإيفاء بالتزاماتها على توفير مقومات الفاعلية والنجاعة للمنظومة اللامركزية الجديدة، باعتباره خيارا وطنيا استراتيجيا لا رجعة فيه، يساهم في تدعيم أركان الجمهورية الثانية ومؤسساتها الدستورية وفي بناء ديمقراطيتها الناشئة.
واعتبرت وزارة الشؤون المحلية، أن إعطاء الجماعات المحلية المكانة التي تستحقها في إطار احترام القانون، يهدف إلى تحسين الإطار الحياتي للمواطنين، وضمان مشاركتهم في إدارة الشأن المحلي بكل مسؤولية واقتدار.
ولفت بيان الوزارة، إلى أنه للوالي إذا رأى أن القرار مخالف للقانون، ممارسة حق الإعتراض لدى المحكمة المختصة طبقا لأحكام مجلة الجماعات المحلية.

وفي ما يلي نص البلاغ:

تبعا لما تم تداوله من مواقف وآراء بخصوص إعلان بلدية الكرم يوم 19 ماي 2020 إحداث صندوق للزكاة، وإنارة للرأي العام، وجب تقديم التوضيحات التالية:

1/ على مستوى الإطار والمبادئ العامة

– يندرج الموضوع في إطار تنزيل أحكام الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية الذي خول للجماعات المحلية فتح حساب خاص لدى محاسبها العمومي لرصد محصول الهبات وتخصيصه وجوبا لتمويل أو المساهمة في تمويل مشاريع ذات مصلحة عامة.
– يكتسي الموضوع أيضا صبغة مالية ويندرج بالتالي ضمن إختصاص مصالح وزارة المالية المؤهلة قانونا لتفسير مختلف الجوانب الإجرائية الفنية ذات العلاقة بفتح الحساب الخاص.
– يستحسن تفادي إعتماد أية تفسيرات لا علاقة لها بالجانبين القانوني والمالي والتي من شأنها إضفاء أبعاد شخصية أو دينية أو عقائدية للمسألة المطروحة.
– ضرورة القيام بقراءة شاملة للنظام المالي للجماعات المحلية لوضع مسألة الحساب الخاص في إطاره العام وخاصة من حيث حرص مجلة الجماعات المحلية على تكريس المبادئ المتصلة خاصة بـ:
* حسن توظيف الموارد وفقا لقواعد الحوكمة الرشيدة (الفصل 126)، وهو ما يتطلب مسك حسابية موحدة يسهل الرجوع إليها في إطار الآليات القانونية المعتمدة في مجال المتابعة والمساءلة.
* إعداد الميزانية السنوية في وثيقة شاملة وموحدة وواضحة، على أساس تقديرات واقعية وصادقة ونزيهة تتضمن كل الموارد والنفقات ومختلف التعهدات (الفقرة 1 من الفصل130 ، وبالتالي فإنه لا فائدة من تعدد فتح الحسابات للجماعة المحلية الواحدة الذي من شأنه المساس بمبدأ وحدة الميزانية وشموليتها.
* لا يمكن لأي جماعة محلية التعهد بنفقات إذا لم تكن مشمولة باعتمادات مرخص فيها ومفتوحة بالميزانية (الفقرة 2 من الفصل 177)، وبالتالي فإن موارد الهبات تندرج ضمن إطار الميزانية إيرادا وإنفاقا.
– إن استصدار منشور وزارة الشؤون المحلية عدد 12 بتاريخ 18 ماي 2020 تم بعد التنسيق التام مع المصالح المختصة بوزارة المالية والذي تضمن الجوانب الإجرائية والفنية لتفعيل الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية بعيدا عن أية إعتبارات أخرى، وأن لا علاقة بإستصداره مع إعلان إحداث بلدية الكرم لصندوق الزكاة بل في إطار الإجابة عن إستفسارات سابقة لبعض البلديات بخصوص إجراءات إحداث حساب خاص لمجابهة تداعيات فيروس كورونا المستجد.

2/ على مستوى الجانب القانوني

إقتضت الفقرة الأولى من الفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية ما يلي: “تعمل الجماعات المحلية على فتح حساب خاص لدى محاسبها العمومي لرصد محصول الهبات وتخصيصه وجوبا لتمويل أو المساهمة في تمويل مشاريع ذات مصلحة عامة”.

وعلى هذا الأساس فإن:
– الموارد المتأتية من الهبات هي جزأ لا يتجزأ من موارد ميزانية الجماعة المحلية طبقا لأحكام الفصل 137 من مجلة الجماعات المحلية، وبالتالي فإن الهبات ليست موردا منفصلا عن موارد الميزانية.
– الحساب الخاص لا يفتح إلا لدى المحاسب العمومي التابع للدولة وليس لدى هياكل مالية أخرى على غرار المؤسسات البنكية. ويتعين في هذا المجال التفريق بين الحساب الخاص المنصوص عليه بالفصل 138 من مجلة الجماعات المحلية من جهة، والحسابات الخاصة في الخزينة وأموال المشاركة والصناديق الخاصة التابعة لميزانية الدولة مثلما عرفها القانون الأساسي عدد15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية (الفصول من 29 إلى 33) من جهة أخرى، نظرا لإختلاف طبيعة كل منها.
– الحساب الخاص مخصص لقبول الهبات، وليس لقبول موارد مالية إعتيادية التي يمكن تنزيلها بصفة عادية بالميزانية شريطة أن تكون هذه الموارد المالية مرخص للجماعات المحلية في إستخلاصها طبق القوانين والتراتيب الجاري بها العمل، وفي خلاف ذلك يكون المورد المستخلص غير قانوني.
– الحساب المذكور لا يقتصر على الهبات فقط، بل يشمل أيضا المبالغ المرصودة من قبل الأطراف التي تربطها بالجماعة المحلية علاقة شراكة طبقا لأحكام الفقرة 2 من الفصل 138 وهو ما يدعم الرأي المتعلق بوحدة الحساب إذ في خلافه يتعدد إحداث الحسابات بتعدد المجالات.
– إن الموارد المالية المتأتية من الهبات تخصص وجوبا لتمويل أو المساهمة في تمويل مشاريع ذات مصلحة عامة” وبالتالي فإنها تدرج بميزانية التنمية إيرادا وإنفاقا وتخصص للغرض الذي أحدث من أجله الحساب الخاص، ولا يمكن إستعمالها لإسناد مساعدات مالية لذوات طبيعية أو معنوية.

3/ على مستوى الجانب الإجرائي الفني

إقتضت الفقرة الثالثة من الفصل 138 ما يلي: “يتم فتح الحساب بطلب من رئيس الجماعة المحلية بناء على مداولة مجلسها. ويتعين إعلام الوالي وأمين المال الجهوي المختص بهذا القرار ويقع إعلام العموم بكل الوسائل المتاحة. كما إقتضت الفقرة الخامسة من الفصل 138 ما يلي:
يصادق مجلس الجماعة المحلية على برنامج استعمال الاعتمادات المنصوص عليها بهذا الفصل في نطاق الميزانية السنوية وتصرف هذه الإعتمادات وفق نفس القواعد والإجراءات الخاصة بنفقات الجماعات المحلية.

وعلى هذا الأساس فإنه:

– يتم على مستوى البلدية تقديم طلب في فتح الحساب الخاص من قبل رئيس البلدية بناء على مداولة مجلس الجماعة المحلية المعنية يبلغ لوالي الجهة وأمين المال الجهوي المختص ومحاسب الجماعة المحلية.
– التصرف في المال العام محجر على رؤساء الجماعات المحلية وأعضاء مجالسها المنتخبة حيث ينحصر دور رئيس الجماعة المحلية في صفة آمر قبض وصرف.
– للوالي إذا إرتأى أن القرار مخالف للقانون ممارسة حق الإعتراض لدى المحكمة المختصة طبقا لأحكام مجلة الجماعات المحلية.
– يتعين على الجماعة المحلية إعلام العموم بكل الوسائل المتاحة بقرار فتح الحساب الخاص ويكون ذلك لممارسة حق الإعتراض لمن له مصلحة في ذلك وللتعريف بالإجراء المتخذ من قبل الجماعة المحلية بغاية الإنخراط فيه.
– تولي المحاسب العمومي فتح حساب خاص لا يعني البتة ومثلما ذهب إليه البعض فتح حساب مكرر لدى نفس المحاسب ولفائدة نفس الجماعة المحلية، بل أن المصالح المختصة بوزارة المالية حددت الجانب الإجرائي الفني بمسك حسابية خاصة بهذه الموارد المتأتية من الهبات والنفقات المرتبطة بها بالنظر إلى أن تنزيل هذه الموارد يتم صلب تبويب الميزانية ويمكن الجماعة المحلية من تحقيق الغاية المرجوة من فتح الحساب الخاص بمفهومه الوظيفي وليس بمفهومه الشكلي.
– تعهد المحاسب العمومي بجمع التبرعات بحسابية الجماعة المحلية وإدراج هذه الموارد خارج الميزان (بإعتبارها لم تدرج بتقديرات الموارد والنفقات إبان المصادقة على الميزانية وهي غير قابلة للإنفاق بمجرد تحصيلها)، كما أنه لا يمكن تحديد مبلغها مسبقا، لذا وجب ضبط مدة زمنية لجمع الهبات يتم بإنقضائها ضبط المحصول النهائي وتسلم في شأنه شهادة لرئيس الجماعات المحلية.
– ضرورة مصادقة مجلس الجماعة المحلية على برنامج استعمال الاعتمادات لممارسة دوره الرقابي، وبالتالي يتعين إيجاد ترابط وتناسق بين مجالات صرف الهبات ومجال تدخل الحساب الخاص والغاية من إحداثه.
– تنقيح الميزانية إيرادا وإنفاقا على ضوء الموارد المحققة من محصول الهبات وتنزيلها بالتبويب المحدد بالتراتيب الجاري بها العمل (الجزء الخامس من العنوان الثاني – الباب 91) بإعتبارها موارد موظفة لا يجوز إستعمالها إلا في الأغراض التي خصصت من أجلها.
– تصرف هذه الإعتمادات وفق نفس القواعد والإجراءات الخاصة بنفقات الجماعات المحلية، وبالتالي فإنها تكون خاضعة لأحكام مجلة المحاسبة العمومية.
– يتم نقل فواضل هذه الحسابات من سنة إلى أخرى ما لم يتقرر خلاف ذلك بمناسبة ختم الميزانية.

وبناءا على ما تقدم ذكره،

فإن المسألة المطروحة ذات أبعاد قانونية وإجرائية فنية لا تستوجب الإنجرار وراء تأويلات أخرى من شأنها الإنحراف بالغاية التي من أجلها تم إقرار هذا الإجراء صلب مجلة الجماعات المحلية الذي يهدف إلى تمكين الجماعات المحلية من تعبئة موارد مالية خصوصية توظف لمجالات محددة بذاتها، وذلك بالإضافة للمجهود الإعتيادي الذي تبذله الجماعة المحلية إعتمادا على مواردها الذاتية ووفق ما ترسمه من أولويات وأهداف.
وهو ما يحملنا على تناول مسألة التدبير الحر التي أسس لها الباب السابع من الدستور وكرستها مجلة الجماعات المحلية بتخويل المجالس المنتخبة تسيير شؤونها المحلية بنفسها ودون الحاجة لأية موافقة مسبقة من السلطة المركزية أو ممثليها داخل مجالات إختصاصها، إلا أن هذا المبدأ قد يثير بعض المخاطر ويطرح العديد من التساؤلات حول حدوده الدستورية والقانونية، إذ لا يخول للجماعات المحلية تسيير شؤونها دون التقيد بالصلاحيات والضوابط التي حددها لها القانون ودون إخضاعها للمراقبة اللاحقة على شرعية أعمالها وقراراتها من ذلك وعلى سبيل المثال ما يتعلق بـ:
– إدارة المصالح المحلية وفق مبدأ التدبير الحر طبقا لأحكام الدستور والقانون مع احترام مقتضيات وحدة الدولة (الفصل 4 ) ومراعاة مقتضيات الدفاع الوطني والأمن العام (الفصل 22).
– إحترام مبدأ الشرعية المالية مقابل ما تتمتع به الجماعات المحلية من حرية التصرف (الفقرة 2 من الفصل 126).
– الإلتزام بالمجالات التي حددها القانون لصرف الموارد المالية وذلك بأن تخصص موارد الجماعات المحلية لسد نفقات تقتضيها إدارة الشؤون المحلية ومصلحة الجماعة المحلية المعنية (الفصل 128).
ومهما إختلفت الآراء والتوجهات، فإن المسار اللامركزي هو خيار دولة بالأساس أقره الدستور وكرسته مجلة الجماعات المحلية ونصوصها التطبيقية، كما تعمل الدولة في إطار الإيفاء بالتزاماتها على توفير مقومات الفاعلية والنجاعة للمنظومة اللامركزية الجديدة، بإعتباره خيارا وطنيا إستراتيجيا لا رجعة فيه يساهم في تدعيم أركان الجمهورية الثانية ومؤسساتها الدستورية وفي بناء ديمقراطيتها الناشئة، وذلك بإعطاء الجماعات المحلية المكانة التي تستحقها في إطار إحترام القانون، بهدف تحسين الإطار الحياتي للمواطنين وضمان مشاركتهم في إدارة الشأن المحلي بكل مسؤولية وإقتدار.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى