أهم الأحداثالمشهد السياسيوطنية

الرئيس قيس سعيّد في “مصيدة” خطابه: بين السياسي والجامعي المثقف.. البحث عن “هوية سياسية”

الرأي الجديد / كتب صالح عطية

قال رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، أنه لن يكون من دعاة “الفوضى” أو دعاة “الخروج عن الشرعية”، مشددا على أنه من حق أي مواطن “أن يطالب بأن تتقابل الشرعية مع المشروعية الشعبية”.

جاء ذلك خلال زيارته إلى الأكاديمية العسكرية بفندق الجديد من ولاية نابل، حيث نظم مائدة إفطار بحضور وزير الدفاع الوطني، عماد الحزقي، وآمر الأكاديمية العسكرية، وأعضاء المجلس الأعلى للجيوش، يوم أمس.
وجدد قيس سعيّد، الثقة في المؤسسة العسكرية، وفي استيعابها لكل أنواع العلوم العسكرية، مثمنا دورها الكبير “في المحافظة على الوطن، وعلى الشرعية، وعلى فرض احترام القانون”.
وأشار سعيّد إلى أن تقاسم موائد الإفطار مع أبناء المؤسستين الأمنية والعسكرية، “ليس مقدمة لأي شيء كما يتوهم البعض”، مؤكدا تمسكه “باحترام الشرعية والقانون كمرجع، وأن القانون لا يغير إلا بالقانون”، وفق ما أكد عليه بلاغ لرئاسة الجمهورية.
وأثارت هذه التصريحات موجة انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك).. حيث اعتبرها كثيرون، “محاولة لضرب مؤسسات الدولة، والتحريض على المؤسسات المنتخبة، ومحاولة لإقحام المؤسسات العسكرية في الخلافات السياسية”..
والحقيقة، أنه في كل مرة، يخرج فيها رئيس الجمهورية للعلن، يثير الكثير من التساؤلات والإستفهامات، وتتسبب تصريحاته في إسالة الكثير من الحبر..
وفي هذه المرة، أضاف إلى “القاموس السياسي” الذي دأب على استخدامه، مفردات جديدة، حيث قابل بين “المشروعية الشعبية”، والشرعية”..
واضح أنّ المقصود بالمشروعية الشعبية، هو رئيس الجمهورية المنتخب بغالبية شعبية هامة، وأنّ الشرعية التي أشار إليها، تعني وزارة الدفاع والمؤسسة الأمنية..
غير أنّ إطلاق مصطلح “الشرعية” بهذا المقصد، يحيل على تساؤل أساسي: هل أنّ البرلمان، الذي وجه إليه رئيس الجمهورية، انتقادات شديدة قبل يومين، مؤسسة غير  شرعية، رغم أنها جاءت بصندوق الاقتراع؟ وهل يمكن التمييز بين “الشرعيات”، أم أنّ للسيد قيس سعيّد، مفهوما آخر للشرعية، ربما لم يفصح عنه إلى الآن، ويجعل من استخدامه لهذا المفهوم، مثيرا للاستفهام من قبل محللين ومراقبين؟
ليس هذا وحسب، بل إنّ المراقبين، طرحوا تساؤلات حول لقاءات رئيس الجمهورية المتتالية والمكثفة بالمؤسستين الأمنية والعسكرية، وما إذا كان ذلك تحضيرا لشيء ما في البلاد، وهو ما يعني أنّ تحركات رئيس الجمهورية، باتت تثير قلق عديد الأطراف، خصوصا مع تسريب معلومات حول مساعي مديرة ديوانه، واتصالاتها، بغاية تشكيل ما اعتبره البعض “أمنا موازيا” للمؤسسات الأمنية الموجودة، من خلال مشاوراتها مع قيادات أمنية سابقة، بعضها مورط في الفساد أو تحوم حوله شبهات فساد، كما تداول ناشطون على فيسبوك ومغردون على تويتر، علما أنّ رئاسة الجمهورية لم توضح هذا الأمر إلى الآن..
صحيح أن الرئيس قيس سعيّد، أوضح أنّ إفطاره مع قيادات أمنية وعسكرية، ليس وراءها شيء، لكنّ ذلك لم يمنع البعض من طرح شكوكه بشأن كثافة وتراكم هذه اللقاءات..
اللافت أنّ النخب التونسية، ما تزال حساسة إزاء استعمال الأمن أو إمكانية استخدام الجيش لحسم معارك سياسية في البلاد، مثلما كان يحصل مع الرئيس الراحل، بن علي، وما حصل خلال السنوات الأولى للثورة إلى حدود 2015، حيث كان “التدخل الأمني” في الشأن السياسي، واستخدام بعض السياسيين للمؤسسة الأمنية، وتعاملهم مع كوادر في الوزارة، مثير لقلق شخصيات وطنية وأحزاب وإعلاميين، بل حتى جهات خارجية.
وتتزامن هذه المخاوف، مع تصريحات لرئيس الجمهورية، وصفت بــ “المثيرة للاستغراب”، منها دعوته لسحب الوكالة ممن خان الأمانة، في إشارة إلى مجلس نواب الشعب، وحديثه في وقت سابق عن وجود “مؤامرات تحاك في الغرف المغلقة”، دون أن يوضح من أصحاب هذه المؤامرة، ومن هم المعنيون بهذه الغرف المغلقة، وحديثه الناقد للأحزاب، التي اعتبرها “شكلا سياسيا تجاوزته الأحداث في الفكر السياسي العالمي”..
ليس ثمة شك في صدقية رئيس الجمهورية، وربما نواياه الطيبة فيما يقول، لكن اعتقادنا أنّ الرجل بحاجة إلى وقت، لكي يوائم بين ما هو سياسي، وما هو خطاب الجامعي والمثقف، وطالما أنّ وعي الرجل ما يزال لم يحسم بين الوضعين، فإننا سنقرأ وسنسمع تصريحات من هذا القبيل خلال الفترة المقبلة، دون أن يكون ــ في تقديرنا ــ شيء ما خلفها، على النحو الذي ذهب إليه البعض، إنها عملية تتصل بالحنكة المتواضعة لرئيس الجمهورية بالسياسة والخطاب السياسي، خصوصا بالنسبة لرئيس حديث عهد بالدولة ونواميسها، والرئاسة وطقوسها ومقتضياتها ..
فالسياسة، تقتضي خطابا بمعايير محددة، وليست تصريحات مثقف أو مرشح على أعتاب الانتخابات..
ولا شكّ أنّ رئيس الجمهورية، يحرص على تقديم نموذج جديد في الخطاب السياسي، يعتمد على الوضوح والصدقية والشفافية، وهو في هذا المجال، ضدّ الخطاب السياسي التقليدي، الذي استنكف منه الرأي العام الوطني، وبات محلّ حنق وتندّر من قبل عديد المتابعين، لأنه فقد معانيه، وثقة الناس فيه، بعد سلسلة الأكاذيب والمغالطات، وأشكال التردد والتلاعب، التي تمرس عليها من الثورة إلى الآن..
وينبغي للمرء أن يكون واضحا في هذا السياق، فالخطاب السياسي السائد، لم يعد منتجا إلا للاحتقان، وفوضى التصريحات والتجاذبات السياسية، والمناكفات الحزبية، التي باتت تهدد مصالح الدولة ومصير شعبها..
غير أنّ هذا الخطاب السياسي الجديد، الذي يرنو إليه رئيس الجمهورية، ما يزال يبحث له عن “هوية سياسية”، و”أسلوبا اتصاليا” جديدا، ففي السياسة ليس كل ما تفكر فيه، يمكن أن يترجم إلى تصريحات، فثمة منطق الدولة، وكاريزما الرئيس، ولغة الرئاسة، وواجب التحفظ، وأسرار الدولة، والحفاظ على “شعرة معاوية” في علاقة الرئاسة بكافة الطيف السياسي، بشكل لا يفقدها دورها الجامع، ومسؤوليتها في الحفاظ على وحدة الموقف الوطني، إزاء القضايا الوطنية والإقليمية والدولية..
ونعتقد أنّ الأشهر والأعوام القادمة، ستغيّر من “الفكر السياسي” للرئيس، ومن “أسلوبه” الراهن في التعاطي مع الشأن الوطني.. فالدربة على ممارسة مهام الرئاسة، ستمكنه من “تعديل” خطابه الذي يتسم بكثير من المباشرتية، وأسلوبه الذي يحتاج إلى فكر اتصالي جديد، بعيد عن الأساليب التقليدية، والميكانيزمات القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب.
موقعك سيدي الرئيس، يحتاج إلى عناصر خطابية جديدة، وسياسة اتصالية تليق برجل لم يدخل القصر لكي يكون جزءا من صراعات الماضي وحساباته، ولا أحد شخوصه ومكوناته، التي بات ينظر إليها، كجزء من المشكل، وليست طرفا في الحلّ، كما يفترض أن لا تكون عليه رئاسة الجمهورية..
ولنا عودة أعمق إلى هذا الموضوع…

 

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى