أحداثأهم الأحداثحوازاتدولي

فاروق القدومي: “كورونا” كشفت أنّ قوة الولايات المتحدة والدول العظمى أصبحت مهددة بالانكماش والتراجع

تونس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)

أكد فاروق القدومي، رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ “كورونا”،  كشفت أنّ قوة الولايات المتحدة والدول العظمى، أصبحت مهددة بالانكماش والتراجع على جميع المستويات.
وأوضح أنّ الأزمة الحالية، كشفت هشاشة كل منظومات القوة التقليدية، وتبيّن أن فيروسا صغير جدّا، يمكن أن يفجر “الحرب البكتيرية” الأخطر..

وشدد “الشيخ الحكيم”، أنّ الدول الخليجية بوجه خاص، والعربية بشكل عام، ستحرر من “الخوف من الغول الأمريكي”، ومن “القوة الأمريكية التي لا تقهر”، و”القوة الإسرائيلية التي لا تهزم”..
وتوقع القدومي، بأن تدفع أغلب دول العالم والدول العربية والإفريقية والإسلامية، على الانفتاح أكثر على الصين وروسيا واليابان وعلى “الدول الصاعدة”، بما فيها الهند وكوريا وإيران وتركيا..
وحول تقييمه للتطورات الأخيرة، المسجّلة في العالم العربي، وبخاصة “الربيع العربي”، قال رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ هذه الثورات، وقع توظيفها من قبل بعض اللوبيات الدولية والإسرائيلية، لفرض نفقات وسياسات وتحالفات، لم تكن في صالح شعوب المنطقة ودولها..
واعتبر القدومي، أنّ الوقت حان، لبناء نظام إقليمي جديد، تساهم العواصم العربية في صنعه ورسم ملامحه، ولا يفرض عليها من جهات متنفذة في مؤسسات عسكرية صناعية في الحلف الأطلسي أو إسرائيل..

وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه موقع “العربي21″…

ـــ كيف يتابع المناضل الوطني والسياسي المخضرم والخبير الكبير في السياسة الدولية فاروق القدومي، المستجدات العالمية بعد انتشار “فيروس كورونا” وتسببه في خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة؟

** نعيش اليوم حربا عالمية من نوع خاص.. لقد عشت طفلا الحرب العالمية الثانية ثم كل الحروب العربية ـ الإسرائيلية منذ 1948 وكل حروب إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني البطل.. وواكبت عددا كبيرا من الحروب والنزاعات، وحضرت كمّا هائلا من مؤتمرات القمة الدولية والعربية والإسلامية والإفريقية..
لكن ما نعيشه اليوم، هو حرب مختلفة من حيث وسائلها ودلالتها وأسلحتها.. حرب غير تقليدية همش فيها دور المؤسسات العسكرية العملاقة بما في ذلك دور الجيش والترسانة النووية والحربية في الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول الحلف الأطلسي..
إنها حرب كشفت أن دور “العمالقة” الحاليين قد يكون انتهى.. وسيتراجع في كل الحالات.. بدءا من دور العملاق الأمريكي والأطلسي ..
كانت واشنطن تحمي نفوذها السياسي والاقتصادي الدولي بالاعتماد على تفوقها العسكري وحاملات الطائرات وتقدمها النووي والعلمي وفي مجال اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات.. فكشفت الأزمة الحالية هشاشة كل منظومات القوة التقليدية، وتبين أن فيروس صغير جدا يمكن أن يفجر “الحرب البكتيرية” الأخطر.. ويتسبب في غلق أغلب المطارات والموانئ والشوارع والمدن في العالم أجمع.. ويتسبب في خسائر كبيرة وغير مسبوقة في الأرواح والأموال..
إنه مؤشر على أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية والدول العظمى، أصبحت مهددة بالانكماش والتراجع على كل المستويات..

رابحون وخاسرون
ـــ بمنطق الربح والخسارة.. من هم الرابحون والخاسرون في المشهد السياسي الدولي بعد هذه الحرب “ضد كورونا”؟ وكيف تستشرف تطور موازين القوى والعلاقات الدولية بعد السيطرة على هذا “الوباء” ورفع الحجر الصحي الشامل المفروض لأول مرة على مليارات من البشر؟

** أعتقد أن الأوضاع الجيو سياسية سوف تتغير عالميا.. وستكون الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العظمى أكثر المتضررين.. من التحولات الجيو استراتيجية الدولية والإقليمية..
سوف “ينكمش” الدور الأمريكي وحجم إسرائيل ويتراجع نتيجة ذلك الخوف الذي انتشر في عدة عواصم عربية وفي دول العالم من بعض اللوبيات المتطرفة التي تحكم أمريكا حاليا والتي تضغط لصالح سلطات الاحتلال الإسرائيلية..
وسوف تحرص الدول الخليجية خاصة والعربية عامة على التحرر من “الخوف من الغول الأمريكي” ومن “القوة الأمريكية التي لا تقهر” و”القوة الإسرائيلية التي لا تهزم”.. بما سيعني تراجع تأثير اللوبيات الأمريكية المتطرفة واللوبيات الصهيونية على مؤسسات صنع القرار في العالم وفي الوطن العربي وبصفة أخص في بعض الدول العربية والأفريقية والإسلامية والخليجية..
وسينقص بالضرورة الرهان في أغلب العواصم العربية والإفريقية والإسلامية على اللوبي الصهيوني خوفا وطمعا.. من سلطات تل أبيب ومن اللوبيات التي تقف وراءها في واشنطن..
في نفس الوقت سوف تنفتح أغلب دول العالم والدول العربية والإفريقية والإسلامية أكثر على الصين وروسيا واليابان وعلى “الدول الصاعدة” بما فيها الهند وكوريا وإيران وتركيا..

سمعة واشنطن في الميزان
ـــ تبدو واثقا من أن القوى الأعظم في العالم والأكثر تأثيرا عربيا، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، سوف تكون الخاسر الأكبر من أزمة “كورونا”، ما هو رأيك في من يعتبر أن هذه القوى لديها احتياطي اقتصادي وعسكري ضخم وتقدم علمي بما سوف يضمن خروجها من الأزمة الحالية بأقل الأضرار؟

** أعتقد أن الأمور ستتغير إيجابا في المنطقة وعالميا في ظرف عام.. لأن المتغيرات الجيو سياسية تأخذ وقتا..
الجميع يتساءل منذ عقود: حتى متى سوف تتابع سلطات الاحتلال الإسرائيلية سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني ودول المنطقة؟
وحتى متى سوف تواصل إسرائيل سياسة التوسع والتمدد عربيا وإفريقيا وإسلاميا بصيغ رسمية وغير معلنة؟
الأنظمة العربية والإفريقية منزعجة من تضخم التدخل الإسرائيلي ومن تزايد دور اللوبيات المتطرفة في الولايات المتحدة ..
وأعتقد أن دول الخليج ستسعى لخدمة مصالحها وسوف تعمل على الحد من “التمدد الإسرائيلي” و”غطرسة إدارة ترامب” في المنطقة تحت يافطات عديدة من بينها “التصدي للخطر الإيراني”.. ولو كان الثمن الصمت على قراراتها بشأن القدس والجولان السوري المحتلين ..
لقد فهم السياسيون العرب أن افتعال التناقضات الداخلية عربيا وإسلاميا وفلسطينيا، لا يفيد إلا خصومهم وأعداءهم… وأن انكماش الولايات المتحدة وانغلاقها المرتقب على شؤونها الداخلية سوف يضعف مخططات “الامتداد الإسرائيلي” عربيا
ودوليا ..
إن سمعة واشنطن وتل أبيب وحلفاءهما في الميزان بعد كورونا.. معطى يمكن أن يستفيد منه قادة الدول النامية وحركات التحرر الوطني، بما في ذلك من حيث تنويع شركائهم والانفتاح أكثر اقتصاديا وسياسيا على الدول العربية والإسلامية، وعلى روسيا والصين وعلى إيران الإسلامية واليابان ودول أوروبا الشرقية وألمانيا واليابان ..

روسيا والصين
ـــ يجري الحديث منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية وحربي الخليج في 1991 و2003 و”ثورات الربيع العربي” في 2011 عن نظام إقليمي جديد ونظام دولي جديد، هل ترى أن تغييرا عميقا سيتحقق في اتجاه إعادة تشكيل هذين النظامين؟

** شعوب المنطقة وحكام العالم فهموا بعد أزمة كورونا أن العالم الذي يتحكم فيه “قطب واحد” بزعامة الولايات المتحدة عالميا وإسرائيل إقليميا انتهى.. وولى عهده..
النظام العالمي الجديد سوف يتشكل بوضوح في ظرف عام من الآن.. بعد أن يتأكد انكماش الدور الأمريكي والإسرائيلي وتراجع الحاجة إلى النفقات العسكرية التي فرضتها مؤسسات صنع السلاح الأمريكية والأوروبية على العالم وخاصة على الدول الإفريقية والعربية والإسلامية..
وقد فهم ساسة المنطقتين العربية والإفريقية ودول “عدم الانحياز” أن بعض الدول مثل الصين وروسيا والهند وإيران وتركيا يمكن أن تعدل الكفة.. رغم تناقضات مصالحها حول بعض الملفات وخاصة في دول محورية ومهمة جدا مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي..
لكن الجميع فهم أن “الربيع العربي” وقع توظيفه من قبل بعض اللوبيات الدولية والإسرائيلية لفرض نفقات وسياسات وتحالفات لم تكن في صالح شعوب المنطقة ودولها.. كانت حصيلة الأعوام العشرة الماضية حروبا ودمارا في سوريا والعراق وليبيا واليمن وقلاقل ومصائب في دول أخرى.. وحان الوقت لبناء نظام إقليمي جديد تساهم العواصم العربية في صنعه ورسم ملامحه ولا يفرض عليها من جهات متنفذة في مؤسسات عسكرية صناعية في الحلف الأطلسي أو إسرائيل..
وفي كل الحالات أعتقد أن الترحيب سيكون كبيرا بزيادة دور روسيا والصين في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا والوطن العربي الإسلامي الكبير..

دور الهند
ـــ وماذا عن الهند.. القوة الصاعدة دوليا التي تحتل المرتبة الخامسة دوليا اليوم وترشح نفسها لأن تكون الثالثة قبل عام 2030؟

** الهند كانت في عهد غاندي وزعمائها السابقين زعيمة “دول عدم الانحياز” وصديقة لقضايا التحرر الوطني في العالم..
وقد تقدمت اقتصاديا، لكن يبدو أن ساستها مترددون سياسيا.. وتبدو ضحية الضغوطات التي تمارس عليها في سياق حرصها على الاستفادة من مزايا الانفتاح الاقتصادي الامريكي والاوربي على منتوجاتها ومستثمريها..
لكن الهند قد تستفيد بدورها من انكماش الدور الأمريكي والإسرائيلي.. قد تلعب دورا أكبر.. لكنها تبدو حذرة جدا..

حذر روسيا والصين
ـــ لكن سياسات روسيا والصين و”الدول الصاعدة” حذرة بدورها نسبيا.. وسلوكيات ساستها خلال الأزمة التي فجرها فيروس كورونا تؤكد ذلك..

** صحيح .. لكن في كل الحالات فإن معطيات كثيرة ترجح تزايد دور روسيا والصين عالميا وفي المنطقة المتوسطية وفي الدول العربية والإسلامية والإفريقية..
صحيح أن خلافات ثانوية برزت بعد مسار “أستانة” في كازخستان عن سوريا الذي ساهم في تأسيس “محور شرقي” تتزعمه روسيا ويضم تركيا وإيران.. وصحيح أن الصين لديها مصالح في مناطق مختلفة من العالم بما في ذلك في أمريكا وأوروبا..
لكنني أعتقد أن روسيا والصين سوف تدعمان علاقاتهما مع الدول العربية والإفريقية ومع بلدان أوروبا الشرقية وبلاد البلقان وبعض دول أوروبا الغربية بزعامة ألمانيا..
وسترحب ألمانيا بالانفتاح شرقا في مرحلة خرجت فيها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكشفت فيها أزمة “كورونا” محدودية التضامن الأوروبي ـ الأوروبي..
وقد أثبتت روسيا بعد حوالي 10 أعوام من انهيار جدار برلين أنها لاعب دولي كبير.. وأثبت أداء حكام الصين الجدد بمناسبة الحرب على “كورونا” أنهم قادمون.. وسيحققون انتصارات جديدة اقتصاديا وسياسيا وعلميا وطبيا..
قامت روسيا والصين بمبادرات رمزية وقوية تجاه إيطاليا وإسبانيا وإيران والدول الأكثر تضررا من وباء كورونا، بما سوف يمهد لدور أكبر يلعبانه لاحقا ..

سوريا والعراق وليبيا واليمن
ـــ وهل تتوقع أن تنفرج الأوضاع الأمنية والعسكرية والإنسانية “بعد كورونا” في البلدان العربية التي تعاني من حروب مدمرة منذ حوالي عشرة أعوام مثل سوريا وليبيا واليمن.. ومنذ 40 عاما مثل العراق؟

** نتمنى ذلك ..
لكن الأطراف المتدخلة كثيرة.. وقد تكون كل التطورات رهينة “الانكماش الأمريكي والاسرائيلي” وترفيع مستوى الحضور الصيني والروسي في المنطقة ..
عندما تتأكد الأطراف التي انخرطت في الحروب التي وقع تفجيرها في سوريا والعراق واليمن وليبيا أن هذا الانكماش أصبح أمرا واقعا سوف تغير أولوياتها وتعتمد أكثر على الدول الشقيقة والصديقة عوض أن تتحالف مع “الآخر” ضدها..
سوريا رقم صعب في المنطقة وبين الدول المجاورة لفلسطين المحتلة وللبنان والأردن والعراق.. ولا يمكن أن تظل طويلا في هذه الوضعية.. ولا يمكن إلا أن تكون في صف دعم المقاومة الفلسطينية والانتصار لحركات التحرر الوطني.. وقد استفادت من تحالفها مع روسيا وإيران ..

الوحدة الفلسطينية ..
ـــ وماهي آفاق تفعيل الوحدة الوطنية الفلسطينية؟ هل تستفيد الأطراف المتصارعة في الضفة الغربية وغزة من المناخ الجديد فتجمد تناقضاتها الثانوية وتمضي في تكريس تعهداتها بتفعيل الوحدة الفلسطينية وتنظيم الانتخابات المؤجلة؟

**  نتمنى ذلك ..
لكن يبدو أن كثيرا من الإخوة في فلسطين لم يستوعبوا بعد كثيرا من دروس الماضي.. ولم ينخرطوا بعد في مسار الإصلاحات المطلوبة وبينها تكريس الوحدة الوطنية.. والتوافق حول أولويات التحرر الوطني والكفاح المشترك من أجل إنهاء الاحتلال  ..

المصدر: موقع “العربي21”

 

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى