أهم الأحداثتقاريردولي

اندثار تنظيم “داعش” في المنطقة العربية.. العوائق والمخاطر

نيويورك ــ الرأي الجديد (مواقع)
يُناقش “جيمس فيريني” (الصحفي بمجلة “نيويورك تايمز”) في كتاب بعنوان “يجب أن يموتوا الآن: الموصل وسقوط الخلافة” نشأة تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق، وأسباب تأييد بعض العراقيين له في وقت، ثم إعراضهم عن مساندته في مرحلة لاحقة، وتفاصيل معركة الموصل التي أنهت سيطرة التنظيم في العراق، ومستقبل التنظيم في الوقت الراهن، والسياسات التي من شأنها الحد من صعوده مجددًا.
تأتي أهمية هذا الكتاب في ظل اهتمام الكثيرين بمستقبل التنظيم الإرهابي بعد مقتل زعيمه “أبو بكر البغدادي” على أيدي قوات أمريكية، وما إذا كان اختفاء زعيمه الذي قاد سيطرة “داعش” على مساحات شاسعة في العراق وسوريا مع بداية ظهوره، يعني اختفاء التنظيم، وأننا أمام مرحلة جديدة من اندثار التنظيم.

محفزات الصعود:

يشير “فيريني” إلى أن الصورة الإعلامية عن تنظيم “داعش” الإرهابي، لا تضع الأمور في نصابها الصحيح، باستثناء قلة قليلة من الإعلاميين الذين اختبروا الوضع على أرض الواقع. فيوضح أن صراع التنظيم هو صراع عنيف على السلطة أكثر منه صراعًا دينيًّا، حيث يرى أن الأيديولوجيا الدينية تمثل النقطة الأخيرة في تحديد هوية التنظيم الإرهابي.
ويضيف أن نشأته تعود بشكل كبير للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والسياسات الخاطئة التي استُخدمت في السابق، فضلًا عن دور رئيس الوزراء العراقي السابق “نوري المالكي” في تغذية النظام الطائفي بالعراق، واستغلال تنظيم “داعش” إخفاقات النظام السابق لدعم موقفه، وتقديم نفسه على أنه بديل جديد يمكنه الحكم بصورة عادلة.
يذكر المؤلف أن ظروف وملابسات نشأة التنظيم الإرهابي في العراق تختلف عن سوريا. ففي الأخيرة كانت أعمال العنف الدموية والصراعات الناجمة عن ممارسات نظام الرئيس السوري “بشار الأسد” ومحاولته إخماد الثوار سببًا رئيسيًّا في صعود التنظيم بسوريا. بجانب اشتراك الدولتين في سوء الأنظمة السياسية، فحكوماتهما لا تُعلي من شأن مبادئ المواطنة، وبالتالي كانت هناك حالة من حالات البغض المتنامية في نفوس الشعوب جراء انتهاكها وسوء معاملتها من قبل حكامها.
ويرى “فيريني” أن سوء إدارة الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” للحرب العراقية، وتشويه صورة الديمقراطية الأمريكية، تسببت في تخبط إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”، وجعله غير قادر على اتخاذ أي موقف إزاء الممارسات الدموية من قبل النظام السوري، خصوصًا بعدما ساءت سمعة الولايات المتحدة في المحافل الدولية، جراء انتهاكها للمنظمات الدولية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وعدم اتباعها مبادئَ الديمقراطية، فضلًا عن نضوب الموارد الأمريكية الحربية.
ويوضح المؤلف دور الرئيس السوري “بشار الأسد” في وضع البذور الأولى لنشأة تنظيم “داعش” الإرهابي، فأثناء الحرب الأمريكية على العراق، كان “الأسد” يعمل على تزويد المتطرفين بالسلاح والمال لتنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية في العراق، ثم قام لاحقًا بزجهم في السجون لإعادة استخدامهم عند الحاجة، وهو ما تحقق مع بدايات الثورة السورية، حينما تم إخراج هؤلاء المتطرفين المسلحين من السجون لمساعدة النظام السوري في ردع المتظاهرين، وتخييرهم بين نظامه وبين انتشار الإرهاب.
ويذكر “فيريني” أنه لو لم يتحقق سيناريو غزو الولايات المتحدة للعراق، لما أصبح أرضًا خصبة لنمو التنظيم الإرهابي، ولربما تغير مسار الأحداث في سوريا والعراق وفقًا للمؤلف، فربما كان من الممكن توحد الثوار بسوريا والعراق اعتراضًا على نظامي “صدام حسين” و”بشار الأسد”، إلا أن الغزو الأمريكي للعراق قد ساهم في زيادة الوضع سوءًا.
ويستطرد المؤلف موضحًا أن الفراغ الذي خلفه الغزو ملأته القوى “السنية المتطرفة” التي أرسلت جنودها لسوريا لاستكمال مهمتها في ترويع الشعب، فضلًا عن أنه ساعد على زيادة التغلغل الإيراني وتجنيد الشيعة بالعراق، واستخدامهم لاحقًا لدعم نظام “بشار الأسد”.

معركة الموصل:

ينتقل “فيريني” في جزء من مؤلفه ليروي رحلته للموصل، والتي كانت تتم إلى جانب قوات مكافحة الإرهاب بالعراق، وهي مجموعة تنتمي للحكومة العراقية، وتم تدريبها بواسطة القوات الأمريكية. ويشير إلى تاريخ استيلاء تنظيم “داعش” على المدينة التي تعد من أكبر المدن العراقية في صيف 2014. ويضيف أن ذلك مثل صفعة للقوات العراقية من جانب وللمجتمع الدولي من جانب آخر، وأدى لنشوب حرب تُعرف بحرب الموصل والتي استغرقت قرابة العام (أكتوبر 2016 – يوليو 2017).
ويرى المؤلف أن الاستيلاء السابق للتنظيم على مدينة الموصل كان أمرًا طبيعيًّا في ضوء السلوك الفاسد الذي اتبعته حكومة “المالكي”، ما جعل “داعش” بالموصل السبيل لتخلص العراقيين من سوء إدارة النظام، والذي نتج عنه إزهاق روح نحو 20 ألف جندي عراقي بين عامي 2014 و2016.
ولتوضيح هذه النقطة سرد المؤلف إحدى القصص الإنسانية بالمخيمات، حيث يحكي عن قصة الأخوين الداعمين للتنظيم والمقيمين بمخيمات اللاجئين وهما “أبو عمر” و”أبو فهد”، فهما شقيقان من الطبقة الوسطى وبمنتصف العمر، الأول قُتلت زوجته على يد تنظيم “القاعدة” في عام 2005، بينما الثاني الذي عمل سابقًا كطبيب بالجيش قُتلت زوجته بعام 2006 على يد القوات الكردية بالتعاون مع القوات الأمريكية التي استهدفت سيارته. ويحكي “أبو فهد” أنه لم يكن بالشخص المتعصب ذي الرؤية الثورية، إلا أن رؤيته للغزو الأمريكي وانهيار العراق، حولت الموصل من يوتوبيا إلى جحيم؛ مما دفعه لدعم “داعش” بالموصل أملًا في أي تغيير.
وقد قدم “فيريني” في مؤلفه شرحًا لطبيعة حرب الموصل التي ضمت كمية هائلة من السلاح المتقدم الذي تم استخدامه، فضلًا عن أساليب التواصل المتنوعة التي كانت تتم بين القوات المشتركة في الحرب، وعن تعاون القوات العراقية مع القوات الخاصة الغربية لضبط عمليات الاستهداف الجوية، موضحًا أن تلك الحرب خلفت وراءها عددًا لا يستهان به من المدنيين، حيث يشير إلى أن غارة واحدة على “داعش” تسببت في سقوط 150 مدنيًّا بالموصل.

ماذا بعد “داعش”؟

يختتم “فيريني” مؤلَّفه بانتقاد النظرية الأمريكية التي تؤسس على أن وجود مقاتلين من السكان المحليين ضد “داعش”، سيجعلهم أكثر حرصًا على عدم عودتها مرة أخرى، موضحًا أن هذا ليس صحيحًا بالضرورة.
فعلى الرغم من جهود القوات لمنع تدمير الموصل، إلا أن الحرب خلفت دمارًا على المدينة والسكان، وهو الأمر الذي قد يدفعهم لكراهية الجنود. كما أن الجنود قُتل منهم الكثير وهو الأمر الذي يدفعهم لكراهية سكان الموصل، مما قد يتسبب في نشوب صراعات مستقبلية. ومع هزيمة “داعش” عسكريًّا وككيان سياسي، فإن أتباعه لا يزالون موجودين في مناطق متعددة بسوريا والعراق، وعلى أتم الاستعداد لتنفيذ عميات إرهابية.
لذا، فالمخرج العراقي الآن من تبعات تلك الحرب -وفقًا للمؤلف- بعيدًا عن النظرية الأمريكية يتمثل في خلق لغة تعايش بين العراقيين، وإحياء مبادئ المواطنة، إضافة إلى خلق نظام حكم سياسي ينأى عن الطائفية، وهنا ستتولد الرغبة الوطنية المشتركة لنبذ “داعش” وكل مظاهر الإرهاب والطائفية. وقد تحقق هذا النموذج في مدينة سامراء بعد الحرب على الميليشيات الشيعية، حيث باتوا الآن يعيشون في سلام مع السنة.
وختامًا، يخلُص المؤلف في كتابه إلى أن السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لعبت دورًا كبيرًا في صعود تنظيم “داعش”، لكن لا يمكن إغفال دور بعض الأنظمة في المساعدة على بلورة تلك الجماعات بحجة استخدامها لتنفيذ مخططاتها في المنطقة، ناهيك عن أن غياب مبادئ المواطنة سيعمل على خلق المزيد من الجماعات الإرهابية.

موقع “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى