أحداثأهم الأحداثدولي

منخفض ممطر.. سيول من الأمطار.. والنازحون في غزة يستغيثون

غزة ــ  الرأي الجديد

تفاقمت معاناة سكان قطاع غزة، ولا سيما النازحين، مع بلوغ المنخفض الجوي “بايرون” ذروته اليوم، وأسفر الطقس القارس عن وفاة طفلة رضيعة بسبب البرد، وانهيار منزل.

وأدت الأمطار الغزيرة والرياح العاتية، إلى إغراق واقتلاع العديد من الخيام وانهيار مساكن كانت متضررة أصلا من الغارات الإسرائيلية.

وانهمرت الأمطار على غزة كأنها تنسكب من قرب ماء، واستمر التساقط معظم ساعات النهار. وبين فترات التوقف القصيرة، هرع السكان إما للنزوح إلى مناطق أقل عرضة للغرق، أو لتدعيم خيامهم التي أطاحتها الرياح، أو لتصريف المياه المتجمعة حولها.

الموت بردا
تضاعفت المأساة الإنسانية في مختلف مناطق قطاع غزة، إذ لم يجد السكان ما يقي أجسادهم وأجساد أطفالهم من البرد في ظل النقص الحاد في الملابس الشتوية والأغطية وفقدان أي وسائل للتدفئة. وأفادت مصادر طبية بوفاة الطفلة الرضيعة رهف أبو جزر، البالغة ثمانية أشهر، جراء البرد القارس أثناء مكوثها مع عائلتها النازحة في خان يونس جنوب القطاع، في مشهد يلخص حجم الظروف القاسية التي يعيشها السكان.

وتداولت منصات التواصل مقطعا لطفل غمرت مياه الأمطار خيمة أسرته، وقد ابتلت ملابسه بالكامل بينما يجلس على كرسي خشبي وأقدامه تغوص في المياه، مشبكا يديه بحثا عن أي قدر من الدفء، وأرفق المقطع بعبارة تقول إن للخذلان ثمنا.

وقال أحمد الأسطل، وهو أحد من فقدوا منازلهم ويقطن حاليا في منطقة المواصي غرب خان يونس، إن هطول المطر يفرض على العائلات البقاء في حالة يقظة مستمرة، موضحا أنهم يضعون أواني الطعام تحت كل موضع يتسرب منه الماء من أعلى الخيمة، ويخرجون على مدار اللحظة لدفع المياه المتجمعة بعيدا عنها. وبرغم هذه الجهود، يؤكد أن العديد من الخيام تضررت وغرقت، مضيفا أنه يخشى على أطفاله من البرد الشديد في ظل غياب أي وسائل للتدفئة، وسط مخاوف من إشعال النار داخل الخيام المصنوعة من البلاستيك.

التدفئة ممنوعة
اضطرت عائلات عديدة إلى لف أطراف أطفالها وكبار السن بأكياس بلاستيكية قبل إلباسهم الجوارب، في محاولة لتخفيف وطأة البرد. ويقول إبراهيم عبد العزيز، رب أسرة نازحة تقيم في إحدى خيام الجنوب، إن أطفاله أمضوا الليلة الأولى للمنخفض وهم يرتجفون، مضيفا أنه جمعهم متلاصقين وغطاهم بكل ما توفر من أغطية، بعد إلباسهم كامل ما يملكون من ملابس شتوية. ويشير إلى أن ما يشهده القطاع لم يحدث منذ بداية الحرب، مستذكرا أيام ما قبلها حين كانت أسرته تسكن في منزل إسمنتي يحميهم من تسرب المياه ويخفف حدة البرد، وكانت تتوفر فيه وسائل التدفئة على اختلافها.

وبفعل انقطاع التيار الكهربائي منذ اندلاع الحرب، ونفاد الوقود في ظل الحصار الإسرائيلي، فقد السكان القدرة على تشغيل أي من وسائل التدفئة الكهربائية أو تلك البدائية التي تعمل بالسولار.

ومع استمرار الهطول الغزير للأمطار، غمرت المياه العديد من مناطق النزوح الجديدة، وشُرِّد مزيد من السكان بعد أن أتلفت خيامهم أو اقتلعتها من أماكنها. واضطر كثيرون إلى اللجوء إلى مراكز إيواء مكتظة تفوق طاقتها بأضعاف، أو إلى منازل ضيقة لدى الجيران والأقارب، ما عمّق مأساتهم الممتدة منذ أكثر من عامين.

مشاهد مأساوية
وفي مدينة غزة، أدى اشتداد الأمطار إلى انهيار منزل مكوّن من ثلاثة طوابق في حي النصر غرب المدينة، كما أفاد سكان بحدوث انهيارين آخرين في مخيم الشاطئ غربا وتل الهوى جنوبا، وهي مبانٍ كانت قد تضررت بفعل الغارات الإسرائيلية خلال الحرب. وحذّر جهاز الدفاع المدني السكان من الإقامة في المنازل المستهدفة سابقا، مؤكدا أنها آيلة للسقوط وتشكل خطرا كبيرا في ظل تأثيرات المنخفض الجوي.

وخلال الساعات الماضية، سُجلت مشاهد مأساوية بعد أن غمرت المياه مناطق واسعة من تجمعات النزوح وكذلك الأحياء السكنية المتضررة من الحرب، خاصة بعد تدمير الاحتلال للبنية التحتية، بما في ذلك شبكات تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي.

وتحت الأمطار المتساقطة وفي درجات حرارة منخفضة للغاية، نشر المواطنون العديد من المناشدات عبر منصات التواصل الاجتماعي، موثقين لحظات غرق الخيام ومحاولاتهم المستمرة للتخلص من كميات المياه التي داهمت أماكن نزوحهم.

استغاثة وقف المطر
وظهر رجل يتكئ على عكازات طبية نتيجة إصابة تعرض لها خلال الحرب خلّفت له إعاقة دائمة، وهو يقف أمام خيمته المتضررة يلوح بيده ويصرخ باكيا: “يا رب وقف المطر، يا رب أغث أهل غزة، غرقنا يا عالم”. وفيما كان سكان غزة قبل الحرب يتضرعون لنزول الغيث، باتوا اليوم يستجدون توقفه خشية الغرق والبرد.

ونشر مواطنون مقطعا لرجلين يحاولان، تحت المطر المنهمر، دفع كميات كبيرة من المياه التي شكّلت بركا حول أماكن نزوحهم وتسربت إلى داخل خيامهم.

وتقول يسرى، المكنّاة أم زين، وتقيم في إحدى مناطق النزوح غرب مخيم النصيرات، إن الجميع كان يدرك أن الخيام لن تصمد أمام الأمطار، لكنها تسأل: “أين نذهب؟ لو توفر لنا أي مكان آخر لما بقينا في الخيام”. وتشير إلى أن خيمتها لم تستطع مقاومة الرياح العاتية التي اقتلعتها، وغمرت المياه كل ما فيها من ملابس وأغطية. وتوضح أنها اضطرت لحمل أمتعتها المبتلة واللجوء إلى منزل قريب قضت فيه وأسرتها ساعات الليل بانتظار تحسن الظروف.

وفي غرب مدينة غزة، لم يجد النازح إبراهيم شعبان، القادم من جباليا، ما يمكنه من إصلاح خيمته التي انهارت بفعل الأمطار. ويقول إنه قضى الليل ممسكا بأحد أركان الخيمة تارة، ويضع عليها حجارة لتثبيتها تارة أخرى، إلى أن بزغ الفجر. ويعرب عن مخاوفه من الساعات القادمة مع ظهور سحب داكنة محملة بالمزيد من الأمطار، مؤكدا أن الخيمة أصبحت منزله الوحيد وفقدانها يعني تشرده وأطفاله في الشارع. ويعيش، مثل آلاف النازحين، داخل خيمة مهترئة مزقت العوامل الجوية أجزاء واسعة منها.


وسجلت أغلب حالات غرق الخيام في مناطق مواصي خان يونس، والبصة والبركة في دير البلح، والسوق المركزي في النصيرات، إضافة إلى منطقتي اليرموك والميناء في مدينة غزة.

ويحذر محمود بصل، الناطق باسم جهاز الدفاع المدني، من أن المنخفض سيستمر حتى نهاية يوم الجمعة مصحوبا بأمطار غزيرة تشكل خطرا كبيرا على النازحين المقيمين في خيام بالية. وقال في تسجيل مصور مخاطبا العالم إن “غزة تعيش لحظات خطيرة جدا ولحظات كارثية، وعليكم إدراك حجم هذه المأساة والتحرك فورا لإنهائها في ظل واقع مرير للغاية”.

وأشارت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” إلى أن هطول الأمطار يزيد من معاناة مئات آلاف النازحين، موضحة في منشور على فيسبوك أن الشوارع المغمورة بالمياه والخيام المبتلة تفاقم الأوضاع المعيشية المتدهورة أساسًا، وتزيد من المخاطر الصحية. وأضافت أن البرد القارس، والاكتظاظ، وانعدام النظافة يعززون خطر الإصابة بالأمراض والعدوى، مشددة على أن هذه المعاناة يمكن الحد منها عبر تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما في ذلك المواد الطبية ومستلزمات المأوى الملائمة، لمساعدة العائلات على مواجهة الشتاء بأمان وكرامة.

إضغط هنا لمزيد الأخبار

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى