صحافة إيران: مستقبل الشرق الأوسط.. “مثلث ذو قاعدة متزعزعة”

واشنطن ــ الرأي الجديد
يمكن تفسير زيارة محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن ضمن فصل جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.
ومن منظور نظريات العلاقات الدولية، يمكن تحليل مقاربة واشنطن تجاه الرياض في إطار سياسة “الموازنة من بعيد”، كما يمكن تفسير مقاربة السعودية تجاه الولايات المتحدة ضمن سياسة “التحوّط”.
وقال محمد حسيني، السفير الإيراني السابق لدى المملكة العربية السعودية وخبير كبير في الدراسات الإقليمية، في مقال نشره على دبلوماسي إيراني، إن الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة في السياسة الدولية تقوم على حفظ الهيمنة ومنع ظهور قوى مهيمنة إقليمياً. وتتحقق هذه الاستراتيجية عبر “موازنة دائمة” داخل الأنظمة الإقليمية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن خلال الحلفاء.
بالنسبة لواشنطن، لا فرق من هو اللاعب. فأي طرف يسعى لبناء هيمنة داخل إقليم ما يجب موازنته عبر تقوية خصومه، حتى لو كان هذا الطرف هو إسرائيل، أقرب حلفاء الولايات المتحدة والمدعومة بلوبيات يهودية نافذة. ففي حرب عام 1973، منعت واشنطن إسرائيل من توجيه الضربة الأخيرة لمصر، وقال موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، “كنا على وشك توجيه الضربة النهائية لمصر واحتلال القاهرة، لكن كيسنجر فرض علينا سلاماً كان لصالح العرب”. منطق السلوك الأمريكي عام 1973 كان واضحاً. إسرائيل يجب أن تكون آمنة، وأن تنتصر في النزاعات، لكن ليس مسموحاً لها أن تتحول إلى قوة مهيمنة في الشرق الأوسط، تماماً كما لم يكن مسموحاً لبريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أن تتحول كل منها إلى قوة مهيمنة داخل أوروبا، وما زال هذا المبدأ قائماً.
من وجهة نظر الاستراتيجيين الأمريكيين، بعد السابع من أكتوبر وبخاصة بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً، تغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط لمصلحة إسرائيل. لكن النموذج المفضّل للولايات المتحدة هو منظومة توازن ثلاثي بين تركيا والسعودية وإسرائيل. في هذا المثلث، تمثل إسرائيل القاعدة، أي أنها تتفوق أمنياً وعسكرياً على تركيا والسعودية، لكن هذا التفوق يجب ألا يتحول إلى هيمنة. لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تقوية موقع السعودية في المنطقة لتحقيق الآتي:
- منع تحوّل إسرائيل إلى قوة مهيمنة في الشرق الأوسط.
- استقطاب العالم العربي عبر السعودية كدولة محورية.
- الاستفادة من القوة المالية والاستثمارية السعودية لدعم الاقتصاد الأمريكي.
- حفظ أمن الطاقة في الخليج والسيطرة عليه.
- الحصول على دعم سياسي ومالي سعودي لخطة السلام في غزة وتنفيذها داخل القطاع.
- تعزيز مشروع “اتفاقات إبراهيم” عبر ضم السعودية إليه.
- حماية النظام الإقليمي الخارجي المنشأ في الخليج.
- ضمان مرافقة السعودية في أي حرب محتملة مع إيران أو في جهود احتواء طهران.
- إشراك السعودية في بناء النظام الإقليمي المقبل إلى جانب إسرائيل وتركيا.
- تثبيت “عقيدة الأعمدة الثلاثة” التي طرحها ترامب، في إطار مثلث إسرائيل وتركيا والسعودية.
أما دوافع السعودية لتعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة، خصوصاً مع دونالد ترامب، فتندرج ضمن سياسة “التحوّط”، ويمكن تلخيصها بما يلي:
- رغم تنويع السعودية علاقاتها مع القوى الكبرى منذ عام 2010، إلا أنها ما تزال ترى في الولايات المتحدة الضامن الأساسي لبقائها.
- ترى السعودية أن سعي إسرائيل للهيمنة يشكل تهديداً وجودياً بعيد المدى للدول العربية.
- تعتبر السعودية أن الحرب الأمريكية المحتملة ضد إيران تهديد للاستقرار الإقليمي، وترى أن تغيير النظام في إيران ليس بالضرورة في مصلحة الدول العربية على المدى البعيد. وهي تفضّل إيران ضعيفة ومقيّدة وقابلة للتوقع على سيناريو انهيار الدولة. لذلك تعمل دبلوماسياً لمنع حرب إسرائيلية ضد إيران.
- الهجوم الإسرائيلي على قطر يشكل ناقوس خطر للدول العربية ومنها السعودية. فتجارب حسني مبارك وتركه من قبل البيت الأبيض، وعدم الرد على الهجوم على منشآت أرامكو، حاضرة في ذهن القيادة السعودية. من هنا يأتي سعيها لضمانات أمنية واضحة من واشنطن.
- شراء معدات عسكرية متطورة مثل مقاتلات إف-35، وتعزيز البرنامج النووي السعودي مقابل استثمارات بقيمة 600 مليار دولار مع وعد بزيادتها إلى تريليون دولار، شكّل أحد محاور زيارة محمد بن سلمان.
- تعمل السعودية على الحصول على موقع مناسب داخل النظام الإقليمي المقبل والنظام الدولي الآخذ بالتشكل.
- تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة يمنح السعودية قوة تفاوضية أكبر تجاه منافسيها الإقليميين: تركيا وإيران وإسرائيل وقطر.
- كما يمنحها قوة أكبر في التعامل مع القوى الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا وأوروبا.
- ترى السعودية أن حالة “اللا حرب واللا سلم” بين إيران وإسرائيل مؤقتة، وتضع سيناريوهات متعددة، وترى أن ضمان بقائها في كل هذه السيناريوهات مرتبط بتعزيز الروابط السياسية والأمنية مع الولايات المتحدة.
- في النهاية، تسعى السعودية إلى لعب دور محوري داخل النظام الثلاثي الذي يسعى ترامب إلى ترسيخه بمشاركة إسرائيل وتركيا والسعودية. نظام لا تزال قواعده غير واضحة، وقد تطيحه الحرب المحتملة بين إيران وإسرائيل أو تؤدي إلى تثبيته.
إضغط هنا لمزيد الأخبار
















