موسم “اللجوء السياسي” لعمادة المحامين !!

تونس ــ كتب صالح عطية
ما تزال انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين، تسيل الكثير من الحبر، منذ الإعلان عن فوز الأستاذ بوبكر بالثابت، على رأس العمادة، خلفا لحاتم مزيو، الذي يقال عن فترته الكثير.
ما تزال انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين، تسيل الكثير من الحبر، منذ الإعلان عن فوز الأستاذ بوبكر بالثابت، على رأس العمادة، خلفا لحاتم مزيو، الذي يجمع المحامون والسياسيون والمراقبون، على أنّ مدته النيابية، كانت الأسوأ في تاريخ المحاماة على وجه الإطلاق..
فلم يكمّم الرجل الهيئة، ولم يحجم دورها فحسب، بل لعبت الهيئة ــ على عهده ــ دور “تبييض” الإنقلاب”، على حدّ تعبير بعض المراقبين، حتى من داخل العمادة ذاتها، من خلال الصمت على الخروقات القانونية والدستورية والقضائية والإجرائية، التي طالت القضاء والمحاماة والمحاكمات السياسية، بل المشهد السياسي والحقوقي برمته..
لذلك، كان السؤال الأبرز، مع اقتراب موعد انتخابات العمادة، هو: أيّ بوصلة للمحامين في المشهد الراهن؟ هل سيخرجون من “جلباب” السلطة، الذي ارتدوه منذ الفترة النيابية للعميد الأسبق، إبراهيم بودربالة، الذي أسس عمليا، لتدجين للعمادة، ومهّد لانسحابها المخجل من المشهد السياسي، الذي كانت دوما منخرطة فيه، حتى في أحلك سنوات استبداد الرئيس الراحل المخلوع، أم ستظلّ على نفس الجلباب، الذي تغيّر لونه، وبات شاحبا، لا يغري حتى بالنظر إليه؟
هواجس.. وطروحات
كان المحامون حينئذ، بين هاجسين:
ــــ هاجس الإستقلالية عن السلطة، واستعادة زخمها ودورها ومواقفها التي عرفت بها تاريخيا، زمن البشير الصيد، وعبد الرزاق الكيلاني، وشوقي الطبيب، ومحمد فاضل المحفوظ، وقبلهم العمداء، محمد شقرون، والأزهر القروي الشابي، ومنصور الشفي، وفتحي زهير، وغيرهم ممن لم يرهنوا العمادة للسلطة، ولم يجعلوا منها “حزبا معارضا” للنظام، وكانوا حريصين على تلك “المسافة” من الإستقلالية، وضمان ــ من ثمّة ــ “هيبة” المحاماة..
ــــ وهاجس الإستمرار في نهج الخنوع للسلطة الراهنة، والنأي بالمحاماة عن دورها التاريخي في المشهد الحقوقي والسياسي، بالمعنى الواسع للكلمة..
لذلك، بدا واضحا منذ الأسابيع التي سبقت انتخابات العمادة، هيمنة السياسي على القطاعي (المهني)، وجنوح المحامين، إلى الطروحات السياسية تحت عناوين “الإستقلالية”، و”استعادة المحاماة”، و”المسافة مع السلطة”، وتمّ الشروع منذ فترة بعيدة، في الترتيب لمعادلة جديدة صلب المحاماة..
قائمة الذين ترشحوا لرئاسة العمادة
ولعلّ النتائج المترتبة عن الانتخابات الأخيرة، تترجم حضور “السياسي” في خلفية المحامين، الذي سيبدو واضحا، من خلال التركيبة الجديدة للهيئة، وهوية العميد الجديد، السيد بوبكر بالثابت..
الجبهة الاجتماعية
اللافت عند النظر إلى “فريق العمادة” الجديد، هو الصعود المثير لما يمكن أن نطلق عليه “ثلاثي الحوار الوطني”، وهي الفكرة / المشروع، التي جرى التخطيط لها ــ كما يبدو ــ منذ فترة طويلة..
وتفيد مصادر من داخل العمادة، أنّ الاشتغال على انتخابات 2025، انطلق منذ العام 2023، أي بُعَيْدَ عام من صعود مزيو على رأس العمادة، وظهور مؤشرات سلبية في أدائه، مع بروز المحاكمات السياسية، وإيقاف عدد من المحامين، وتحوّل القضاء من دائرة الاستقلالية (ولو النسبية)، إلى حقل “الوظيفة القضائية”، وعلاقته بالسلطة السياسية، فيما كان العميد مزيو صامتا، بل عمل على أن تكتفي العمادة، بالتفرّج على الوضع، بشكل غير مسبوق، وبصورة تتنافى مع تقاليد المهنة وأدوارها البارزة تاريخيا..
ومع خفوت دور الأحزاب، التي اضمحلّ أغلبها، وصمت البقية عما يجري في البلاد (إلا من بعض البيانات)، وظهور مؤشرات على صراع قادم بين السلطة والاتحاد، على خلفية ما يتداول حول (ملفات الفساد)، صلب قيادة المنظمة الشغيلة، ورغبة السلطة، في إضعاف هذا الهيكل الضخم، تاريخا وتنظيما وشبكة علاقات دولية (السيزل وغيره)، تسللت إلى الإتحاد، فكرة الترتيب لسيناريو استعادة المحاماة لبريقها ودورها..
و”القراءة النقابية” لمجريات الأحداث في البلاد، تؤكد هذا المنحى وتعززه:
** فالأحزاب ضعفت وترهّلت، وفقدت ثقة الرأي العام، فضلا عن هرسلة السلطة لها، عبر التخويف والمحاكمات والسجون..
** والمجتمع المدني، تراجع دوره، وبات صوته ضعيفا، وإمكانات التأثير لديه على القرار السياسي، أصبحت محدودة، إن لم نقل منعدمة..
** وخارطة التحالفات السياسية والحزبية، “في غرفة الإنعاش”، ولا يبدو أنّها ستتحرك في ضوء الخلافات الإيديولوجية والحزبية الضيقة التي تشقها..
** والإتحاد بدا في هذا المشهد وحيدا، في مواجهة السلطة من ناحية، وحتى في مستوى علاقته بالشأن السياسي، من ناحية أخرى، أمام قناعة الرأي العام بدوره السلبي خلال العشرية الماضية، حيث كان أحد معاول الهدم للانتقال الديمقراطي، ولمسار استحقاقات الثورة، كما تؤكده تصريحات أمينه العام، حسين العباسي في كتابه المثير: “تونس: فرصة مهدورة”، وهي وجهة النظر التي تعبّر عنها تيارات وأحزاب عديدة، وشخصيات مستقلة..
والاستنتاج الذي توصّل إليه “منظرو” الاتحاد، هو وجود فراغ اكتسح المشهد السياسي والاجتماعي، في مقابل “تغوّل” السلطة، وضمور الأدوار التقليدية لهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان وجمعية القضاة التونسيين. لذلك، كان لا بدّ من الترتيب لملء هذا الفراغ الرهيب في المشهد السياسي، حتى لا يترك أمر المستقبل السياسي للبلاد، للصدفة، أو لترتيب أحادي الجانب من قبل السلطة..
مشهد من الحضور غير المسبوق في مؤتمر العمادة
ويبدو ــ من خلال المعلومات التي حصلت لدينا ــ أنّ التفكير في “الجبهة الاجتماعية”، انطلق في هذا التوقيت المبكّر، ولعب الأستاذ جلال الهمامي، أحد فريق هيئة الدفاع عن الإتحاد، والمعروف بخلفيته النقابية اليسراوية، دورا مركزيا في التسويق لهذه الفكرة، وتنشيطها صلب خلايا وفروع المحامين، وبين أوساط نقابية محددة، بل حتى بين أوساط سياسية (تيارات عرفت بانتمائها التاريخي والتنظيمي للاتحاد).. بل إنّ الرجل، برز بوضوح خلال الجلسة العامة الانتخابية ويوم التصويت كذلك، في سياق الترويج لهذه الفكرة، والتهيئة لها انتخابيا، وهو ما آتى أكله في مستوى التصويت..
وهنا، تأتي الخيارات المتعلقة بالأسماء التي تمّ ترشيحها لرئاسة العمادة وعضويتها..
أسماء.. وخيارات
* فقد وقع الاختيار بعناية على الأستاذ، بو بكر بالثابت، ولم يكن أمر ترشحه اعتباطيا إطلاقا..
ـــــ فالرجل من فريق الدفاع عن الاتحاد وملفاته ومصالحه..
ـــــ وهو من القريبين للمنظومة النقابية الاجتماعية..
ـــــ وهو من القوميين (العروبيين)، المتموقعين صلب هياكل الاتحاد..
ـــــ وهو من الذين اشتغلوا في الحوار الوطني عام 2014، بشكل جيّد داخل المحاماة،
من خلال دوره المركزي في الترتيبات والمناقشات التي سبقت وأعقبت تأسيس ما
يعرف بـ “الرباعي الراعي للحوار الوطني”، ما يفسّر حضور العميد السابق، الأستاذ
محمد الفاضل محفوظ في كامل أطوار انتخابات الهيئة، وهو الذي كان أحد رموز
الرباعي، ممثلا عن المحامين.
ـــــ فضلا عن وجوده وتمركزه صلب العمادة، وفي محيطها (الفروع أساسا)، منذ
سنوات عديدة، حيث يلقبه بعض زملائه بـ “رجل الإدارة” صلب هيئة المحامين، كما
انتخب عضوا فيها في مناسبتين، وكاتبا عاما لها، وهو المنصب الذي يجعله قريبا من
الهياكل والملفات والسياقات التي تتحكم في دوائر الهيئة ومحيطها..
وإذن، فالاختيار على هذا الرجل، يضرب عدّة عصافير بحجر واحد: النقابي والسياسي والحقوقي..
* كما وقع الترتيب لدور فاعل للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ضمن فريق العمادة، من خلال الدور الذي لعبه بحركية ونشاط كبيرين، أحد قيادات الرابطة، المعروف بعلاقته المتشابكة مع الإتحاد (كما كانت الرابطة دائما)، وتوفره على شبكة علاقات أوروبية تحديدا، فضلا عن وجود الرابطة ضمن عدّة فعاليات من المجتمع المدني، الاجتماعي والحقوقي..
فليس من الصدفة، أو الترف الشعاراتي، أن يتمّ الترويج لـ “الجبهة الاجتماعية”، طيلة العامين اللذين سبقا مؤتمر العمادة، إلى حدود الحدث الانتخابي الأخير..
لقد أرادت السلطة، وعملت بكل ما أوتيت من “أدوات”، على “شفط” المشهد السياسي والحقوقي، وأقصت السياسة من جميع دوائرها النشيطة (الأحزاب والمنظمات والنقابات)، ما جعل المشهد السياسي ــ بالإضافة إلى عوامل أخرى مركّبة ــ يعيش فترة فراغ غير مسبوقة، حتى زمن استبداد بن علي..
اتحاد الشغل: إعادة تشكيل المشهد
في المقابل، تحركت “ماكينة الاتحاد” ــ إن صحّ القول ــ والدوائر المتشابكة معه تاريخيا وتقليديا، من أجل سدّ الفجوة السياسية التي ولّدها انقلاب 25 يوليو 2021، من خلال إيجاد حاضنة منظماتية، عتيدة وقوية (عمادة المحامين)، مسنودة برابطة حقوق الإنسان، ضمن عملية إسناد أوسع، تكفلت بها المنظمات والشخصيات والتيارات التي تعبّر عنها الأسماء، وتنتمي إليها، ونعني هنا اليسار بمختلف تمظهراته، والقوميون بجميع فصائلهم، بالإضافة إلى لفيف من “المستقلين” (وهم في الأغلب الأعم ملحقون فكريا وإيديولوجيا ضمن تيارات يسارية ودستورية، إلى جانب “استخدام محسوب” للأحزاب “الكبرى”، على غرار (حركة النهضة: الأساتذة، سعيدة العكرمي، ونزيهة صويد، ومحمد فالح الشابي)، و(الدستوري الحر: الأستاذان، منير بن صميدة، ولطفي العربي)، إلى جانب ما يشبه المحاصصة الجهوية لفروع العمادة، في نوع من “اللجوء السياسي”، أو “النفير” للعمادة، بشكل غير مسبوق، وهو ما يجعلنا أمام رسائل سياسية واضحة، بعضها للسلطة القائمة، والبعض الآخر، لمكونات المشهد السياسي برمته:
1 ــ أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل، لا يقف وحيدا في المشهد، وهو مسنود من منظمات عتيدة،
ومن حوله فعاليات سياسية وحزبية متنوعة، إلى حدّ التناقض.. ومن ثمّ، فإنّ أيّ استهداف للاتحاد،
مستقبلا، سيجد هذه “الجبهة الاجتماعية”، وهذا الإطار الكتلوي الجبهوي، بالمرصاد..
2 ــ أنّ المشهد السياسي القادم، لن يكون بمعزل عن اتحاد الشغل.. بعبارة أخرى، إنّ أي محاولة
لإبعاد الاتحاد عن “المطبخ السياسي”، أمر غير مقبول، وفي ذلك ردّ واضح على السلطة الراغبة
في تحجيم دور الاتحاد، وبعض الأحزاب التي صمتت على استهداف الاتحاد، فيما البعض الآخر،
مارس سياسة “لا نحبّك.. لا نصبر عليك”..
3 ــ ولعلّ الرسالة اللافتة أيضا، أنّ ثمّة عدّة أحزاب، حتى ممن تنتقد الاتحاد، تعدّ جزءا من “المسار
الجديد”، إن صحت تسميته كذلك..
4 ــ ولا شكّ أنّ القوميين، من خلال هذا الإنخراط في ما سمي بـ “الجبهة الاجتماعية”، سيعملون
على استعادة دورهم السياسي من خلال هذا الزخم الجديد، إلى جانب استعادة وحدتهم، بعد التباينات
والخلافات، وربما عملية التفكك التي سادت التيار القومي في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد
المجرم والمستبدّ، والإنخراط ضمن إطار منظماتي، في ظلّ الخفوت الحزبي، وتآكل ثقة السياسيين
والرأي العام، فيهم، على إثر موقفهم من “انقلاب 25 يوليو”..
5 ــ عملية التعبئة، الواسعة والنشيطة والمنظمة، التي تمّت خلال مؤتمر المحامين، لتصعيد أسماء
محددة إلى العمادة، وهو ما ترجمته عملية التنظيم، التي اتخذت شكل (خلية التجمع الدستوري
سابقا)، عبر وسائل النقل المكثفة والضخمة التي جاءت بالمحامين من الجهات، و”الأبهة” التي بدا
عليها المحامون، من خلال الفنادق التي استقروا فيها (بعيدا عن أيّ شيطنة من أي نوع كانت)، بما
يؤكد أنّ الأمر لا يتعلق بمجرّد انتخابات للعمادة، إنما ترتيب لقوة اجتماعية وسياسية مقبلة..
طبعا لسنا في وارد التفكير، مجرّد التفكير، بمنطق المؤامرة، كما يُـنـتظر أن يَـقرأ البعض بعقل “تآمري”، ما قدمناه من تحليل في هذا السياق، كما هي عادة كثيرين..
إنّ مثل هذا السيناريو، وهذا الدور “الترتيبي”، يعدّ ــ في تقديرنا ــ من صميم دور المنظمات العريقة والكبرى، على غرار عمادة المحامين، وهو سيناريو من حق اتحاد الشغل التفكير فيه، لاعتبارات نقابية هيكلية، أو لأغراض سياسية..
ربما يُصلِح الاتحاد ما أفسدته خياراته خلال العشرية الماضية !!
ملاحظات أساسية
ولعلّ ما يعزز وجهة التحليل هذه، الملاحظات التالية:
*** أنّ الجانب المهني لانتخابات العمادة، يكاد يكون غائبا تماما، إذا استثنينا، مقولات وطروحات الأستاذ عبد الرؤوف العيادي، أحد المرشحين لرئاسة الهيئة الوطنية للمحامين، الذي انفرد بوضوح، بمقاربة كاملة لإصلاح المنظومة القضائية برمتها، وتطوير هياكل المهنة، داعيا إلى تيّار إصلاحي صلب العمادة..
باستثناء هذا الإسهام الهام، إطارا ومضمونا ومقاربة، خلت فعاليات انتخابات الهيئة، من أيّ مضمون مهني.. فلا قضايا أو ملفات أو تحديات المهنة، كانت ضمن هواجس المرشحين ومشاغلهم.
*** هيمنة الشعارات السياسية الواضحة والمباشراتية، طيلة فعاليات المؤتمر الانتخابي.. شعارات بخلفية حزبية وسياسية لا غبار عليها، تضمِر صوتا مرتفعا، يعلن المواجهة مع السلطة، أو لنقل، عدم خشية من السلطة، في الحدّ الأدنى..
*** المؤشر المهم على هذا الاتجاه، تصريح العميد الجديد، السيد بو بكر بالثابت، لإحدى الإذاعات المحلية، مؤكدا أنه سيحرص على استعادة “المسافة” بين العمادة والسلطة..
بل إنّ العميد الجديد، لم يترك الفرصة تمرّ، دون أن يؤكد، بأنّ “للمحاماة مسافتها التي لا بدّ أن تدافع عنها وتحرص عليها”، وذلك ردّا على رئيس “برلمان سعيّد”، العميد الأسبق للهيئة، إبراهيم بودربالة، الذي دعا بالثابت، إلى “النأي بالمحاماة عن التجاذبات السياسية”..
*** لا يَستبعد ملاحظون، أن يتعامل “ثلاثي الحوار الوطني”، داخل العمادة، في إطار كتلوي، بوصفه كيانا موحدا، مفاوضا وطنيا ودوليا..
*** الدور المهم والنشيط الذي لعبه العميد الأسبق، شوقي الطبيب ضمن فعاليات المؤتمر، ليس من منطلقات مهنية صرف، إنما من سياق سياسي، على اعتبار أنّ الرجل في “خصومة قضائية” مع السلطة، ولا شكّ أن عمادة بهوية سياسية، ستكون أقدر على الدفاع وحماية منظوريها، خصوصا من كانوا على سدّة المسؤولية..
العميد الجديد: بوبكر بالثابت.. رهانات وتحديات.. و”الإستقلالية” على المحكّ
فهل ترى عمادة المحامين، بهذه التركيبة الجديدة، المتناقضة، وغير المتجانسة سياسيا وفكريا، تصمد دفاعا عن “هويتها” التي أفرزها المؤتمر الأخير، وتكون قادرة على مواجهة “ما يخطط” لها من دوائر معلومة؟
إلى أي مدى يمكن لهذه “الجبهة الاجتماعية”، على النحو الذي فصّلنا، أن تكون بديلا عن الأحزاب، أو التحالفات الحزبية، التي وإن خفتت اليوم، إلا أنها لن تستمر ــ بالضرورة ــ في نفس الوضع الراهن، لأنه لا حياة سياسية، ولا انتقال ديمقراطي، ولا خروج من الأزمة السياسية الراهنة، إلا بالأحزاب..
بل إنّ السؤال الأكثر إلحاحا اليوم، هو: هل ستكون العمادة، بمكوناتها الجديدة، قادرة على مواجهة السلطة، بمعنى آخر، هل أنها ستختار المواجهة معها في هذا المناخ السياسي المعقّد، أم ستكون باحثة فقط، عن مساحة تفاوضية، تتيح لها الحصول على مكاسب قطاعية وسياسية، يمكنها من “التموقع السياسي والتنظيمي” في الوضع الراهن، كتمهيد للحظة الصفر، أي عند حصول تطورات في المشهد العام؟
وهل يستطيع اتحاد الشغل، أن يمضي بعيدا في اتجاه هذا التشكل “السياسوي” و”الاجتماعي الجبهوي” الجديد، وهو الذي لم يستفرغ بعد ثقل سنوات ما بعد الثورة، وما أعقبها من سنوات “الإنقلاب”، سواء على صعيد الخطاب والموقف، أو على مستوى التحالفات؟
هل تكون هذه “الصيغة” السياسية الجديدة، سبيلا لخروج الاتحاد مما يسميه بعض النقابيين، “الغيبوبة” النقابية والسياسية، بعد الهزة الأخيرة في علاقة بالسلطة، والتي كشفت هشاشة العلاقات صلب مكوناته، وضعف المكتب التنفيذي، الذي سيواجه معركة شرسة مع “خصوم الداخل النقابي”، من جامعات ونقابات وشخوص فاعلة في المنظمة، ممن يرفعون شعار “الإصلاح والتغيير” في الاتحاد، خلال المؤتمر القادم؟
نحن بإزاء محاولة جادّة وجدية، “للتموقع السياسي”، استعدادا للمرحلة المقبلة، لكن من لديه القدرة على تصور ردّ فعل السلطة في هذا السياق، وما الذي يفكّر فيه النظام بمكوناته المختلفة، التي ستنظر إلى هذا التشكل الجديد، على أنه مهدد لمصالحها ووجودها وكيانها، وربما معجّلا بمحاسبتها، خصوصا وأنّ هذا المصطلح طرح ضمن الشعارات التي رفعت خلال المؤتمر الأخير، بما يجعل الاستهداف متبادلا بين الطرفين ؟
الأسابيع المقبلة، كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة..
فلننتظر….
إضغط هنا لمزيد الأخبار