هالة الباجي: من مظاهر انحراف الحداثة في تونس.. وجود الغنوشي في السجن

باريس ــ الرأي الجديد (وكالات)
شددت الكاتبة هالة الباجي، في مقال صدر بمجلة “نوفال أوبز” الفرنسية، أن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، لعب دورا مهما في سياسة عدم إقصاء أي طرف من المشهد التونسي.
عادت الكاتبة هالة الباجي في مقال نشرته مجلة “نوفال أوبس” الفرنسية على التجربة الديمقراطية في تونس بعد ثورة 2011، مبرزة الدور القيادي لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في لمّ شمل الأحزاب السياسية بمختلف مشاربها وسعيه إلى عدم إقصاء أي طرف.
وفي مقالها الذي نشرته المجلة الفرنسية، أشارت الكاتبة التونسية هالة الباجي إلى وجود راشد الغنوشي الذي دافع عن فكرة “المسلم الديمقراطي”، خلف القضبان في سن الرابعة والثمانين، معتبرة ذلك دليلا على أن “الحداثيين” في تونس قد انحرفوا نحو الفكر الاستبدادي.
وترى الكاتبة التونسية أنّ “اعتقال راشد الغنوشي وإدانته من أبشع المظالم التي ارتكبتها الدولة التونسية، خاصة أنه من أبرز رموز السلمية الثورية”.
الغنوشي ليس لاهوتيا.. بل رجل فكر فلسفي
ووصفت الكاتبة مناظرة حضرتها لجبهة الخلاص الوطني، وهي مجموعة من السياسيين ضد إجراءات 25 جويلية 2021، اعتقل عدد من أعضائها، ومع أن الوضع كان خطيرا، فقد كان الجو مرحا، يذكّر بعصر آخر، حيث تحدث الجميع دون محرمات، مدفوعين بالحقيقة والعدالة.
وأشارت الكاتبة إلى أن راشد الغنوشي كان حاضرا منصتا صامتا، ثم دُعي للتحدث، فتحدث بنبرة طبيعية، وبلهجة مرحة أحيانا، فلم يكن كلامه خطابا دينيا ولا خطبة ظلامية، ولا هراء لاهوتيا، بل كان فكرا فلسفيا.
وتقول هالة الباجي في مقالها “ألقى راشد الغنوشي خطابا “علمانيا” بامتياز، تحدث فيه بثبات عن عداء هذه العصابة للانتقال الديمقراطي، وآثر التسامح رغم الافتراءات التي تعرض لها، ورفض الأساليب التعسفية التي عانى منها هو وأمثاله كثيرا، مظهرا قبولا للتنوع السياسي الذي بدونه لا يمكن تحقيق سلام أهلي”.
وتضيف الكاتبة “الغريب أنني في اليوم التالي، علمت بكل دهشة أنني شاهدت “مؤامرة” من “الخونة” يحضرون “مخططا إرهابيا” ضد “أمن الدولة” بهدف إشعال “حرب أهلية”.
وأشارت إلى “اعتقال الغنوشي ليلا في مداهمة مسلحة أثناء وجبة عائلية وفُتش، وحرم من محاميه، وأجبر على النوم طوال الليل على كرسي، وهو في الرابعة والثمانين من عمره، ثم حكمت عليه المحكمة بالسجن 40 عاما”، قائلة “لو لم أكن شاهدة على هذا الاجتماع، لربما ابتلعت هذه الكذبة والخرافة، مثل الطيبين الذين يُطعمون دائما بالهراء”.
أول من دعا للمصالحة.. وحرص على “تثوير” الدولة
الكاتبة هالة الباجي ذهبت في مقالها بالمجلة الفرنسية إلى أنّ الغنوشي “كان من أبرز رموز السلمية الثورية، لأنه رفض الانغماس في الكراهية الأيديولوجية، مفضلا مبدأ العدالة على غريزة الانتقام”.
وأضافت: “بعد أن طورد الغنوشي كمتعصب طوال حياته، كان أول من دعا إلى المصالحة مع خصومه الدستوريين، ولم يكن هناك ما يمنعه، بعد فوز حزب النهضة الساحق في الانتخابات عام 2011، من تطبيق قانون الأقوى، ولكنه لم يفعل شيئا، واختار التفاوض والحوار، ومد يده، فقُيدت يداه”.
وتابعت الكاتبة تقول:”بعد 10 سنوات من الثورة التونسية التي أذهلت العالم عام 2011، انهار الوعد الديمقراطي، ومنذ 25 جويلية 2021 أصبحت الحريات التي كانت مرفوعة، مكروهة، وأفسحت أرواح الثورة الكريمة المجال لسخرية الأنانية والكراهية”.
وحسب الكاتبة “غزت لغة سامة قلوب الناس ودمرت عقولهم، وسيطرت على المجتمع الذي تحرر من العبودية بشجاعة، رغبة جامحة في استعادتها، وبعد إحدى أكثر انتفاضات القرن الحادي والعشرين أصالة، انقلبت الثورة على عبقريتها السلمية، وحطت من قيمة مثلها الحضارية، وألقت بنخبها المستنيرة في قاع جهنم”.
الحداثيون انحرفوا نحو الإستبداد
تقول الكاتبة هالة الباجي في مقالها بالمجلة الفرنسية :عندما أعادت الثورة التونسية حقوق الإنسان لأعضاء حزب النهضة، لم يقبل “الحداثيون” بذلك قط، ولم يطيقوا إشراكهم في دولة كانوا يتمتعون بها حصريا لمدة 3 أرباع قرن، لأن فكرة أن “الإسلاميين” قد هزموهم في الانتخابات وحصلوا على صفة “المنتخبين” كانت خانقة بالنسبة لهم”.
وتضيف الكاتبة “استغل هؤلاء التقدميون الوطنيون، أو الحداثيون الوطنيون، الانفتاح الثوري لإعادة إشعال فتيل الحرب الأيديولوجية بين العلمانيين والشخصيات الدينية، وانتهكوا القسم الدستوري الذي وضع حدا للتعصب والإقصاء”.
وتابعت هالة الباجي في مقالها “لأنهم اعتادوا على الحكم المنفرد، لم يكونوا منصفين، وبذلوا قصارى جهدهم للتخلص من “إسلاميي” النهضة بتصفية النظام الذي منحهم الحق في الوجود وهو الديمقراطية، فأزيحت صفة الدستور جانبا وتبددت الثورة كسراب، وتضاعف التعسف والوحشية بعد أن تحرر منهما البلد بشراسة، وأزيحت الديمقراطية جانبا”.
وترى الكاتبة أنّ “راشد الغنوشي لعب دورا غير معروف وغير مفهوم في تاريخ الاستقلال دون ديمقراطية، وفرضت الدولة القومية نموذجا شموليا للتقدم دون حرية، واليوم يبدو أن الحرية هي شرط التقدم، ولم ير الغنوشي في الإيمان الديني عائقا أمام الحرية، وهذا هو المعنى الذي يتبناه لفكرة “المسلم الديمقراطي”، وهو إسلام قائم على الإرادة الحرة للفرد”.
وتقول الكاتبة في مقالها ” الغنوشي يرى أن هذا الإسلام هو الوحيد القادر على التغلب على العنف الظلامي والجهادي من الداخل، لأن المسلم الديمقراطي مناهض للتعصب، ولذلك لم يضطهد الغنوشي قط الكفار ولا اللادينيين ولا العلمانيين ولا حتى غير الممارسين لتعاليم دينهم، ولكنهم اضطهدوه باسم عبادة الدولة”.
المصدر: نوفال أوبس +وكالات
إضغط هنا لمزيد الأخبار