أهم الأحداثاقتصادياتطاقةمقالات رأي

لماذا تأخرت “ستاغ” عن الدخول في إنتاج الطاقة المتجددة ؟؟

   بقلم / جنات بن عبد الله


لماذا تأخرت شركة “ستاغ” عن الدخول في مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة؟ لماذا لا تنصت الدولة للخبراء الذين جفت أقلامهم، وهم يدعون إلى انخراط الشركة الوطنية في ذلك؟

كتبت الخبيرة في الشؤون الاقتصادية والمالية، الأستاذة الزميلة، جنات بن عبد الله، عن هذه الإشكالية، فقبل أكثر من عام، على منبر “الرأي الجديد” بالذات، غير أنّ الآذان كانت لا تسمع، أو هي منشغلة بملفات أخرى، لا نعلم جدواها وحجمها وأهميتها..

اليوم، وعلى خلفية قرار الهيئة الإدارية التابعة لشركة “ستاغ”، كتبت المحاضرة، جنات بن عبد الله، ما يلي:

…………………………………………………………….

أثارت برقية التنبيه التي أصدرتها الهيئة الإدارية القطاعية للكهرباء والغاز التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، بتاريخ 2 جويلية 2025 والتي أعلنت فيها عن اعتزام دخول أعوان الشركة في اضراب كامل يوم الأربعاء 17 جويلية بكافة مواقع العمل وعلى كامل تراب الجمهورية تساؤلات المواطن التونسي بلغت درجة القلق بخصوص أسباب انسداد افق التفاوض بين سلطة الاشراف والنقابة باعتبار خصوصية هذا النشاط وحساسيته في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة والتي تتزامن أيضا مع انطلاق المواسم الصيفية في بلادنا.

وقد جاء هذا الموقف، حسب نص البيان، احتجاجا على ما اعتبروه” تجاهلا حكوميا لمطالب الأعوان الاجتماعية والمهنية”.

ولئن نعتبر أن هذه المطالب الاجتماعية والمهنية ذات العلاقة بتدهور المقدرة الشرائية وبتفاقم الوضع المالي للمؤسسة التي أصبحت تشكو صعوبات مالية هيكلية، هامة وتهدد الاستقرار الاجتماعي بالمؤسسة، نعتبر أن النقطة المطروحة في التفاوض والمتعلقة بالاحتجاج على سحب نشاط انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية من الشركة التونسية للكهرباء والغاز ومنحه الى الشركات الأجنبية من أهم النقاط المطروحة بل من أخطرها باعتبار علاقتها بالأمن القومي الطاقي في البلاد وسيادتنا على ثرواتنا.


وقد تناولت الهيئة الإدارية القطاعية هذه النقطة من زاوية دعوة الحكومة الى تمكين الشركة التونسية للكهرباء والغاز من انجاز حصتها من المشاريع العمومية للطاقات المتجددة، متهمة سلطة الاشراف “باعتماد أساليب غير قانونية في التعامل مع ملف عقود اللزمات في الطاقات المتجددة” التي اعتبروها تمس من عمومية المؤسسة، “وتفويتها في سندات الكربون وتسخير إمكانيات المجموعة الوطنية عبر تقديم ثروات البلاد ومقدراتها لصالح رأس المال الأجنبي”.

في هذا السياق، لا بد أن نلاحظ:

ـــ أولا، أن اتهام الهيئة الإدارية الحكومة بتجاهلها لمطلب النقابة المتعلق بتمكين الشركة الوطنية من حصتها من المشاريع العمومية للطاقات المتجددة، لا يستقيم بل هو مطلب يتناقض مع القانون عدد 12 لسنة 2015 مؤرخ في 11 ماي 2015 يتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.

ـــ ثانيا، ان اتهام سلطة الاشراف بالتفويت في ثروات البلاد وتقديمها لصالح رأس المال الأجنبي هو أيضا اتهام لا يستند الى نص قانوني بل أن القانون عدد 12 لسنة 2015 جاء لتكريس وتقنين عملية التفويت والتفريط في طاقتنا الشمسية للشركات الأجنبية وسحب البساط من الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

من هذا المنطلق من حقنا أن نتساءل: أين كانت الهيئة الإدارية القطاعية، بل أين كان الاتحاد العام التونسي للشغل عندما مرر برلمان 2014 – 2019 مشروع القانون عدد12؟ وأين كانت القوى الوطنية لترفض هذا القانون السالب لسيادتنا الوطنية على شمسنا وعلى الطاقات المتجددة لإنتاج الكهرباء؟

ومن حقنا أيضا أن نتساءل: هل كان الأمر يتطلب 10 سنوات للتحرك والمطالبة بتمكين الشركة الوطنية من حق الشعب التونسي في استغلال شمسه لإنتاج الكهرباء؟

موقف متأخر جدا
ولئن لا نقلل من شأن ماكينة التضليل والتعتيم التي وظفت منذ الثورة وخاصة في فترة حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد لتمرير كل مشاريع القوانين المتعلقة بالتفويت في ثرواتنا وسيادتنا للشركات العالمية وذلك في اطار ما يسمى ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي وما يسمى بمتطلبات اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق “الأليكا” مع الاتحاد الأوروبي، فإننا نحمل الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وكل المنظمات والهيئات المهنية والنقابية والأحزاب مسؤوليتها تجاه هذا الملف وتجاه كل القوانين التي تمت المصادقة عليها خلال تلك الفترة.

اننا نستغرب اليوم موقف الهيئة الإدارية القطاعية الذي جاء متأخرا جدا، فهي مطالبة بالدعوة الى إعادة النظر في هذا القانون وليس اتهام الحكومة بالتنفيذ، بل ان الأمر أخطر من ذلك لأن هذه الصحوة مدعوة الى أن تشمل كل المجالات خاصة بعد سقوط أقنعة الغرب بعد معركة طوفان الأقصى وكشف العالم بشاعة العولمة ووقاحة المسؤولين الغربيين وعنصريتهم تجاهنا للحفاظ على مصالحهم على حساب شعوب العالم.

فقد نبهنا في عديد المناسبات والمقالات بخطورة القانون عدد 12 لسنة 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، وحذرنا من مضمونه الذي عملت ماكينة التضليل التابعة للحكومات واللوبيات الممثلة للشركات العالمية في تونس على ترويجه وتزويقه لدى الرأي العام التونسي من خلال الجمعيات والمنظمات حيث حرصت على تفسيره وتحليله بطريقة تخفي حقيقته وأهدافه. فهو قانون أعد في مكاتب وزارة الصناعة ولكن بفكر ألماني أوروبي يكرس مصالح الشركات الأجنبية على حساب الشركة التونسية للكهرباء والغاز.

ورغم اننا نقر بقدرة ماكينة التضليل التي تعتمد أساليب متطورة في تحريف الحقيقة وتزويرها وتجريعها للشعوب برحيق السم، فإننا لا يمكن أن نجد عذرا واحدا للقوى الوطنية في البلاد على صمتها على تطبيقه.

فاليوم، وبعد عشر سنوات، استحوذت الشركات العالمية على كل المشاريع في إطار عقود لزمات وهي عقود نبهنا أيضا الى خطورتها خاصة في ظل تمسك السلط العمومية بعدم نشرها للعموم واطلاع البرلمان على مضمونها.

قانون التفويت في السيادة الطاقية
القانون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة، هو في الحقيقة قانون التفويت في سيادتنا الطاقية بامتياز وقد صيغ على مقاس الشركات العالمية وما تردده السلط العمومية بأن تونس ستتحول الى مصدر للكهرباء المنتج من الطاقة الشمسية نحو الاتحاد الأوروبي، هي تصريحات تجانب الحقيقة.

فبمقتضى هذا القانون تم سحب نشاط انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية من الشركة الوطنية على خلفية رفع احتكار الدولة في عديد الأنشطة بتخطيط من الاتحاد الأوروبي الذي سارع الى تمريره قبل انطلاق المفاوضات الرسمية حول اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق في 18 أفيريل 2016 ومنحت هذه المهام للشركات الأجنبية في إطار عقود لزمات ملغمة وخطيرة بما يسمح لهذه الشركات بتصدير انتاجها من الكهرباء، والادعاء أن تونس ستتحول الى مصدر للطاقة الشمسية مردود على أصحابه باعتبار أن عملية التصدير ستقوم بها الشركات الأجنبية وليس الشركة الوطنية وبالتالي فان مداخيل عملية التصدير لن تعود الى الشعب التونسي باعتبار أنها مداخيل خاصة من حق الشركات العالمية.

والأخطر من ذلك أن تونس، وبمقتضى هذا القانون، ستتحول الى مورد للكهرباء المنتج من الطاقة الشمسية من بلادها تشتريه بالعملة الصعبة و بالأسعار العالمية.

فهل يحق لنا اليوم، خاصة بعد حرب غزة والحرب على إيران، وما كشفته من حقائق بخصوص موقف الغرب من العرب أن نتساءل الى أي مستوى وصل الاستخفاف بالعقل العربي حتى يسمح بالتفريط في ثرواته بهذه الطريقة؟

إضغط هنا لمزيد الأخبار

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى