وثيقة سرية إسرائيلية: خيارات النجاة أو الغرق في وحل غزة

تل أبيب ــ الرأي الجديد
ما زالت أجواء الحرب على مختلف الصعد في إسرائيل، السياسية والعسكرية، تسيطر على أجندة الإسرائيليين في علاقة بالحرب على غزة..
عائلات الأسرى لم تثق كثيراً بما نقلته القناة الـ12 الإسرائيلية عن احتمال استئناف الصفقة لعدم ثقتها بمتخذي القرار، وأيضاً بعد كشف تفاصيل مثيرة وجديدة من قبل شخصيات إسرائيلية وأميركية، في حلقة خاصة لبرنامج “المصدر” في القناة الـ13، أكدت، بما لا يقبل التأويل، أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يتقدم نحو صفقة وفق المقترح الذي صادقت عليه حركة “حماس”، وأنه سيعمل على المماطلة لاستغلال الوقت باستمرار القتال في غزة.
كما كشف بعض الشخصيات كيف يعمل المستوى السياسي على تمويه وتضليل وسائل الإعلام بنشر معلومات غير صحيحة، من أجل تهدئة الأجواء في الشارع الإسرائيلي، الذي يشهد، منذ أيام، تصعيداً غير مسبوق، في وقت حدد طاقم الاحتجاج، الثلاثاء المقبل الـ26 من أوت الجاري، يوماً خاصاً آخر، لشل نشاط الدولة والضغط على “الكابينت” للمصادقة على صفقة أسرى فورية، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي لمح فيها إلى احتمال أن يكون عدد الأسرى الأحياء لدى “حماس” أصبح أقل من 20 أسيراً حياً.
ضغوط مكثفة
سياسياً، الحكومة تتمسك بموقفها بتكثيف الضغط في غزة على “حماس”، وصولاً إلى احتلالها وحتى الاستيطان بها، لضمان تماسكها، على رغم التوقعات الجديدة باحتمال عدم صمودها في ظل تطورات محتملة، داخلياً وخارجياً. واللافت موقف رئيس الأركان إيال زامير الذي خاض حرباً داخل اجتماعات “الكابينت” لمنع احتلال غزة، ففي حديث نادر ما يسمح في بثه على الجمهور، أعلن زامير أن القتال سيتسع، ليس فقط في غزة، إنما في مختلف الجبهات، مضيفاً “نعمل في كل الجبهات بمسؤولية وتأهب دائم، وليس لدينا الحق بالتراجع. ولا توجد منطقة لم نعمل فيها. الإرهاب يضرب في المكان الذي لا نكون مستعدين فيه، لذلك نلائم لكل منطقة الرد العسكري الدقيق بالنسبة إليها”. وهو كلام أبقى مختلف الجبهات في حال تصعيد ولا سيما غزة.
وعزز هذا التوجه مقابل الغضب العارم بين عائلات الأسرى ورافضي استمرار الحرب، وعود وزير الأمن يسرائيل كاتس لحاخامات المستوطنات وحاخامات الصهيونية الدينية، في تكثيف القتال وتوسيعه في غزة حتى تسوية معظمها بالأرض وتدمير مدينة غزة عن بكرة أبيها.
أمام الطريق المسدود خيار محتمل
أمام الوضع الحالي وتأكيد أكثر من مسؤول عسكري وسياسي أن العملية الحالية للجيش ستدخل الحرب عامها الثالث بأشهر طويلة، تجري تحركات من قبل عسكريين وأمنيين، وهم ممن اتخذت حكومة نتنياهو وحكومات سابقة برأيهم العسكري، في محاولة لإخراج إسرائيل مما سموها “معضلة غزة”، وإنهاء الحرب بأسرع وقت مع ضمان عودة الأسرى، وضمان ما يتفق عليه جميع الإسرائيليين “الحفاظ على أمن إسرائيل وحدودها وسكانها”.
وثيقة جديدة؟
وثيقة جديدة صاغها الجنرال احتياط تمير هايمن الذي شغل مناصب عسكرية عدة، بينها قائد “فيلق الشمال”، وأيضاً، مديراً في قسم الاستخبارات، وحالياً هو مدير معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب. وتطرح الوثيقة أمام متخذي القرار ثلاثة خيارات لإنهاء الحرب في ظل عدم التوصل إلى خطة لليوم التالي للحرب تضع في الأفق أدوات لإخراج “حماس” من غزة وعدم استمرارها بتولي الحكم، وأيضاً في غياب صفقة تبادل أسرى بظل تعنت نتنياهو على إنهاء الحرب بشروط إسرائيل، وهي شروط اتفق أكثر من مسؤول إسرائيلي ومطلع على سير المفاوضات أنها تشكل عقبة أمام صفقة نهائية.
الوثيقة جاءت بعد طرح السؤال: ماذا يجب على إسرائيل فعله الآن في ظل احتمال رفض “حماس” شروط إسرائيل أو فرض شروط لا يمكن لإسرائيل قبولها؟
قبل الرد على هذا السؤال أشار معدو الوثيقة إلى أن “حماس”، وعلى عكس ما يرى متخذو القرار، تحولت، نتيجة تكثيف العمليات العسكرية، من قوة عسكرية منظمة إلى حركة “مقاومة” لا مركزية، تنتظم في حرب عصابات وإرهاب، مما يحميها من الجهود العملياتية الإسرائيلية المستمرة، أي ما فسره هايمن أنه “من غير المرجح أن يؤدي احتلال أراض في غزة أو إجراء مناورات عسكرية إضافية إلى انهيار ’حماس‘، بل قد يؤدي هذا الواقع إلى حرب عصابات طويلة نشطة ضد قوات الجيش”، كذلك لم يتجاهل هايمن كيف انعكس إرهاق الجنود الإسرائيليين على نتائج القتال، وما اعتبره إلحاق الضرر بالجيش وتراجع الانضباط العملياتي.
في جانب آخر، أشار إلى أن الاحتجاجات على استمرار الحرب مقابل الأصوات الداعمة لها خلقت انقسامات إسرائيلية داخلية خطرة، حتى بين الأحزاب “وأصبحت إسرائيل متورطة في أزمة دولية حادة تهدد مكانتها العالمية وتقوض علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية والعلمية مع العالم”، وهو أمر، “يلزم إسرائيل إعادة النظر باستراتيجيتها في غزة”.
مسار عمل ثلاثي الأبعاد
الوثيقة توصي باتباع مسار عمل ثلاثي الأبعاد: وقف التدهور على الساحتين الدولية والمحلية، استقرار الوضع العملياتي في قطاع غزة والعودة إلى إطار عمل لإنهاء الحرب بصفقة أسري تحفظ المصالح الحيوية لإسرائيل وتعزز اندماجها في الشرق الأوسط.
ولتنفيذ ذلك، ووفق ما عرضته الوثيقة على متخذي القرار:
ـــ العمل على وقف التدهور الحالي من خلال تثبيت خط دفاعي أمامي يوفر أساساً لاستمرار العمليات الهجومية من مواقع قابلة للدفاع عنها من دون احتلال قطاع غزة أو التسبب في نزوح إضافي للسكان، ومن دون تركيز السكان في “مدينة إنسانية”، أو تشجيع “هجرتهم الطوعية”، وفق تعبير الإسرائيليين، مع تقديم إطار دبلوماسي لإنهاء الحرب.
ـــ استقرار الوضع العملياتي من خلال إنشاء منطقة أمنية عازلة داخل غزة، تتألف من قواعد عمليات أمامية وتطهير المنطقة الواقعة شرق هذا الخط مع التركيز على تدمير البنى التحتية تحت الأرض.
ـــ عرض إطار دبلوماسي لإنهاء الحرب، على أن يكون المقترح المصري أساساً للمفاوضات، مما يتيح إبرام صفقة أسرى وحماية المصالح الإسرائيلية. ويشمل ذلك انسحاب إسرائيل إلى خط الحدود وإنهاء الحرب مقابل عودة جميع الأسرى وإنشاء حكومة مدنية بديلة عن “حماس” وتنفيذ القانون والنظام وتوفير الخدمات للسكان من دون تدخل إسرائيلي مع الحفاظ على المسؤولية الأمنية الشاملة لإسرائيل.
الخيارات سيئة.. لكنّ التردد أسوأ خيار
الخيارات المطروحة أمام متخذي القرار، بحسب معدي الوثيقة، سيئة لكن اختيار الأقل سوءاً أفضل من عدمه:
الخيار الأول: هزيمة “حماس” من خلال عملية برية موسعة واحتلال قطاع غزة.
الخيار الثاني: إنهاء الحرب بصورة منفصلة عن قضية الأسرى، أو كجزء من صفقة أسرى، مع قبول جميع مطالب “حماس”.
الخيار الثالث: حرب استنزاف، واستمرار القتال من المواقع الأمامية بعمليات هجومية مستهدفة.
الوثيقة طرحت أمام متخذي القرار إيجابيات وسلبيات كل خيار من مختلف النواحي، الأمنية والسياسية، ووضع الجنود والأسرى في غزة ومكانة إسرائيل الدولية وغيرها. وذكرت، في جانب من توصياتها، أن موقف إسرائيل في غزة يواجه صعوبة بالغة، فمع رفض “حماس” إطلاق الأسرى أو مطالبتها بثمن باهظ غير مقبول، تفتقر إسرائيل حالياً إلى آلية لإنهاء الحرب.
وجميع الخيارات سيئة، لكن التردد خيار سيئ أيضاً، لذلك، يجب على إسرائيل اختيار أقل الخيارات الثلاثة ضرراً.
أضاف معدو الوثيقة موضحين سلسلة خيارات كالتالي:
الخيار الأول: توسيع الحملة البرية، وهو الأسوأ على الإطلاق ويجب تجنبه. فمن المرجح أن يفشل في تحقيق أهداف الحرب، ويعرض الأسرى للخطر، ويزيد من عزلة إسرائيل الدولية من خلال توسيع نطاق المقاطعة الاقتصادية، وإلغاء التعاون في البحث والتطوير ومختلف المجالات الأكاديمية الأخرى، إضافة إلى ذلك ستستمر انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وستواجه صعوبة في تبرير سياساتها وسط تزايد الادعاءات بأنها لا تتصرف دفاعاً عن النفس.
الخيار الثاني: إنهاء الحرب بأي ثمن، وهو لن يحقق أهدافها أيضاً، فإذا انتهت الحرب من جانب واحد من دون أي تنازلات من “حماس”، فسيفسرها جزء كبير من الرأي العام الإسرائيلي على أنها هزيمة. أما إذا انتهت الحرب بقبول إسرائيل مطالب الحركة، بما في ذلك إضفاء الشرعية على حكمها ووضعها كجهة مسؤولة عن إعادة تأهيل غزة، فسيعتبر ذلك فشلاً، ومن شأن هذه النتيجة أن تعمق الاستقطاب داخل إسرائيل وتكون تربة لبيئة خصبة لتقوية القوى المتطرفة. وهذا الخيار، وفق معدي الوثيقة قد يضمن إطلاق معظم الأسرى لكن كلفه ستكون باهظة للغاية على إسرائيل.
تطبيق المبادئ العملية
أمام هذا التصور للخيارين توصي الوثيقة بضرورة تطبيق المبادئ العملية للخيار الثالث، أي الاستنزاف والعمليات الهجومية المستهدفة، للضغط على “حماس” لتليين مواقفها. وبرأي معديها، فإن هذا الخيار سيهيئ، على المدى المتوسط، الظروف لإنهاء الحرب وتأمين إطلاق الأسرى بكلفة معقولة من خلال تسوية مسؤولة. على المدى البعيد، ينبغي دمج هذا النهج في استراتيجية للحكم المدني في غزة من دون “حماس”، بما في ذلك نزع السلاح تدريجاً، وإعادة الإعمار بدعم عربي ودولي، وتفكيك البنى التحتية الإرهابية المتبقية تحت الأرض.
وقال تمير هايمن “مواصلة الضغط على ’حماس‘ من منطقة أمنية أمامية قد يشجعها، أيضاً، على قبول إطار عمل شامل لإطلاق الأسرى وينهي الحرب. وللاستفادة من ذلك، يجب على الحكومة الإسرائيلية البدء بمناقشة إطار عمل أوسع لمستقبل غزة، بناءً على أحد المقترحات العربية أو الدولية. ويوفر الترتيب الموقت الموصي به في هذه الوثيقة”.
وأضاف هايمن مشدداً على ضرورة الاستراتيجية في الخيار الأقل ضرراً في ظل الظروف الحالية، وتابع “الخيار الوحيد الذي يسمح لإسرائيل بالحفاظ على المرونة، والسعي إلى صفقة أسرى مواتية، ومواصلة الضغط على ’حماس‘.
ومن شأن تنفيذه أن يسهم في وقف النزف الدبلوماسي الإسرائيلي، ويسمح للجيش الإسرائيلي بتجديد قواته، ويخفف من المعضلات الأخلاقية اليومية التي يواجهها في القتال”.
إضغط هنا لمزيد الأخبار