1.المشهد الثقافيأحزابأهم الأحداثبانوراماوطنية

بورقيبة… كما تحدث عنه الكاتب والإعلامي لطفي حجي

تونس ــ الرأي الجديد

قال الإعلامي، لطفي حجي، أنّ “الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، خاض معارك مع جبهات متعددة، بينها داخلية كتم صوتها بنجاح، ومعارك خارجية نجا فيها من محاولة اغتيال”..

وأوضح أنّ بورقيبة، “وفّق في بعض هذه المعارك، وغابت عنه الحكمة في بعضها الآخر، لكنها معارك خطّت بلا شك مسيرة  زعيم صارم، شديد المركزية، بارع في المناورة، وأحيانًا لا يتورع عن التضحية بحلفائه من أجل حماية سلطته ومشروعه الوطني” هذا ما انتهى إليه الكاتب الصحفي لطفي حجي خلال استضافته في برنامج ”واحد من الناس” للحديث عن كتابه الذي صدر له مؤخرا بعنوان “البورقيبية من الداخل: بورقيبة ومعارك عصره”.

كتاب استعرض فيه ضيفنا المعارك التي خاضها الحبيب بورقيبة خلال فترة حكمه، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وحلّل الكاتب والصحفي في هذا الحوار الصراعات التي خاضها بورقيبة مع شخصيات بارزة داخليّة مثل أحمد بن صالح، بالإضافة إلى مواجهاته مع قادة خارجيين أبرزهما جمال عبد الناصر ومعمر القذافي.


وقد اعتمد الكاتب والصحفي على حوارات أجراها مع وزراء وشهود عيان، من بينهم محمد الصياح، ليقدم رؤية معمّقة عن ديناميكيات هذه المواجهات وتبعاتها، ويبرز من خلال ذلك تعقيد علاقات بورقيبة، والطريقة التي تمكّن بها من التعامل مع التحديات السياسية المختلفة.

وفقًا للمصادر التي اعتمدها حجي في كتابه، واجه الحبيب بورقيبة خلال فترة حكمه عدة صراعات داخلية بارزة، رغم أنه نجح في إظهار صورة زعيم لا معارضة فعلية له خارج دائرته القريبة. وقد اندلعت هذه الصراعات حتى داخل حزبه وحكومته.

يشير الكاتب لطفي حجي إلى أن بورقيبة كان غالبًا ما يربح هذه المعارك الداخلية بسهولة، ويتمكّن من إخمادها. وقد استطاع ذلك لأن “الجهاز” (النظام أو الدولة) كان دائمًا إلى جانبه، ولأنه كان بارعًا في تحويل خصومه إلى “أكباش فداء”. فعلى سبيل المثال، نجح في تحميل أخطاء سياسة التعاضد لوزراء آخرين، وعلى رأسهم أحمد بن صالح، رغم أنه كان داعمًا لتلك السياسة حتى اللحظة الأخيرة.

الصراع مع أحمد بن صالح
ويواصل لطفي حجي في حواره واصفا الصراع مع أحمد بن صالح بأنه من أبرز الصراعات التي خاضها بورقيبة، وهو صراع تصاعد بعد إقالة بن صالح، الذي أصبح لاحقًا معارضًا شرسًا، معتبرًا أنه تعرّض ”لمؤامرة”. دار الصراع حول تجربة التعاضد في الستينات، والتي كانت تُعتبر آنذاك مرحلة مهمة في اقتصاد وتنمية البلاد، رغم الاعتراف بوجود أخطاء في التطبيق.


ووفقًا لبن صالح (كما نقل محمد الصياح، رغم تحفظه على هذا الطرح)، فإن الصراع غذّته مصالح خارجية (مثل فرنسا) ومصالح داخلية (الرافضون لتأميم الأراضي)، لا فقط فشل التجربة.  انتهى هذا الصراع بشكل مأساوي، إذ أن بن صالح، الذي كان يتقلد وزارات محورية، مثل أمام محكمة خاصة، وسُجن، ثم اضطر إلى الهروب والعيش في المنفى. وقد كان هذا المصير مخيفًا لكثير من أعضاء النظام الذين توجّسوا أن يطالهم المصير ذاته.

الصراعات مع النقابيين
كان بورقيبة يعتبر المنظمات الوطنية، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل، امتدادًا للحزب الحاكم، حيث كان قادتها في كثير من الأحيان أعضاء في المكتب السياسي، وفق ضيفنا الذي أكّد “أن التوتر كان يظهر كلما حاول الاتحاد التحرك باستقلالية والمطالبة بحقوقه” ومن الأمثلة التي ذكرها ضيفنا، “الخلاف مع أحمد بن صالح حين كان على رأس الاتحاد، والصراع مع أحمد التليلي، الذي أُقيل لأنه انتقد النظام واعتبره منحرفًا. بلغ هذا الصراع ذروته في “الخميس الأسود”.

وتُشير بعض التفسيرات إلى وجود تحالف سرّي بين وسيلة بورقيبة والحبيب عاشور لإسقاط حكومة الهادي نويرة. فشلت محاولات الوساطة، واعتُقل عاشور سابقًا في الستينات، وبرّر الصياح ذلك بارتكاب النقابي البارز مخالفات إدارية، رغم أن المتحدث يرى أن ذلك كان غطاءً لدوافع سياسي”.


انتهى هذا الصراع بـشكل دموي ومأساوي في “الخميس الأسود”،- يقول حجّي-  حيث سقط شهداء، واعتُقل عدد من النقابيين، وتم إضعاف الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد اعتُبرت طريقة إنهاء الأزمة مفتقدة للحكمة، إذ اختار النظام الحسم بـ”القوة” إن اقتضى الأمر.

القضية الفلسطينية أصل ومركز الصراع الخارجي
قال الصحفي لطفي حجي إنّ بورقيبة واجه صراعات مع عدد من القادة، أبرزهم جمال عبد الناصر، وقد نشأ هذا الخلاف أساسًا لأن عبد الناصر استضاف صالح بن يوسف، الذي كان معارضًا سابقًا لبورقيبة. وكان بورقيبة يعتبر أن عبد الناصر لا ينبغي أن يُغفَر له هذا التصرف.

وبحسب محمد الصياح، فإن جوهر الخلاف يعود إلى اختلاف عميق في الفكر، بل واختلاف في “العصر” نفسه. فقد كان بورقيبة يمثل مدرسة الواقعية العقلانية ويتمتع بمهارات إستراتيجية وتكتيكية، في حين كان عبد الناصر يُنظر إليه على أنه “يعتمد على الشعارات والثرثرة والخطابات الرنانة”. وكان عبد ناصر يتدخل في شؤون الدول الأخرى، ويسعى لفرض رؤيته، وهو ما كان بورقيبة يرفضه بشدة، مشددًا على سيادة الدولة التونسية واستقلالية قراراتها.


أما النقطة الأهم في الخلاف، فكانت القضية الفلسطينية. فقد كان النزاع بين الواقعية التي يمثلها بورقيبة، والذي دعا إلى القبول بالشرعية الدولية وقرار تقسيم فلسطين، وبين الطرح “الثوري” الذي تبنّاه ناصر.

“غدر” عبد الناصر..ومحاولات الاغتيال
رؤية بورقيبة، التي عبّر عنها خاصة في خطابه الشهير بأريحا عام 1965، كانت تقوم على أن الفلسطينيين يجب أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، وعلى العرب أن يقدّموا الدعم والمساندة فقط، دون تدخل مباشر. ووفقًا لما رواه الصياح، فإن ناصر وافق سرًا على اقتراح بورقيبة بقبول التقسيم لتأسيس دولة فلسطينية، لكنه هاجمه بشدة لاحقًا في العلن، مما اعتُبر خيانة وغدرا منه. بعد خطاب أريحا، تعرّض بورقيبة لهجوم عنيف من وسائل الإعلام المصرية، خاصة إذاعة “صوت العرب”، كما تم إحراق مقر إقامة السفير التونسي في القاهرة، وفق ما جاء على لسان ضيف “واحد من الناس”.

وقال حجي إنّ بورقيبة كان يرى أن القبول بالشرعية الدولية يمثل سلاحًا سياسيًا ضد إسرائيل، التي ترفض مثل هذه الشرعية، مما سيُضعف موقفها أمام المجتمع الدولي. وقد استلهم بورقيبة هذه الاستراتيجية من تجربته ضد فرنسا، حيث دمج بين التفاوض والكفاح المسلح. وتؤكّد بعض الأحداث لاحقًا – مثل هزيمة العرب سنة 1967 – صواب رؤيته، حسب المصادر.

كما أكّد بورقيبة، وأيّده في ذلك الصياح، أنه كان هدفًا لمحاولة اغتيال سنة 1963، دبّرها صالح بن يوسف بالتعاون مع المخابرات المصرية. كما نقل حسيب بن عمار عن محاولة اغتيال أخرى استهدفت بورقيبة في بيروت بعد خطاب أريحا، حين انفجرت سيارة قرب موكبه.

وفي أفريل 1965، أرسل بورقيبة رسالة شهيرة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ينتقد فيها الهجوم الإعلامي عليه، مؤكدًا أن “الكلام الكثير” لا يحلّ القضية الفلسطينية، كما عبّر عن شكوكه في كفاءة القادة العسكريين العرب.

الصراع مع القذافي: ”محاولات الترويض”
اعتبر لطفي حجي إن ” بورقيبة واجه أيضًا تحديات مع الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي كان يعتبره شابًا متهورًا ومغامرًا، لكنه سعى إلى استمالته نحو معسكر المغرب العربي، بعيدًا عن تأثير عبد ناصر. حيث بدأت المشاكل منذ تصريحات القذافي عام 1970، وكان أهمها محاولة الوحدة الفاشلة بين تونس وليبيا عام 1974. بشكل مفاجئ، وافق بورقيبة على إعلان الوحدة مع القذافي في جربة، حيث تم الإعلان عن إنشاء “الجمهورية العربية الإسلامية”. وكان هذا القرار من تخطيط وزير الخارجية آنذاك محمد المصمودي، وقد فاجأ الجميع”..


لكن المعارضة الداخلية، خاصة من الوزير الهادي نويرة، دفعت بورقيبة إلى التراجع، مقترحًا عرض المسألة على استفتاء شعبي، ثم  التذرّع بعوائق دستورية.. ويُذكر أن الجزائر عبّرت عن رفضها الشديد للفكرة، حيث يُقال إن الرئيس هواري بومدين هدّد بالتدخل العسكري إن تم تنظيم الاستفتاء.وفق تأكيد لطفي حجي.

وبعد فشل هذه الوحدة، كثّفت ليبيا تدخلها في الشؤون التونسية، وهو ما اعتُبر محاولة انتقامية من القذافي. ومن أبرز هذه التدخلات، محاولة اغتيال رئيس الوزراء الهادي نويرة عام 1976، وكذلك أحداث قفصة، حيث حاولت مجموعات مسلحة التسلل والسيطرة على المدينة لإسقاط النظام. وقد اعتُبرت هذه الأفعال تجاوزات خطيرة وسلوكًا غير لائق بين دولتين جارتين، حسب ما أكده الكاتب لطفي حجي.

المصدؤ: راديو “موزاييك”

إضغط هنا لمزيد الأخبار

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى