أهم الأحداثمقالات رأي

أولويات حكومة بودن… تجميد الأجور ورفع الدعم والترفيع في الضرائب والتفويت في المؤسسات العمومية

  جنات بن عبد الله * 

تعيش الساحة الاقتصادية اليوم على وقع فوضى سياسية عمقت الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية التي دخلت فيها بلادنا منذ الثورة الى اليوم.
ورغم خطورة وضعية المالية العمومية وتهديد عجز ميزان الدفوعات الناتج عن تفاقم عجز الميزان التجاري بفقدان تونس لقدرتها على تسديد الديون الخارجية، انخرطت حكومة بودن بكل أريحية في برنامج الإصلاحات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي والذي شكل محور توجهات ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2022 في ظل سياسة تعتيم إعلامية أغلقت كل منافذ الوصول الى المعلومة.

وفي الوقت الذي حافظت فيه تونس على تقاليدها، منذ الثورة، في مجال مناقشة مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية في هذه الفترة من السنة في مجلس نواب الشعب، رغم المؤاخذات والهنات التي رافقت عملية الاعداد والمداولات البرلمانية، فإننا نعيش اليوم حالة غير مسبوقة من التعتيم الإعلامي والفوضى السياسية التي التهمت المكاسب التي تحققت بعد الثورة في مجال تدفق المعلومة وتوفيرها للرأي العام التونسي بكل أطيافه وانتماءاته ومواقعه للمشاركة، ولو صوريا، في قراءة ونقد خيارات وتوجهات ميزانية الدولة صيغت في مكاتب مغلقة وعلى مقاس أجندات داخلية وجدت لمصالحها تقاطعا فيما ضبطه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي من “إصلاحات” لا تتوافق مع أولوياتنا التنموية.

وفي الوقت الذي كرست فيه كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في ظل سياسة التعتيم والتضليل، ومن خلال توجهات وإجراءات قانون المالية الذي يشكل الية تمويل ميزانية الدولة، برنامج إصلاحات هيكلية ممول من الأطراف الخارجية المانحة يتضارب مع حقوق الشعب التونسي في العمل والصحة والتعليم والبيئة السليمة والنقل وكرامة العيش، واستماتت في الدفاع عنه، بتوصية من المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، عند زيارتها لتونس في سنة 2012، حيث دعت الحكومة التونسية أنذاك الى تبني برنامج الإصلاحات الهيكلية والترويج له على أساس أنه مشروع وطني، لم تشذ حكومة بودن اليوم عن هذا المسار، بل أعلنت عنه بالصوت العالي وبكل ثقة على لسان وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد وذلك بمناسبة أشغال الدورة 35  لأيام المؤسسة التي نظمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات عندما علق على الشروط التي تفرضها جهات التمويل الأجنبية على غرار صندوق النقد الدولي بالقول “أن جميع مقترحات الإصلاح التي تتقدم بها هذه المؤسسات تصب في مصلحة تونس”.

ولا ندري ما اذا كان السيد الوزير على وعي بما قدم من تحليل أو أنه يستخف بالرأي العام التونسي عندما وصف الإصلاحات التي ستقدم على تنفيذها حكومة بودن بأنها “ردة فعل تجاه التراكمات السابقة والتي قادت الى الركود الاقتصادي طيلة عشر سنوات زادها الوضع الصحي حدة” وكأنه أراد تبرئة برنامج الإصلاحات الهيكلية مما تعانيه اليوم المالية العمومية من شح في السيولة وما تسبب فيه قانون استقلالية البنك المركزي، الذي يترجم الإصلاحات في مجال السياسة النقدية، من انهيار للدينار وتدمير لمحركات النمو من استهلاك واستثمار وتصدير.

في ذات السياق كشفت مستشارة رئيسة الحكومة سامية الشرفي قدور في افتتاح الملتقى السنوي لمراقبي المصاريف العمومية لسنة 2021 الذي انتظم يوم 14 ديسمبر 2021 عن أهداف سياسة المالية العمومية لسنة 2022 المتمثلة في مزيد ترشيد الانفاق العمومي ومضاعفة القدرات الاقتصادية من خلال خلق شروط انتاج الثروة في كامل أنحاء البلاد عبر الاستثمار والادخار.

ومرة أخرى، وفي ظل غياب المعلومة المتعلقةبتفاصيل قانون المالية لسنة 2022 وفرضيات اعداد ميزانية الدولة المتعلقة بنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي المنتظرة وسعر صرف الدينار مقابل الدولار وسعر برميل النفط، كشفت مستشارة رئيسة الحكومة عن التصور الذي سيقوم عليه قانون المالية لسنة 2022 والذي لا يختلف عما سبقه قبل 25 جويلية 2021 بل يندرج هذا القانون في اطار استكمال ما بدأت في تنفيذه الحكومات السابقة بنسق بطيء وبعد انتخابات سنة 2014 ولكن هذه المرة بنسق اسرع باعتبار حاجة هذه الحكومة لرضى صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي للحصول على تأشيرة الحصول على قرض من الصندوق والخروج على السوق المالية العالمية.

وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر سياسة مالية عمومية تقوم على تحفيز الطلب والتشجيع على الإنتاج من خلال سياسة مالية عمومية توسعية، لم تتردد حكومة بودن في السقوط في الإصلاحات الهيكلية التي تقوم على سياسة مالية عمومية تقشفية تقوم على مواصلة تجميد الأجور والانتدابات في الوظيفة العمومية ورفع الدعم على المواد الاساسية والمحروقات والترفيع في الضرائب والاداءات والمعاليم والتفويت في المؤسسات العمومية معلنة بذلك الحرب على الشعب التونسي الذي عبر، طوال السنوات العشر الأخيرة، عن رفضه لمثل هذه الخيارات من خلال الاتحاد العام التونسي للشغل، ومن خلال مختلف أشكال الرفض النقابية، لنتساءل اليوم عن هامش التحرك الممكن والمتاح أمام الشعب التونسي للتعبير عن رفضه للزيادات الأخيرة التي ستشهدها أسعار الخبز ومشتقات الحبوب، والزيادات المنتظرة في المعاليم والاداءات، والتخفيض المنتظر في أجور الموظفين وجرايات التقاعد، فضلا عما ينتظرنا من سياسة نقدية متشددة، تقوم على الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي، لمواجهة ارتفاع الأسعار، التي ستأخذ منحى تصاعديا نتيجة رفع الدعم على المحروقات وعلى المواد الأساسية، وسياسة صرف مرنة تؤدي الى مزيد انهيار الدينار، بسبب تراجع التصدير نتيجة ضرب “استثمار”، ستعول عليه رئيسة الحكومة “لإنتاج الثروة”، للوقوف عند حقيقة هذه الحكومة، التي لم تتردد في التسويق للوهم والمغالطات، كسابقاتها.

** إعلامية وكاتبة ومحللة في الاقتصاد السياسي

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى