أهم الأحداثالمغرب العربيدولي

تفاصيل التفاهمات التركية مع حكومة “الوفاق” الليبية بشأن مستقبل المفاوضات

طرابلس ــ الرأي الجديد (مواقع إلكترونية)

ما تزال الأزمة الليبية تقف عند عتبات مدينة سرت (وسط)، الإستراتيجية، بالنسبة لجميع الأطراف المحلية والإقليمية، في الوقت الذي يبدو فيه، أن تركيا نجحت في الضغط على خصوم حليفتها (حكومة “الوفاق”) الدوليين من أجل تغيير سياساتهم في ليبيا.

وناقش رئيس المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق”، فايز السراج، مع وفد تركي رفيع المستوى، يضم وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن، ووزير المالية براءات ألبيرق، ورئيس الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، سبل متابعة تنفيذ مذكرة التفاهم الأمني والعسكري الموقعة بين البلدين في نوفمبر الماضي، والتعاون في بناء القدرات الدفاعية والأمنية لقوات حكومة “الوفاق”، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس.
من جهته، قال وزير الخارجية التركي لصحافيين، وفق ما أوردته وكالة “الأناضول”، إنّ زيارته لطرابلس جاءت للتأكيد مجدداً وبشكل أقوى على دعم أنقرة لليبيا، مضيفاً “تناولنا كذلك سبل تحقيق وقف إطلاق نار دائم في لبيبا، والتوصل لحل سياسي دائم، فضلاً عن تقييمنا لجهودنا التي سنقوم بها تحت سقف الأمم المتحدة، ومنها الخطوات التي سنتخذها مع المجتمع الدولي”.
وجاءت الزيارة التركية، بهذا التمثيل الرفيع، بعد تخفيض في مستوى التمثيل في مشاورات كان من المزمع أن تبدأ يوم الاثنين الماضي، مع روسيا حول الملف الليبي.

قلب موازين المعركة
في هذا الصدد، كشف مصدر حكومي مقرّب من حكومة “الوفاق” في طرابلس، النقاب عن تفاهمات بين الحكومة الليبية والوفد التركي، انتهت إلى قبول “الوفاق” بالذهاب إلى مفاوضات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5، في حال تم تسليم سرت وقاعدة الجفرة، مقابل تعهدها بعدم تقدم قواتها أكثر بعدهما.
ومن دون شك فإن العرض التركي جاء وفق تفاهمات دولية يبدو أنها بدأت بتعهد القاهرة بسحب اللواء المتقاعد خليفة حفتر من المشهد وإنهاء مشروعه العسكري، لكن الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، يرى أن تركيا هي التي فرضت السيناريوهات الحالية من خلال قلبها لموازين المعركة التي دعمت فيها قوات “الوفاق”.
ويقول البرق في حديثه لـ”العربي الجديد”، إنّ مؤشر بحث الوفد التركي مع السراج متابعة تنفيذ مذكرة التفاهم الأمني والعسكري “يدل بقوة على إصرار أنقرة على البقاء قريبة إلى جانب الحكومة، ودعم قواتها وتعزيز قدراتها العسكرية”.
ويضيف أنّ “بلداً استطاع إنهاء مشروع عسكري علّقت عليه الكثير من الدول آمالها، يجب أن ينظر إليه بأهمية بالغة وله الحق في أن يفرض شروطه بعد أن أصبح اللاعب الرئيسي على الساحل الغربي للمتوسط”.
ويشرح أن “حديث الوفد التركي عن متابعة الاتفاق العسكري مع السراج يعني بشكل واضح أنّ أنقرة بدأت في تأسيس موقعها الاستراتيجي في البحر المتوسط، وبدأت بتأمين شق الاتفاق الثاني المتمثل في الاتفاق البحري الذي يحمي حقها في طاقة البحر المتوسط”.
ويبدو الظهور التركي واضحاً في تراجع مواقف الكثير من داعمي حفتر، فقد تم تخفيض مستوى الاستقبال للوفد الليبي الذي زار موسكو، الأربعاء المنقضي، ممثلاً لمعسكر حفتر، فعلى الرغم من أنه ضم نائب رئيس مجلس النواب بطبرق ووزير خارجية الحكومة التابعة لمجلس النواب وممثلاً عن حفتر، إلا أن الجانب الروسي مثله نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف، دون أن ينتهي لنتائج معلنة حتى عبر مؤتمر صحافي أو تصريحات من مسؤولي الجانب الروسي.

الدور التركي يريح واشنطن
وبمزيد من التفصيل يلفت الباحث السياسي الليبي، بلقاسم كشادة، إلى غياب شبه تام لمواقف الدول العربية الداعمة لحفتر، مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن القاهرة التي لم تعد تمس الملف الليبي من زاوية الحل السياسي السلمي.
ويوضح كشادة، في حوار إعلامي، أنّ “الوجود التركي العسكري إلى جانب قوات حكومة الوفاق، جاء في الوقت المناسب بالنسبة لواشنطن التي تراعي إعادة التوازن في المنطقة، بعدما اختل بشكل كبير بتدخل روسيا ودعمها العسكري لحروب حفتر، خصوصاً في محيط طرابلس”.
وبحسب كشادة، فإن انهيار مشروع حفتر، واعتراف داعميه العرب ضمنياً بذلك من خلال إعلان القاهرة، “حدا بالكثير من الدول إلى مراجعة حساباتها، خصوصاً إيطاليا، ويبدو أن موقف فرنسا هي الأخرى في طريق التغيير”.
ويشير الباحث السياسي الليبي، إلى موقف إيطاليا الذي بدأ، أخيراً، وفقاً لرأيه، في التخلي عن سياسة المساواة بين حكومة “الوفاق” وخصمها حفتر، بل وتغيير نظرتها المتشددة من عملية “إيريني” لمراقبة تدفق السلاح إلى ليبيا، و”غني عن البيان أن تركيا وطرابلس تنظران إلى المهمة بأنها تستهدف الاتفاق الأمني والعسكري بينهما”، وفق قوله.

باريس مجبرة على التراجع
وعلى الرغم من العلاقة المتوترة بين أنقرة وباريس، إلا أن كشادة يرى أن الأخيرة مجبرة على تغيير موقفها بعد سقوط مشروع حليفها حفتر فـ”هي مجبرة على التراجع لأنها تعترف بحكومة الوفاق، وفق قرارات مجلس الأمن، ولم يعد لديها طرف آخر تعول عليه في ليبيا”.
وكذلك على الرغم من الموقف الفرنسي الداعم لليونان المعارضة للاتفاق البحري التركي مع طرابلس، إلا أن فرنسا لم يعد لديها حلفاء أوروبيين يمكن أن تعول عليهم في بناء حلف معارض للسعي التركي للوجود في البحر المتوسط، ويشير كشادة إلى أن أبرز تلك الدول التي يمكن أن تعول عليها فرنسا هي إيطاليا التي تمتلك مصالح في غرب ليبيا، ممثلة في مواقع شركة “إيني”، ولا يمكنها المجازفة بها، ومن مصلحتها تحسين علاقتها مع حكومة “الوفاق” وحليفتها تركيا.

الاتفاق الأمني بأمان
وهو تحليل يتفق معه البرق أيضاً، إذ يشير إلى تغير كبير في مواقف الأوروبيين المشاركين في عملية “إيريني”، فقد تناقلت وسائل الإعلام تصريحات قادة العملية بشأن رصدهم لوصول طائرات مقاتلة من شرق المتوسط هبطت في قاعدة بالقرب من بنغازي، ما يعني رسالة أوروبية تطمينية لتركيا وحليفها في طرابلس، بأنّ عملية مراقبة الشواطئ الليبية لم تعد تستهدف الاتفاق الأمني بين الحكومتين.
ويضيف البرق أن “تصريحات قادة العملية الأوروبية، تشير أيضاً إلى ميل للموقف الأميركي القلق من التوغل الروسي في ليبيا، فالمرجح أن تلك المقاتلات الجوية وصلت من قاعدة روسية في سورية لتعزيز وتقوية الوجود الروسي في برقة”.
ويخلص البرق إلى أن “المشهد الليبي لا يزال معقداً، ما يسمح للكثير من داعمي حفتر بالبحث عن مواقع جديدة تختلف عن مواقعهم السابقة، بعد انهيار حفتر وبداية اختفائه من المشهد”.

شاهد أيضا :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى